Wednesday, February 04, 2015

فاشية الدولة وفاشية الدين



فاشية الدولة وفاشية الدين
علي زبيدات – سخنين
لا أدري من القائل: "إذا التقى الدين مع الدولة خسر الطرفان"، ولكن مما لا شك فيه أن هذا القول يحتوي على نسبة عالية من الحقيقة التي لم يعد هناك مجال لتجاهلها. فكما تستطيع الدولة أن تتحول إلى دولة فاشية، وقد تحولت بالفعل في العصر الحديث وفي اماكن عديدة من العالم، هكذا يستطيع الدين، كل دين أن يتحول إلى دين فاشي. لا يمكن فهم شريط الفيديو الذي نشره تنظيم داعش حول اعدام الطيار الاردني حرقا بمعزل عن هذا المنظور. قبل سنوات عندما استعمل الرئيس الامريكي جورج بوش لاول مرة مصطلح "الفاشية الاسلامية" لتبرير حربه الاستعمارية في افعانستان والعراق تصدى له المتدين وغير المتدين. ولكن اليوم وبغض النظر عن اقوال بوش الذي ينتمي هو ايضا إلى تيار ديني فاشي، لا بد من الاعتراف بوجود تيار اسلامي فاشي ولا يكفي ترديد القول بأن هذا التيار لا يمثل الاسلام لدحض هذه الشبهة.
كتب الكثير عن الدولة الفاشية وخصوصا عن النموذج الكلاسيكي لهذه الدولة في المانيا وايطاليا ما بين الحربين العالميتين. وكتب الكثير عن فاشية الدولة في اسبانيا، تشيلي، الارجنتين، اليونان، تركيا واسرائيل التي تنفي عن نفسها هذه التهمة وتلاقي من يبرئها على الساحة الدولية، كما كتب الكثير عن الاحزاب والحركات الفاشية الجديدة التي تكتسح اوروبا وأمريكا. ولكن لم يكتب مثل هذا الكم عن الفاشية الدينية، ذلك لأن الدين بغض النظر عن تسميته ما زال يحظى بهالة من القدسية يجعل منه طابو لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه. التاريخ الحديث يؤكد ان جميع الايدولوجيات قد تتحول في ظل ظروف معينة إلى ايديولوجيات فاشية. الشيء المشترك بينها وبسببه اسميها فاشية هو تقديس القوة والسلطة والدولة واخضاع الافراد واذابة شخصياتهم في التنظيم وفرض الولاء الاعمى عليهم. من هذا المنطلق، لا يهمني اذا كانت الديانة المسيحية ديانة تدعو إلى المحبة والاخاء. فمكن المؤكد أن ثمة حركات مسيحية هي فاشية بامتياز يكفي أن نذكر اليمين المسيحي، المحافظين الجدد، الليبراليين الجدد، حزب الشاي، ومنظمة الكو كلوكس كلان، فهي جميعها تنظيمات فاشية حتى ولو قال البعض انها لا تمثل الدين المسيحي. ولست هنا بصدد تعاون الكنيسة المسيحية ومن ضمنها الفاتيكان مع الانظمة الفاشية في اوروبا. وهناك فاشية يهودية وهي لا تقتصر على حفنة من اوباش المستوطنين في الضفة الغربية بل تشمل تيارات دينية مركزية في الكيان الصهيوني، هذا ناهيك عن الفاشية الاسرائيلية العلمانيه التي يمثلها الحزبان الرئيسيان الليكود والعمل. وهناك فاشية دينية بوذية ولا يغرنكم الادعاء بأن البوذية دين مسالم ينبذ العنف. فمن رأى الرهبان البوذيين في ميانمار يقتلون المسلمين العزل لن تنطلي عليه هذه الكذبة. وبعد أن تحولت الشيوعية إلى ايديولوجية جامدة لا تختلف من حيث الجوهر عن باقي الاديان انبتت هي الاخرى حركاتها الفاشية يكفي أن نذكر هنا نموذج الخيمر روج بزعامة بول بوت والنظام الفاشي الراهن في كوريا الشمالية.
من هذا المنطلق، وبعيدا عن الشعارات حول دين الرحمة والسلام، يجب أن نعترف وبدون أي تردد أو تحفظ بوجود فاشية اسلامية لا تجسدها داعش فحسب بل هناك العشرات إن لم يكن المئات من الحركات الاخرى مثل النصرة والقاعدة وانصار الله، وجند الله وجيش المهدي والعديد من الحركات الاصولية والسلفية المنتشرة من المحيط إلى الخليج. هذه الحركات نمت وترعرعت تحت كنف الفكر الوهابي والسلفي والاصولي وبتوجيه من عشرات الدعاة. وهنا لا يمكن ان نغمط الاخوان المسلمين حقهم في غرس الفاشية الاسلامية التي نمت وترعرعت في ظل تعاليم حسن البنا الذي لم يخف اعجابه بهتلر وموسوليني وتعاليم السيد قطب وغيره من منظري الاخوان.
منذ الثورة الفرنسية الكبرى وحتى يومنا هذا، كان الصراع على الصعيد السياسي يدور حول ضرورة فصل الدين عن الدولة المدنية. خلال هذا الصراع المتد لاكثر من قرنين وربع حققت الدولة المدنية في اماكن عديدة انجازات تاريخية في هذا المجال بعد أن اخلت الدين من اروقة البرلمانات والحكومات واعادته إلى دور العبادة لممارسة نشاطاته التطوعية. الا ان هذه السياسة لم تعد تجدي، ذلك لأن الدولة اصبحت وسيلة لسيطرة الطبقية البرجوازية الصاعدة وجهازا قمعيا اخطر بما لا يقاس من سيطرة الكنيسة الدينية البائدة.
في ظل النظام الرأسمالي العالمي المنفلت من عقاله، فقد شعار فصل الدولة عن الدين مضمونه الثوري التقدمي مما استوجب الاستعاضة عنه بشعار الغاء الدولة والغاء الدين. شعار الغاء الدولة ليس جديدا وطرح منذ ايام الثورة الفرنسية الاولى وناضلت الحركة الفوضوية لتحقيقه منذ ايام وليام جودوين وبرودون وباكونين وكروبتكين وحتى الثورة الاسبانية في الثلاثينيات وتمرد الطلاب في فرنسا في نهاية الستينات. كما ناضل الشيوعيون الاوائل بقيادة ماركس وانجلز لإلغاء الدولة عن طريق ديكتاتورية البروليتاريا الثورية ولكن ورثتهما الذين حققوا الغاء الدولة البرجوازية في بعض البلدان بنوا دولا جديدة تحولت بدورها الى اجهزة قمع وسيطرة طبقية. غير أن شعار الغاء الدولة ما زال حيا في صفوف العديد من الحركات الثورية والتحررية. ولكن السؤال الذي قد يثير سخط وغضب المتدينين هو: كيف يمكن الغاء الدين؟ والمقصود هنا ليس الغاء تلك النزعة الوجودية والقناعة الشخصية لكل انسان، وليس الغاء حرية المعتقدات. وكما أن الغاء الدولة لا يعني عدم وجود اسس لتنظيم المجتمع بل على العكس تحتم ذلك، فإن الغاء الدين كمؤسسة سلطوية، كجهاز قمعي، يعني تحرير الدين من قيوده التي تفرضها المؤسسات الدينية. لكي تكون مسلما جيدا انت لست بحاجة إلى مئات الجماعات والجمعيات والاتحادات والمنظمات والحركات والاحزاب الاسلامية. ولست بحاجة إلى مئات الدعاة الذين يلعبون دور الوسطاء والحراس. حرية المعتقدات مستحيلة مع هذه التنظيمات ومع هؤلاء الدعاة. بهذا المعنى مصلحة كل متدين قبل غيره أن يناضل من أجل الغاء هذا الدين الممأسس الذي يكبت حريته الدينية.

No comments: