Wednesday, June 30, 2010

اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب

اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب
علي زبيدات – سخنين

مر اليوم العالمي لمناهضة التعذيب في الأسبوع الماضي مرور الكرام. ذكرته بعض المواقع الإخبارية بسطر أو سطرين ونوهت به بعض منظمات حقوق الإنسان وكأنه من مخلفات الماضي السحيق وكأن عالمنا اليوم مليء بالرفق والحنان ويخلو من كافة أشكال التعذيب مع أن الحقيقة تشير إلى العكس من ذلك تماما.
يظن البعض أن وفرة الاتفاقيات الدولة المناهضة للتعذيب كافية بأن ترسل هذه الظاهرة اللاإنسانية إلى متحف التاريخ وكأنها من مخلفات عصور مظلمة في التاريخ البشري. فها هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد على عدم جواز إخضاع أحد للتعذيب وسوء المعاملة والعقوبة القاسية واللاانسانية. وها هي اتفاقيات جنيف تؤكد على ضرورة منح جميع المعتقلين حق ممارسة الأنشطة الذهنية والتعليمية والترفيهية والرياضية ومواصلة الدراسة وتوفير الغذاء الكافي كما ونوعا وتوفير الرعاية الصحية وغيرها من الحقوق الإنسانية. وها هي الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب تؤكد مرة أخرى عدم شرعية استعمال أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أم عقليا بقصد الحصول على اعترافات أو معلومات. وتدعو إلى مقاضاة كل من يلجأ إلى هذه الأساليب. هذا غيض من فيض من النصوص الدولية حول هذا الموضوع، لكن يبدو أنه كلما زاد الحديث عن مناهضة التعذيب كلما نما وترعرع واتسعت رقعته.
قلت في الماضي، وها أنا اكرر ما قلته: أن الدولة، كل دولة، هي في الحقيقة عبارة عن جهاز قمع مكون من جيش وشرطة ومخابرات وسجون هدفه الأساسي الحفاظ على النظام وليس الدفاع عن جماهير الشعب. قد يكون هذا الجهاز القمعي همجيا وبدائيا وقد يكون متطورا. وبالتالي يستعمل كل جهاز الأساليب التي تلائمه في التعذيب.
لقد قطعت الدول الحديثة وخصوصا الدول المتطورة صناعيا وتكنولوجيا شوطا بعيدا في تطوير جهازها القمعي. وهي تمارس شتى أنواع التعذيب بينما تعلن صباح مساء التزامها وتمسكها بالاتفاقات الدولية المناهضة للتعذيب. ولعل الممارسات الأمريكية في سجن أبو غريب وغوانتنامو وغيرهما من السجون المعروفة والسرية خير مثال على ذلك ولكنها ليست المثال الوحيد. ينبغي ألا ننسى أن الهدف من التعذيب الأمريكي هو نشر الحرية والديمقراطية.
أما دولة إسرائيل فقد طورت أساليب التعذيب حتى جعلت منه علما وفنا. في البداية كانت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تركز على استعمال التعذيب الجسدي للمعتقلين من أجل انتزاع الاعترافات والمعلومات منهم. في الوقت نفسه كانت تنفي اللجوء إلى التعذيب وتدعي أن المعتقلين قدموا اعترافاتهم بمحض إرادتهم وأن الكلام عن التعذيب ليس إلا افتراء على الأجهزة الأمنية الأكثر أخلاقية في العالم، على غرار الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. مع الوقت ومع تطور الصراع طورت هذه الأجهزة أساليبها في التعذيب وأخذت تركز على التعذيب النفسي والذهني مع أنها لم تتخلى عن التعذيب الجسدي الذي حددته محكمة العدل الإسرائيلية العليا وبهذا أصبحت إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تجيز استعمال التعذيب قانونيا. يرتكز التعذيب النفسي عن العزل التام وإرهاق المعتقل بمنع النوم عنه لفترات طويلة وإخضاعه للتحقيق لساعات طويلة بالإضافة إلى استعمال الوسائل الحديثة التي تهدف إلى كسر معنويات المعتقل وتدمير شخصيته. لقد استشهد العشرات من المناضلين خلال التحقيق معهم بينما لا يزال الآلاف من المعتقلين يعانون من آثار التعذيب حتى بعد سنين طويلة من خروجهم من السجون الإسرائيلية.
حسب رأيي تعريف التعذيب في المواثيق الدولية ضيق وناقص وعلى المختصين في هذا المجال إعادة النظر في هذا التعريف. فالتعذيب لا يقتصر على ممارسات الأجهزة الأمنية في السجون وفي أقبية التحقيق، بل هو أوسع من ذلك بكثير. أليس الحصار المفروض على غزة هو شكل من أشكال التعذيب؟ أليست سياسة هدم البيوت واقتلاع الأشجار ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وإرهابهم شكلا آخرا من أشكال التعذيب؟ وماذا عن الجدار الفصل العنصري ومئات الحواجز وسياسة الاعتقالات والمداهمات العشوائية للبيوت والتصفيات الجسدية؟ أليست هذه تعذيبا على نطاق جماعي؟ هل يمكن الفصل بين ما يدور داخل السجون والمعتقلات وبين ما يدور خارجها؟ هل يكفي أن نضع ما يدور في أبو غريب وغوانتانمو مثلا في خانة التعذيب وتدمير العراق وقتل العديد من أهله خارج هذه الخانة؟ هل يمكن التمييز بين من يستشهد برصاص الجنود أو المستوطنين وبين من يستشهد على أيدي المخابرات؟
قلت انه كلما تطورت الدولة كلما تطورت أساليب التعذيب التي تستعملها. الأمة العربية ابتليت بدول متخلفة وما زالت تستعمل أساليب متخلفة في التعذيب. ما يجري في سجون مصر وسوريا والأردن والسعودية وغيرها من الدول العربية لا يعلمه غير الأجهزة الأمنية وغير الله. من حين لآخر تتسرب بعض المعلومات التي تقشعر لها الأبدان. هل تستطيع دول كهذه أن تكون طرفا في أي نضال تحرري؟
ونحن، الشعب الفلسطيني، أنعم الله علينا بدولة ممسوخة أو بالأحرى بدولتين ممسوختين واحدة في الضفة الغربية وأخرى في قطاع غزة. وها هي سجون السلطة تمتلئ بالمساجين بعدما أصبح فدائيو الأمس سجانين اليوم يزجون بالمقاومين الجدد في بالسجون. تعلمنا أساليب التعذيب من إسرائيل بسرعة فائقة وفي كثير من الأحيان تفوقنا عليهم. إن الكلام عن التعذيب في السجون الإسرائيلية يكون مجرد جبن ونفاق إذا صمتنا عن التعذيب في سجون السلطة أو في سجون الحكومة المقالة في قطاع غزة. لقد أصبح معروفا أن أجهزة أمن السلطة تعمل تحت إشراف، رقابة وتدريب أجهزة الأمن الأمريكية والإسرائيلية وهي مجتمعة المسئولة عن التعذيب في السجون الفلسطينية.
مناهضة التعذيب على الصعيدين المحلي والعالمي هي رافد من روافد النضال من أجل الحرية.

No comments: