مافي مرمرة" ولكن يوجد مرارة
علي زبيدات – سخنين
قد لا تكون هناك علاقة لغوية بين كلمة "مرمرة" التركية وبين كلمة مرارة العربية ولكن من غير شك يوجد هناك علاقة سياسية وأخلاقية قوية بينهما تصل إلى حد التطابق. كنت قد كتبت قبل سنة عندما كانت تهب على المنطقة تسونامي تركيا وصلت عند البعض إلى درجة الهلوسة، حيث تكلم هذا البعض عن عودة الخلافة الإسلامية وأن الطريق إلى القدس تمر في أنقرة، كتبت أنه يجب علينا أن نتريث قليلا، وألا نطفو على شبر من الماء. فتركيا ما زالت عضوا فعالا في حلف الناتو وسياستها الخارجية في نهاية المطاف تخدم المصالح الامبريالية الغربية وعلاقتها بأمريكا وإسرائيل أعمق من أن تؤثر عليها حادثة "مافي مرمرة". وكان كلامي هذا حينذاك نوع من أنواع الكفر خصوصا على ضوء انحطاط الموقف العربي.
هذا الأسبوع أعلنت مؤسسة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التركية ( IHH) أنها لن تشارك بسفينة "مافي مرمرة" في أسطول الحرية الثاني وبذلك طعنت ظهرها وظهر باقي المنظمين من الخلف. وأوردت أعذار كانت جميعها أقبح من ذنوب فتارة تحججت في الأوضاع غير المستقرة على الحدود التركية – السورية وطورا آخرا تحججت بأسباب فنية. ونفت الحقيقة الواضحة الوحيدة التي يراها العالم أجمع وهي الخضوع لضغوط الحكومة التركية التي رضخت بدورها للضغوطات الأمريكية والإسرائيلية.
لا أريد أن أفاخر بأن الموقف الذي عبرت عنه قبل عام اثبت صحته، وفي الوقت نفسه لا أريد أن اشمت بالذين ظنوا أن أردوغان هو صلاح الدين هذا العصر وأن النظام التركي قد أصبح نموذجا مثاليا على الأنظمة العربية أن تحتذي به. ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال طمس الحقيقة مهما بلغت مرارتها.
اعتبر الشعب الفلسطيني، بمعظم أطيافه السياسية، شهداء أسطول الحرية التسعة شهداء للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية قبل أن يكونوا شهداء لتركيا، وهذه حقيقة. إلا أن الحكومة التركية ومؤسسة الإغاثة التركية قد قدموا هذه الحقيقة قربانا على مذبح مصالحهم الضيقة مع أمريكا وإسرائيل. فكان القرار التركي أولا وقبل كل شيء غدرا بشهداء أسطول الحرية قبل أن يكون غدرا بقطاع غزة المحاصر. وفي الحقيقة لم أتوقع مثل هذا الموقف التركي المخزي خصوصا على ضوء تعنت الحكومة الإسرائيلية الذي رفضت حتى تقديم الاعتذار للحكومة التركية وأكثر من ذلك، في أعقاب تبني الأمم المتحدة نفسها للرواية الإسرائيلية وتبرئة الجيش الإسرائيلي من جرائمه بحجة الدفاع عن النفس وبأن سياسة حصار قطاع غزة لا تتعارض مع القانون الدولي. كنت أتوقع في ظل هذه العنجهية الإسرائيلية أن تكون المشاركة التركية المكثفة في أسطول الحرية الثاني هي الرد الحازم. ولكن يبدو أن وراء الأكمة يوجد ما وراءها. وإلا لماذا أعلنت تركيا عن موقفها فقط بعد الانتخابات التركية التي حقق فيها حزب أردوغان النصر؟ وما هي حقيقة وطبيعة المحادثات الإسرائيلية – التركية السرية والعلنية للمصالحة؟ وبماذا وعدت الإدارة الأمريكية الحكومة التركية؟
أنا شخصيا لا أتوقع خيرا كثيرا من السياسة التركية. العكس هو الصحيح: تركيا ما زالت أسيرة النظام العالمي الامبريالي – الصهيوني وما زالت أداة يستعملها هذا النظام لفرض هيمنته على العالم العربي، وإلا كيف نفسر وقوفها إلى جانب حلف الناتو في ضرب ليبيا؟ هل هي حقا لحماية المدنيين الليبيين من بطش القذافي؟ وما هو دورها الحقيقي بما يجري في سوريا الآن؟ هل هو دعم لمطالب الشعب السوري في الحرية أم هي رأس الحربة في التدخل الأجنبي؟
رأيي المتواضع يقول أن تركيا ما دامت عضوا ناشطا في حلف الناتو وتحتضن القواعد العسكرية الأمريكية التي تهدد أمن واستقلال المنطقة، وما دامت علاقتها حميمة مع إسرائيل بالرغم من التوترات الكلامية الأخيرة، وما دامت الأراضي التركية مشاعا أمام الموساد الإسرائيلي لغزو سوريا والعراق فإنها لا تستطيع أن تلعب دورا ايجابيا بناء في المنطقة.
تركيا، مثلها مثل باقي البلدان العربية، أحوج ما تكون إلى ثورة حقيقية. الديمقراطية التركية التي يتغنى فيها البعض ويعتبرها نموذجا لنظام إسلامي متنور ومعتدل، هي ديمقراطية مشوهة ومحدودة الضمان. لأنه لا يوجد هناك ديمقراطية حقيقية في ظل التبعية.
الحصار على قطاع غزة سوف يسقط عاجلا أم آجلا، بالرغم من تكالب ما يسمى بالمجتمع الدولي والعالم الحر والشرعية الدولية وتواطؤ الأنظمة العربية المخزي. وهو لن يسقط على يد أسطول الحرية هذا أم ذاك، بالرغم من كل التقدير والاحترام لكل من يشارك فيها معرضا نفسه للخطر، ولكنه سوف يسقط على يد الشعوب العربية بعد أن تنجز ثوراتها وتنال حريتها.
وأخيرا، في هذه المناسبة لا بد من التطرق إلى زعامات الأحزاب العربية المنطوية تحت كنف لجنة المتابعة العليا، الذين تركهم التراجع التركي كالأيتام وحرمهم من لعب دور البطولة وتوجيه السؤال التالي لهم: متى سوف تبدؤون بالتفكير في تنظيم أسطولا بريا لكسر الحصار عن قطاع غزة؟
علي زبيدات – سخنين
قد لا تكون هناك علاقة لغوية بين كلمة "مرمرة" التركية وبين كلمة مرارة العربية ولكن من غير شك يوجد هناك علاقة سياسية وأخلاقية قوية بينهما تصل إلى حد التطابق. كنت قد كتبت قبل سنة عندما كانت تهب على المنطقة تسونامي تركيا وصلت عند البعض إلى درجة الهلوسة، حيث تكلم هذا البعض عن عودة الخلافة الإسلامية وأن الطريق إلى القدس تمر في أنقرة، كتبت أنه يجب علينا أن نتريث قليلا، وألا نطفو على شبر من الماء. فتركيا ما زالت عضوا فعالا في حلف الناتو وسياستها الخارجية في نهاية المطاف تخدم المصالح الامبريالية الغربية وعلاقتها بأمريكا وإسرائيل أعمق من أن تؤثر عليها حادثة "مافي مرمرة". وكان كلامي هذا حينذاك نوع من أنواع الكفر خصوصا على ضوء انحطاط الموقف العربي.
هذا الأسبوع أعلنت مؤسسة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التركية ( IHH) أنها لن تشارك بسفينة "مافي مرمرة" في أسطول الحرية الثاني وبذلك طعنت ظهرها وظهر باقي المنظمين من الخلف. وأوردت أعذار كانت جميعها أقبح من ذنوب فتارة تحججت في الأوضاع غير المستقرة على الحدود التركية – السورية وطورا آخرا تحججت بأسباب فنية. ونفت الحقيقة الواضحة الوحيدة التي يراها العالم أجمع وهي الخضوع لضغوط الحكومة التركية التي رضخت بدورها للضغوطات الأمريكية والإسرائيلية.
لا أريد أن أفاخر بأن الموقف الذي عبرت عنه قبل عام اثبت صحته، وفي الوقت نفسه لا أريد أن اشمت بالذين ظنوا أن أردوغان هو صلاح الدين هذا العصر وأن النظام التركي قد أصبح نموذجا مثاليا على الأنظمة العربية أن تحتذي به. ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال طمس الحقيقة مهما بلغت مرارتها.
اعتبر الشعب الفلسطيني، بمعظم أطيافه السياسية، شهداء أسطول الحرية التسعة شهداء للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية قبل أن يكونوا شهداء لتركيا، وهذه حقيقة. إلا أن الحكومة التركية ومؤسسة الإغاثة التركية قد قدموا هذه الحقيقة قربانا على مذبح مصالحهم الضيقة مع أمريكا وإسرائيل. فكان القرار التركي أولا وقبل كل شيء غدرا بشهداء أسطول الحرية قبل أن يكون غدرا بقطاع غزة المحاصر. وفي الحقيقة لم أتوقع مثل هذا الموقف التركي المخزي خصوصا على ضوء تعنت الحكومة الإسرائيلية الذي رفضت حتى تقديم الاعتذار للحكومة التركية وأكثر من ذلك، في أعقاب تبني الأمم المتحدة نفسها للرواية الإسرائيلية وتبرئة الجيش الإسرائيلي من جرائمه بحجة الدفاع عن النفس وبأن سياسة حصار قطاع غزة لا تتعارض مع القانون الدولي. كنت أتوقع في ظل هذه العنجهية الإسرائيلية أن تكون المشاركة التركية المكثفة في أسطول الحرية الثاني هي الرد الحازم. ولكن يبدو أن وراء الأكمة يوجد ما وراءها. وإلا لماذا أعلنت تركيا عن موقفها فقط بعد الانتخابات التركية التي حقق فيها حزب أردوغان النصر؟ وما هي حقيقة وطبيعة المحادثات الإسرائيلية – التركية السرية والعلنية للمصالحة؟ وبماذا وعدت الإدارة الأمريكية الحكومة التركية؟
أنا شخصيا لا أتوقع خيرا كثيرا من السياسة التركية. العكس هو الصحيح: تركيا ما زالت أسيرة النظام العالمي الامبريالي – الصهيوني وما زالت أداة يستعملها هذا النظام لفرض هيمنته على العالم العربي، وإلا كيف نفسر وقوفها إلى جانب حلف الناتو في ضرب ليبيا؟ هل هي حقا لحماية المدنيين الليبيين من بطش القذافي؟ وما هو دورها الحقيقي بما يجري في سوريا الآن؟ هل هو دعم لمطالب الشعب السوري في الحرية أم هي رأس الحربة في التدخل الأجنبي؟
رأيي المتواضع يقول أن تركيا ما دامت عضوا ناشطا في حلف الناتو وتحتضن القواعد العسكرية الأمريكية التي تهدد أمن واستقلال المنطقة، وما دامت علاقتها حميمة مع إسرائيل بالرغم من التوترات الكلامية الأخيرة، وما دامت الأراضي التركية مشاعا أمام الموساد الإسرائيلي لغزو سوريا والعراق فإنها لا تستطيع أن تلعب دورا ايجابيا بناء في المنطقة.
تركيا، مثلها مثل باقي البلدان العربية، أحوج ما تكون إلى ثورة حقيقية. الديمقراطية التركية التي يتغنى فيها البعض ويعتبرها نموذجا لنظام إسلامي متنور ومعتدل، هي ديمقراطية مشوهة ومحدودة الضمان. لأنه لا يوجد هناك ديمقراطية حقيقية في ظل التبعية.
الحصار على قطاع غزة سوف يسقط عاجلا أم آجلا، بالرغم من تكالب ما يسمى بالمجتمع الدولي والعالم الحر والشرعية الدولية وتواطؤ الأنظمة العربية المخزي. وهو لن يسقط على يد أسطول الحرية هذا أم ذاك، بالرغم من كل التقدير والاحترام لكل من يشارك فيها معرضا نفسه للخطر، ولكنه سوف يسقط على يد الشعوب العربية بعد أن تنجز ثوراتها وتنال حريتها.
وأخيرا، في هذه المناسبة لا بد من التطرق إلى زعامات الأحزاب العربية المنطوية تحت كنف لجنة المتابعة العليا، الذين تركهم التراجع التركي كالأيتام وحرمهم من لعب دور البطولة وتوجيه السؤال التالي لهم: متى سوف تبدؤون بالتفكير في تنظيم أسطولا بريا لكسر الحصار عن قطاع غزة؟
No comments:
Post a Comment