التضامن واجب وطني ولكن ليس في كل مكان
علي زبيدات – سخنين
عندما عاد أعضاء وفد فلسطينيي المناطق المحتلة عام 1948 الذين شاركوا في أسطول الحرية لكسر الحصار على غزة والذي هاجمته دولة إسرائيل بهمجية تاركة تسعة شهداء وعشرات الجرحى، استقبلوا استقبال الأبطال وكأنهم قد عادوا من معركة. وقد كانت معركة بالفعل بالرغم من تواضعها. فالمعارك ليست حصرا على المدافع والدبابات والطائرات العسكرية. المواقف الوطنية الملتزمة والدفاع عن الحقوق الإنسانية لأي شعب أو فرد والكلمات الصادقة والجريئة ضد أي عدوان هي أيضا معارك، وهي لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية بل وفي كثير من الأحيان تتفوق عليها من حيث الأهمية.
لذلك، كان من الطبيعي أن تستقبل جماهير شعبنا أعضاء الوفد العائدين بالحفاوة والترحاب وتعبر عن ذلك بزيارات التضامن لأعضاء الوفد في بيوتهم أو مكاتبهم وتنظم أمسيات التضامن الاحتفالية على طول الوطن السليب وعرضه. لقد شارك في أعمال التضامن هذه أعداد كبيرة من كافة طبقات الشعب بغض النظر عن انتماءاتها الحزبية وبرامجها السياسية. لا أبالغ إن قلت أن أسطول الحرية قد قرب بين القلوب المتنافرة أضعاف ما يمكن أن تعمله الخطابات البلاغية الداعية للوحدة والصفقات المبرمة في مواسم الانتخابات المختلفة.
وقد كان للنائبة حنين الزعبي نصيب الأسد في هذا الترحاب والتضامن. ولم يكن ذلك فقط لكونها امرأة، وهي عملة نادرة في مثل هذه المناسبات، بل أيضا لموقفها الرائع في الدفاع عن المشاركين الذين تعرضوا للعدوان الإسرائيلي وموقفها الجريء في التصدي للمعتدين وفضح ممارساتهم وهي التي لا تملك إلا قوة جسدية سياسية محدودة جدا.
وأنا شخصيا، وغيري الكثيرين، وبالرغم من خلافاتي السياسية المبدئية مع النائبة حنين الزعبي ومع حزب التجمع الذي تمثله، ساهمت بشكل متواضع في التضامن معها لما قدمته ولما مثلته في مشاركتها بأسطول الحرية.
ولكني، وأقولها بصراحة، لم أستطع التضامن معها أمام الهجمة العنصرية التي تعرضت لها من قبل زملائها في الكنيست الإسرائيلي. وأظن أن السبب الرئيسي لذلك واضح للعيان: لقد كان عليها واجب وطني، أخلاقي وإنساني أن تشارك في أسطول الحرية وتعمل على كسر الحصار الجائر على قطاع غزة، بينما وجودها في الكنيست كان بمحض إرادتها، بسبب قناعاتها السياسية. لا يوجد هناك أي واجب وطني أو أخلاقي للتواجد في الكنيست، بل كان هناك واجب حزبي نابع عن قناعات سياسية معينة هي تعتبرها صحيحة وأنا أعتبرها خاطئة.
بالنسبة لي، وربما أيضا بالنسبة لآخرين، حنين الزعبي المناضلة التي كانت تشق عباب البحر متجهة إلى غزة من على متن سفينة مرمرة هي شخص وحنين الزعبي، عضوة الكنيست التي تقارع ريفلن وميخائيلي وليفين وغيرهم من العنصرين في الكنيست هي شخص آخر. لا يستطيع أحد أن يقنعني أن التضامن الذي منح من القلب لحنين ولغيرها من المشاركين في أسطول الحرية هو نفس التضامن معها من أجل الحفاظ على بعض "الامتيازات" التي تمنحها الكنيست لأعضائها والتي يريد بعض الأعضاء سلبها منها.
المرحلة ليست مرحلة انتخابات، وهذه المقالة ليست بصدد مقاطعة الانتخابات للكنيست الإسرائيلي. والكلام عن حنين الزعبي بالذات فقط لأنها كانت عضو الكنيست الوحيد في الأسطول، ولكنه ينطبق على كافة أعضاء الكنيست العرب بغض النظر عن جنسهم وأحزابهم.
ما جرى لحنين الزعبي في الكنيست يؤكد ما كنا دوما نقوله وما زلنا نقوله: أن الكنيست الإسرائيلي هو بؤرة عنصرية لا أمل في تغييره. وقد آن الأوان للأحزاب العربية أن تستفيق من أوهامها وتكف عن الترويج لمعاركها الدونكيشوتية التي تشنها في أروقة الكنيست:
تقول حنين الزعبي في خطابها الدفاعي:" قضيتي هي الامتحان الحقيقي للديمقراطية الإسرائيلية، وتهديدكم لي هو تهديد للإمكانية الوحيدة للديمقراطية والمساواة الحقيقية بين المواطنين العرب واليهود" ألم تكن أحداث النكبة وما نجم عنها من تشريد وسلب وقتل وحصار على مدى 62 عاما امتحانا حقيقيا للديمقراطية الإسرائيلية؟
ويقول عضو الكنيست محمد بركة: " هذه كنيست كهانا، أجواء البهيمية وأخلاقيات الرعاع تسيطر عليها". ومن الذي يضربك على يديك لكي تستنشق هذه الأجواء يا رفيق؟
عتابي لحنين الزعبي ولغيرها من أعضاء الكنيست العرب ليس من باب التشفي. لا أقول لها أنك تستحقين هذه المعاملة التي سعيت إليها بنفسك ولا تلومين غير نفسك. بل أقول أن الكنيست هو آخر مكان يمكن أن يكون مسرحا لمعركة وطنية أو أخلاقية. لندع العنصريين يرقصون مع بعض على أنغامهم العنصرية.
No comments:
Post a Comment