نشرت جريدة هآرتس مؤخرا تقريرا عن ضابط بريطاني يدعى كولن سميث يقوم بمهمة تدريب الشرطة الفلسطينية في أحد المعسكرات في أريحا. اصبت بالذهول وانا أقرا هذا التقرير. للوهلة الاولى لم أصدق ما تراه عيناي، أإلى هذا الحضيض قد وصلنا؟ هل هذا هو مصير الثورة الفلسطينية التي كنا نعتبرها طليعة حركات التحرر الوطني في العالم العربي، لا بل في العالم بإسره؟ شعوري بالذهول تحول الى غضب ولكن بما أن العين بصيرة واليد قصيرة، سرعان ما تحول الى شعور بالخجل والذل والاهانة. يا للعار.
كولن سميث هذا هو ضابط شرطة بريطاني خدم في سلك الشرطة البريطانية 30 عاما منها 15 سنة في ايرلندا الشمالية. يقود طاقما اوروبيا مكونا من 15 خبيرا في هذا المجال، سوف يزداد تعداده قريبا لكي يصل الى 53 شخصا. يعمل منذ بداية السنة في اريحا على تدريب 500 شرطي فلسطيني. وعند الانتهاء من هذه المهمة سوف يباشر بتدريب فوج آخر من رجال الشرطة الفلسطينيين. تركز هذه التدريبات على تفريق المظاهرات، إقامة الحواجز، الاعتقالات، السيطرة على السيارات والمباني. اي بإختصار محاربة ما يسمى في قاموس حكومة فياض بفوضى السلاح والانفلات الامني، وما يسمى في القاموس الامريكي – الاوروبي – الاسرائيلي الارهاب الفلسطيني، والمعروف في قاموسنا بالشعبية للإحتلال.
يقول هذا الضابط بدون خجل او حياء: " جئت هنا لأساعد من تجربتي ومعرفتي التي اكتسبتها خلال 15 سنة كضابط مخابرات في ايرلندا الشمالية وكرئيس الوحدة الدفاعية لتفريق المظاهرات".
هل يعرف رجال الشرطة الذين يتلقون التدريب في اريحا هذا الرجل؟ ويعرفون نواياه والمهمة التي أوكلت اليه لتنفيذها؟ الا يخجلون من أنفسهم؟ ألم يسمعوا عن نضال الشعب الايرلندي من أجل الحرية والاستقلال وعن الجرائم البريطانية في حقهم؟ ألم يخبرهم أحد عن وجوه الشبه بين القضية الايرلاندية والفلسطينية وبحكم ذلك عن التعاطف بين الشعبين؟
يتدرب رجال الشرطة على تفريق المظاهرات بالطرق الحديثة والناجعة. ولكن أي مظاهرات يعنون؟ المظاهرات ضد الاحتلال؟ ضد الجدار العنصري الفاصل؟ هل هذه مهمة الشرطة الفلسطينية أن تعمل كمقاول ثانوي عند الشرطة الاسرائيلية وتقوم بالاعمال القذرة نيابة عنها؟ وما هي الحواجز التي يتدربون على استعمالها؟ الا يكفي الحواجز الاسرائلية التي تقطع اوصال البلد طولا وعرضا؟ وألا تكفي المداهمات والاعتقالات التي تقوم بها قوات الاحتلال يوميا؟ لقد جرى التطبيق الاولي لهذه التدرييات في جنين ونابلس حيث تنفذ الشرطة الفلسطينية ما تمليه عليها قوات الاحتلال الاسرائيلية.
عمل الضابط البريطاني في الشرطة جاء ليكمل عمل الضابط الامريكي كيث دايتون في المؤسسات الامنية الاخرى. وقد صرح هو الآخر كما ورد في جريدة هآرتس: " انا أمريكي ، وموجود هنا لخدمة المصالح الامريكية وتطوير العلاقات بين بلدينا، أعمل بالتنسيق الكامل مع قوات الامن الاسرائيلية والهدف من التدريبات أن يعمل الامن الفلسطيني أكثر لكي يعمل الجيش الاسرائيلي أقل" وهذا يتناغم مع تصريحات عبدالرزاق اليحيى أمام المتدربين في الاردن: "أنتم لا تتعلمون هنا لمحاربة اسرائيل او لمقاومة الاحتلال، ولكن لمحاربة الانفلات الامني، الجريمة والفوضى في فلسطين والمجموعات المسلحة. فإذا قمتم بواجبكم كما ينبغي فسيكون لدينا مشروع وطني ناجح".
يبدو انه يوجد هناك توزيع أدوار واضح: الاتحاد الاوروبي يقوم بتدريب الشرطة لكي تستطيع إعفاء الشرطة الاسرائيلية من بعض مهماتها الصعبة والمكلفة. الولايات المتحدة الامريكية تقوم بتدريب ما يسمى بقوات الامن الوقائي وتسمياته الحديثة "الامن الوطني" و"حرس الرئاسة" لكي تعفي جيش الاحتلال من بعض ممارساته الاجرامية. الدول العربية وخصوصا مصر والاردن والسعودية ودول الخليج، تساهم هي الاخرى بالتمويل والتدريب والسلاح الموافق عليه اسرائيليا. وأخيرا السلطة الفلسطينية التي تتعهد بتنفيذ هذه السياسة للحصول على شهادة حسن سلوك لكي تحسن حظها في المفاوضات التي لا تنتهي. كل هذا من أجل عيون إسرائيل.
هذا الوضع مأساة حقيقية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني. وهو يتعدى الصراع الدموي بين تنظيمي حماس وفتح وتذبذب باقي الفصائل. لا اصدق أن الشرفاء في حركة فتح يقبلون هذا الوضع. الجريمة أن يتم ذلك بإسمهم. الشرفاء في حركة فتح إما أنه تم إغتيالهم أو إعتقالهم أو مطاردتهم أو تهميشهم. الحكومة برئاسة سلام فياض ليست فتحاوية حتى ولو تم شراء بعض الرموز الفتحاوية لتزينها وإضفاء الشرعية عليها.
على الجماهير الفلسطينية أن تتكاتف وتتعاضد حتى تضع حدا لهذه المأساة وتطرد ضابط الشرطة البريطاني سميث والضابط الامريكي دايثون وامثالهما وتطهر الارض الفلسطينية من دنسهما، وتحاسب المتطاولين على القضية الفلسطينية مهما كانت المراكز التي يتبوأونها. يجب على جموع الشعب الفلسطيني بغض النظر عن إنتماءاتها التنظيمية أن تغسل هذا العار الذي لطخ عدالة قضية شعبنا الناصعة.
علي زبيدات - سخنين
No comments:
Post a Comment