Wednesday, January 13, 2010

البيانات كبديل عن النضال



لفت نظري في الأسبوع الماضي خبران تناقلتهما وسائل الإعلام المحلية، بعضها بشكل متواضع وبعضها بشكل بارز وعلى الصفحات الأولى. الخبر الأول حول بيان أصدرته مجموعة من الأحزاب التي تسمي نفسها شيوعية أو يسارية وذلك بمناسبة الذكرى الأولى للحرب على قطاع غزة. اما الخبر الثاني فإنه يتناول إقرار المبنى التنظيمي (الدستور) للجنة المتابعة. للوهلة الأولى لا يبدو وجود أي شيء مشترك بين الخبرين أو أي وجه للشبه. فقط خيال جامح يستطيع أن يربط بينهما. ولكن نظرة ثانية تثبت العكس تماما فكلا الخبرين هو تجسيد حي لدرجة الإفلاس الفكري والسياسي الذي وصلنا إليه.
البيان بمناسبة الذكرى الأولى لحرب غزة يحمل توقيع الحزب الشيوعي السوري، الحزب الشيوعي اللبناني، الحزب الشيوعي الأردني، حزب الشعب الفلسطيني، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وقد نشرته (ربما حصريا) وسائل إعلام الحزب الشيوعي الإسرائيلي، مع إنه لم يضف إليه توقيعه وأترك المجال مفتوحا أمام القارئ لكي يتخيل لماذا. طبعا، كل حزب حر أن يطلق على نفسه الاسم الذي يريده ولكن الحكم عليه لا يكون أبدا بناء على هذا الاسم. لا أدري إذا طرحت الأحزاب الشيوعية العربية على نفسها سؤال: لماذا تسمي نفسها أحزابا شيوعية. أعرف فقط أن حزب الشعب (الشيوعي الفلسطيني سابقا)، وهذا لصالحه، قد طرح على نفسه هذا السؤال وبناء عليه قام بتغيير اسمه. ولكنه كما يبدو ما زال يحن إلى هذا الاسم الفارغ من أي معنى. معروف أن الأحزاب الشيوعية العربية قد فقدت مصداقيتها ونبذتها الجماهير العربية والفلسطينية بعد موافقتها على قرار التقسيم عام 1947 وبسبب مواقفها المؤيدة للمشروع الصهيوني بحجة حق الحركة الصهيونية (إسرائيل) في إقامة دولة في فلسطين كتجسيد لحق الشعب اليهودي في تقرير مصيره. منذ ذلك الوقت وحتى هذا اليوم تواصل انحدار هذه الأحزاب حتى أصبحت على هامش الهامش في الخارطة السياسية. بالرغم من إنني أعتبر نفسي مطلعا ومهتما بالحركات اليسارية المحلية والعالمية، في الحقيقة نسيت أنه ما زال يوجد شيء اسمه أحزاب شيوعية عربية، جاء هذا البيان ليذكرني بذلك. متى كانت آخر مرة سمعنا بها عن الحزب الشيوعي السوري مثلا؟ هذا موجود منذ عشرات السنين في "جبهة وطنية" حاكمة مع انه محظور عليه أن يعقد اجتماعا أو يصدر صحيفة. أما حزب الشعب الفلسطيني بالرغم من انه غير اسمه إلا أنه لم يستطع أن يغير طبعه، حيث بقي كما كان ملتصقا بذيل البرجوازية (التي يسميها وطنية) حتى بعد أن أصبحت ملحقا بالرأسمالية العالمية. الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لا تختلف من حيث الجوهر عن حزب الشعب بل هي المنظر الأول لنظرية التذيل للبرجوازية والمنسجم حتى النهاية في تطبيقها. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي التنظيم الوحيد من بين الموقعين التي كانت تحمل مشروعا وطنيا ذا أفق ثوري، ولكن يبدو أنه بسبب موت أو استشهاد قادتها أو زجهم وراء القضبان قد أفقد الباقين البوصلة وفتح الباب على مصراعيه أمام العناصر الانتهازية.
من المفروض، أو هذا ما أؤمن به على الأقل، أن تقود الأحزاب الشيوعية والحركات اليسارية النضال الثوري ضد الامبريالية والاحتلال والرجعية المحلية. ولكن أحزابنا الشيوعية والتنظيمات اليسارية في واد والنضال في واد آخر. البيان المذكور خير دليل على ذلك. ما عدا عبارات إدانة العدوان واستنكار استمرار الحصار التي نسمعها من أطراف عديدة في شتى أنحاء العالم لا يوجد في هذا البيان أي شيء جديد. هذا بالإضافة إلى التباكي على حالة الانقسام وضرورة إنهائها واستعادة الوحدة الوطنية، من غير التطرق ولو بكلمة واحدة حول أسباب هذا الانقسام، حول الارتماء في أحضان الامبريالية والرجعية، حول بيع الثوابت الوطنية في المزاد العلني. هل سمعت هذه الأحزاب عن شيء اسمه موقف؟ ويناشد البيان "المجتمع الدولي" بتكثيف الجهود لوقف مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وتهويد القدس ووقف الاغتيالات ورفع الحصار وتقديم مجرمي الحرب للمحاكم الدولية. ولا يرى البيان بهذا "المجتمع الدولي" الذي يناشده شريكا فعليا بجميع الجرائم المذكورة. من يتمعن في هذا البيان يدرك لماذا غابت بل تلاشت هذه الأحزاب والتنظيمات عن الساحة النضالية.
إذا كانت هذه هي الأحزاب والتنظيمات التي سوف تقود النضال ضد الاحتلال ومن أجل انتزاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني فلا يبقى أمامنا سوى أن نتذكر قول جرير: زعم الفرزدق أن سيقتل مربع.. أبشر بطول سلامة يا مربع.
بعض الحركات الوطنية جدا جدا تسميها: لجنة المتابعة العليا وتضع نقطة لكي لا تضطر إلى القول:" للجماهير العربية في إسرائيل". أما باقي الأحزاب والحركات الأخرى التي بشرتنا بالتوصل إلى اتفاق حول دستور هذه اللجنة فلا مشكلة لديها من هذا النوع، بالعكس فإنها تشدد على كلمة إسرائيلية لكي لا تتهم بالتطرف والمس بالتعايش اليهودي العربي. يقول رئيس اللجنة: "أن هذا الاتفاق هو حصيلة 12 سنة من التداول".وأخيرا، بعد كل هذه السنوات الطويلة يتفق جميع الأطراف على حصة كل منها في المؤتمر العام وحصته في المجلس المركزي وفي السكرتارية. أكيد إنجاز رهيب. المتحمسون لإقرار هذا المبنى من القوى الوطنية لم يتورعوا من وصف لجنة المتابعة بالبرلمان العربي حيث تشكل الأحزاب القوة الأساس وبذلك تتخلص من التركيبة العائلية التي طغت سابقا. هل هذا صحيح؟ أليست الأحزاب العربية قائمة أصلا على العائلية والطائفية والمصالح الفئوية؟ وما الذي يضمن عدم انتقال هذه الآفات إلى التركيبة الجديدة؟
من اليوم وصاعدا، وبشكل رسمي يوجد تمثيل لكافة الأحزاب والحركات القائمة. يوجد لدينا حركتان إسلاميتان وحركتان لأبناء البلد هذا بالإضافة إلى أحزاب قومية غير موجودة إلا بفضل صفقات التمويل الانتخابية. من يظن أن هذه اللجنة من الآن وصاعدا سوف تقف بالمرصاد لسياسة الحكومة العنصرية وسوف ترتقي بالنضال إلى درجات عالية فليعلل نفسه بالأحلام.

No comments: