تحية
من أمستردام
علي
زبيدات – سخنين
علاقتي
بهولندا علاقة مركبة جدا.
في الماضي غير
البعيد سكنت في هذا البلد حوالي ٨ سنوات.
زوجتي هولندية
جاءت الى فلسطين للتضامن مع شعبها ولكنها
كما يبدو تضامنت أكثر من اللازم بزواجها
مني وبتفضيلها العيش في سخنين على العيش
في قرية غاية في الجمال بالقرب من أمستردام.
رزقت بإبنتين كنت
اصفهما في الماضي بأنهن نصف فلسطينيتين
ونصف هولنديتين ولكن تبين فيما بعد إني
كنت على خطأ. فهن
فلسطينيتان كاملتان وهولنديتان كاملتان.
في الحقيقة، عدت
للبلاد بعد ٨ سنوات لثلاثة أسباب رئيسية:
أولا، حب اوشوقا
للوطن السليب والتزاما بالقضية الوطنية
التي استحوذت على فؤادي وعقلي منذ الصغر.
ثانيا، الطقس
البارد والماطر طيلة ايام السنة تقريبا
وأنا من عشاق الشمس. ثالثا،
الموقف الهولندي الحكومي والشعبي المؤيد
لدولة اسرائيل من غير تحفظ.
الموقف الحكومي
ما زال على حاله ولكن الموقف الشعبي يتغير
بخطوات حثيثة نحو التأييد للحق الفلسطيني.
لم
اتوقع أن أعود الى هولندا ولكن هذه المرة
في زيارة خاصة. بعد
أن اختارت ابنتي الزواج من شاب غزاوي علقت
ما بين سخنين وغزة ولم تجد مكانا تلجأ
اليه غير امستردام معتمدة هذه المرة على
هويتها الهولندية. كيف
ستتطور الامور مستقبلا؟ لا أحد يعرف، كل
ذلك يعتمد الى حد بعيد على قوانين المواطنة
الاسرائيلية. على
كل حال، هذا موضوع آخر قائم بذاته يعتمد
على مقدرتنا جميعا في مواجهة هذه القوانين
والتغلب عليها.
أود
هنا أن أشارككم بثلاثة مواقف حصلت معي في
الاسبوع الاول منذ قدومي الى هذا البلد.
الموقف الاول:
حصل في اليوم
الثاني لوصولي حينما قابلت مجموعة من
الشباب الهولنديين أعرف بعضهم معرفة
سطحية. سألني
أحدهم: من
أين أنت؟ فأجبت: من
فلسطين. فعاد
وسأل من أين في فلسطين؟ هل من القدس أم من
رام الله أم من الخليل؟ فقلت:
لا، أنا من بلد
اسمها سخنين. فسأل
مجددا: أين
في الضفة الغربية تقع؟ فقلت:
انها لا تقع بالضفة
الغربية اطلاقا بل تقع في الجليل.
وسأل باستغراب:
ولكن الجليل هو
جزء من اسرائيل وليس من فلسطين.
كنت متعبا بعض
الشيئ ولا اريد أن اسرد الحكاية من بدايتها.
فقلت له مختصرا:
تصور أن المانيا
عندما احتلت هولندا في الحرب العالمية
الثانية غيرت اسمها وأطلقت عليها اسما
آخرا فهل هذا يعني أن هولند اقد زالت؟
فقال بالطبع لا. فقلت
له هذا ما حدث عندنا: البلد
كلها تسمى فلسطين والاحتلال الاسرائيلي
غير اسم مساحة واسعة منها.
الفرق ان الاحتلال
الالماني لهولندا دام خمس سنوات بينما
الاحتلال الاسرائيلي ما زال مستمرا حتى
اليوم بعد ٦٤ عاما من الاحتلال.
والفرق الثاني أن
الاحتلال الالماني لم يرحل السكان الاصليين
ولم يجلب مستوطنين المان بدلا منهم كما
حدث عندنا. والفرق
الثالث، أن العالم أجمع كان ضد احتلال
المانيا لهولندا بينما معظم هذا العالم
لا يعتبر الاحتلال الاسرائيلي احتلالا.
فأنتم محظوظين.
الموقف
الثاني، قالت لي ابنتي:
هناك متحف أفتتح
مؤخرا سوف يعجبك وسوف نزوره غدا يسمى:
"متحف التعذيب".
وكان بالفعل متحفا
فريدا،يسرد قصة التعذيب تاريخيا على مدى
عصور ويشمل عددا كبيرا من الادوات التي
استعملت للتعذيب منذ القرون الوسطى مرورا
بمحاكم التفتيش وحتى الثورة الفرنسية.
أدوات كانت تستعملها
الكنيسة لتعذيب النساء اللاتي اتهمن
بممارسة السحر. أدوات
استعملها الحكام والنبلاء لتعذيب
المتمردين. وفي
وسط المتحف ارتفعت مقصلة حقيقية ما زالت
بلطتها قادرة على قطع الرأس عن الجسد
بضربة واحدة. عند
الخروج من المتحف قلت للعامل المسؤول:
المتحف جيد ولكن
لماذا لا يوجد ذكر للتعذيب في العصر الراهن
حتى تكتمل الصورة؟. عليك
بزيارة بعض الدول "الديمقراطية"
مثل أمريكا واسرائيل
وتستمع لقصص التعذيب في السجون الاسرائيلية
وأبو غريب وغوانتنامو.
الموقف
الثالث والاخير أكثر تفاؤلا:
بعد الخروج من متحف
التعذيب وعلى الطرف الآخر من القناة يوجد
هناك سوق فريد من نوعه هو "سوق
الورود" عشرات
بل مئات الانواع من الورود والاشتال
والزهور والابصال والبذور، مناظر خلابة
متعددة الالوان والروائح.
التمشي في هذا
السوق هي متعة حقيقية ليس فقط لعشاق الورد
بل لكل شخص خصوصا بالنسبة لنا القادمين
من أماكن أشبه بالصحراء.
No comments:
Post a Comment