كيف أصبحنا جمهورية موز؟
علي زبيدات – سخنين
يخطئ من يعتقد أن هذا المصطلح يقتصر على دول أمريكا الوسطى الصغيرة والفقيرة المنتجة للموز فقط، بل ينطبق أيضا على دول عديدة في العالم، من ضمنها وبدرجات متفاوتة على 22 دولة عربية. تتسم جمهورية الموز (حتى ولو كانت تسمى مملكة أو مشيخة أو إمارة) بعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، بسبب وقوعها تحت حكم طبقات أو فئات صغيرة وفاسدة تشكل نظاما ديكتاتوريا رجعيا متخلفا، تتصرف وكأن البلاد مزرعة خاصة لها، تحرص على أن تبقى البنى التحتية في البلد متدنية ومتخلفة تعتمد على مصدر اقتصادي واحد، قد يكون الموز في أمريكا الوسطى وقد يكون النفط في دول الخليج. هذا بالإضافة إلى الفوارق الاقتصادية الشاسعة بين الطبقات والبون الشاسع في توزيع الثروات الوطنية. كما تعتمد في الأساس على الرأسمال الأجنبي الذي يجلب معه الهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية للبلد.
هذه باختصار صفات جمهورية الموز بغض النظر عن موقعها الجغرافي. ألا تنطبق هذه الصفات على كافة بلدان جامعة الدول العربية؟ لنأخذ دول الخليج على سبيل المثال للحصر: سوف تعود هذه البلدان عندما ينضب النفط إلى العصر الحجري وستتحول سيارات الكاديلاك والمرسيدس إلى أقنان للدجاج. يعيث الفساد في أوساط الزمرة الحاكمة التي تستأثر بثروات البلد مما يجعل الفوارق بين الطبقات أبعد من المسافة بين السماء والأرض. من جهة أخرى أصبحت هذه الدول مرتعا لكافة مخابرات العالم ومشاعا أمام الهيمنة الأجنبية وخصوصا الغربية والإسرائيلية. تنتشر القواعد العسكرية على طول البلاد وعرضها وتستعمل لبسط الهيمنة وشن الاعتداءات على البلدان المجاورة مقابل حماية هذه الأنظمة.
الوضع ليس أفضل بكثير في باقي الدول العربية ولكني هنا لست بصدد تناول كل دولة ودولة. سوف اقتصر الكلام على مكان احترت في تسميته: هل هو جمهورية أم هو مشيخة ؟ هل يشكل دولة أصلا؟ أم هو خليط فريد من نوعه يجب أن نبحث له عن اسم مناسب؟ حسنا، الاسم ليس مهما هنا، المقصود طبعا المناطق الفلسطينية التي تسمى مجازا: "السلطة الوطنية الفلسطينية" والتي أصبحت خلال فترة عمرها القصير نموذجا كلاسيكيا لجمهوريات الموز.
فساد الزمرة "الحاكمة" – وقد وضعت هذه الكلمة بين هلالين لأنها في الحقيقة محكومة وليست حاكمة- أصبح على كل لسان. اعتمادها الأول والأخير على الرأسمال الأجنبي إن كان ذلك من الدول المانحة أو من هبات وكالة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وبعض الدول العربية. الفوارق الطبقية بين فئة المقامرين والمتسولين من عامة الشعب فاحشة جدا. والأسوأ من كل ذلك أن هذه الزمرة تتصرف وكأن فلسطين مزرعة خاصة لها ورثتها عن أجدادها. فتتنازل هنا وتعطي هناك وتفاوض في مكان آخر وكأن الشعب الفلسطيني الذي قدم التضحيات غير موجود بتاتا. فهذا رئيس السلطة يخبر الوسيط الأمريكي لكي يخبر المحتل الإسرائيلي (وكأنه لا يعلم!) بأنه في حالة التوصل إلى اتفاقية سلام سيوافق على بقاء حائط البراق و"الحي اليهودي" تحت السيطرة الإسرائيلية بالإضافة إلى ضم المستوطنات فيما يسمى غوش عتصيون ومودعين عيليت وجفعات زئيف وغيرها. يقول ذلك ببساطة وكأن هذه الأماكن ملك خاص له ولعائلته جاءته بالوراثة وليست ملكا للشعب الفلسطيني. وفي مناسبة أخرى، حول مائدة عشاء ضمته مع بعض الصحفيين الإسرائيليين يقول: إننا أخطأنا في رفض قرار التقسيم. والنا هنا تعني الشعب الفلسطيني، هل فوضه أحد أن يتكلم باسمه؟ كما يفتخر أمامهم بنجاح الأجهزة الأمنية بالحفاظ على أمن إسرائيل وذلك باعتراف رئيس الشاباك يوفال ديسكن نفسه. ويؤكد أمامهم مرة أخرى بأنه لن يقبل المصالحة مع حماس إذا لم تتبنى مبادرة السلام العربية وخارطة الطريق وكافة الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل. ووصلت به المجاملة، وهذه ألطف كلمة أجدها، بأن نصف الفلسطينيين على الأقل يشجعون المنتخب الأمريكي في المونديال، وأنا أتحدى أن يقف عشرة فلسطينيين يعلنون على الملأ بأنهم من مشجعي المنتخب الأمريكي.
في الوقت نفسه يرسل رئيس حكومته للقاء وزير الحرب الإسرائيلي، ويقولون لنا أن لا علاقة بين هذا اللقاء وبين المفاوضات مباشرة كانت أو غير مباشرة. هل يوجد من يصدق مثل هذا الكلام؟ أم أنهم يتبعون المثل الذي يقول: كلما كبرت الكذبة كثر من يصدقها؟
هذه هي باختصار جمهورية الموز الفلسطينية. السؤال الذي يطرح نفسه على كل فلسطيني بعد هذه السنوات الطوال من النضال والتضحيات: هل نقبل أن نكون تلك القرون المعوجة من الموز، مع الاعتذار للموز كفاكهة، في أيدي تجار الموز الفاسدين؟
لقد آن الأوان أن نقرر: هل نريد جمهورية موز أم وطنا عزيزا حرا؟
No comments:
Post a Comment