Wednesday, January 13, 2010

من أجل انطلاقة ثورية حقيقية


علي زبيدات – سخنين

لم يصادف الأسبوع المنصرم الذكرى الأولى للحرب الإجرامية التي شنتها دولة إسرائيل على قطاع غزة فقط. بل صادف أيضا الذكرى ال45 لانطلاقة حركة فتح والتي يطلق عليها البعض، من حركة فتح ومن خارجها، بانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة. لا يستطيع أي فلسطيني مهما كان انتماءه التنظيمي ومهما كانت خلفيته السياسية التقليل من الأهمية التاريخية لهذه الذكرى. لكن خلال هذه السنوات ال45 جرت مياه كثيرة في نهر الأردن قلبت الأمور رأسا على عقب. السؤال الذي يجب أن يطرح اليوم: ما هو وجهة الشبه بين فتح سنوات الستين وفتح اليوم فيما عدا الاسم؟ وما هو المعنى الذي ما زالت تحمله كلمة انطلاقة؟ وهل بقي هناك شي نستطيع أن نطلق عليه ولو مجازا اسم: ثورة فلسطينية معاصرة؟.
يقولون شر البلية ما يضحك. والبلية التي تضحك يكون ضحكها اشد إيلاما على المرء من البكاء. لصالح الذين أطلقوا الرصاصة الأولى في 1/1/1965 نقول أن نواياهم كانت طيبة مفعمة بروح التضحية والحماس. كان لديهم حلم وهو ضرورة وإمكانية تصحيح الظلم التاريخي الذي أصاب الشعب والوطن، ولكن ماذا يمكن أن يقال في صالح الذين يحتفلون اليوم بالذكرى ال45 لهذه الانطلاقة؟ استمعت إلى خطاب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس في هذه المناسبة حيث بدأ يعدد انجازات "الثورة الفلسطينية" التي انطلقت لتبقى وتنتصر حسب تعبيره واستمعت إلى تأكيداته بالتمسك بالثوابت الوطنية. في الوقت نفسه كانت القوات الإسرائيلية تهاجم مدينة نابلس تحت سمع وبصر قوات الأمن التابعة للرئيس وتغتال بدم بارد ثلاثة مناضلين فتحاويين ظن بعضهم أن عباس قد كفل لهم الأمن والسلامة من قوات الاحتلال. أين هي الثورة التي انطلقت لتبقى وتنتصر؟ هل الثورة انطلقت لتقع في أحضان إسرائيل وأمريكا والرجعية العربية؟ ولتبقى كالمتسول في أروقة دهاليز المفاوضات من مدريد إلى أوسلو إلى كامب ديفيد إلى آنا بوليس وباقي الأماكن المعتمة التي تحاك بها المؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية برمتها؟
الانطلاقة قبل 45 عاما كانت متواضعة جدا. حتى الكلام عن ثورة فلسطينية كان على سبيل المجاز وليس الواقع. فقط بعض المزايدون الذين يطفون على شبر من الماء كانوا يتكلمون عن ثورة جبارة وسرعان ما قفز هؤلاء إلى المعسكر الآخر. كان المخلصون من أبناء الشعب الفلسطيني المشرد والمنكوب يتكلمون عن حركة مقاومة شعبية ويحلمون بأن تتطور هذه المقاومة حتى تصنع لهم العودة وتحرر لهم الوطن. ولكن جرت الأمور في الاتجاه المعاكس: الأنظمة العربية احتضنت المقاومة وأغدقت عليها دولارات تفوح منها رائحة النفط. فقامت في افتتاح مكاتب لها في معظم عواصم العالم وأصبح مدراء هذه المكاتب ضيوفا دائمين في السهرات الراقية. ولكنهم كانوا أذكياء: استمروا بالكلام باسم المقاومة والثورة. وهذه هي النتيجة. إننا نحصد اليوم ثمار ما زرعناه في ال45 سنة الأخيرة.
لا استغرب أن يأتي يوما تشاركنا به إسرائيل وأمريكا والأنظمة العربية العميلة احتفالات ذكرى الانطلاقة. ولن يعكر صفو هذه الاحتفالات ذكرى الحرب على غزة التي سوف يطويها النسيان. هل يبدو ذلك غريبا أو مستحيلا؟ أنظروا ما يجري اليوم في مصر. النظام المصري يحتفل كل سنة بذكرى ثورة يوليو ومن يكون ضيوف الشرف هناك؟ أليس السفير الإسرائيلي والأمريكي وسفراء أوروبا؟
ماذا تبقى من ثورة يوليو؟ الخطاب العروبي الوحدوي ودعم حركات التحرر العربية؟ أم الإصلاحات الزراعية وتوزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء؟ أم التحرر من الهيمنة الامبريالية؟ أم بناء جيش وطني قوي يقف بالمرصاد أمام أطماع الصهيونية؟ لا شيء من هذا بتاتا. ومع ذلك ما زال النظام يحتفل بذكرى الثورة.
ما حصل في فلسطين وما حصل في مصر حصل في أماكن أخرى من العالم. الأمور مع تطورها تتحول إلى نقيضها. فالثورة تصبح ثورة مضادة (في البلدان العربية يوجد عادة انقلاب يسمى ثورة، والثورة المضادة تسمى ثورة تصحيحية) والمقاومة تتحول إلى مجموعات من المفاوضين ودعاة التعايش المشترك، والانطلاقة تخبو تدريجيا حتى تنطفئ نهائيا.
منذ الانطلاقة الأولى وحتى اليوم مرت الحركة الوطنية الفلسطينية بتجارب عديدة بعضها كان ايجابيا يشكل ذخرا وطنيا ثمينا، مثل معركة الكرامة ومواجهة النظام الرجعي في الأردن والطائفية الفاشية في لبنان بالرغم مما رافقها من شوائب. ومواجهة الاجتياحات الاسرائيلية المتكررة على لبنان وخصوصا اجتياح عام 1982 بالإضافة إلى الانتفاضيتين الأولى والثانية وأخيرا الصمود الأسطوري في العام الماضي أمام أسلحة الدمار الاسرائيلية. ومنها ما كان سلبيا يصل إلى درجة الخزي والعار وذلك من خلال هيمنة فئة فاسدة على القرار الفلسطيني وربط الحصان الفلسطيني إلى عربة الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية.
حركة التحرر الوطني تترسخ وتتطور حتى تحقيق أهدافها من خلال تنظيف صفوفها من العناصر الانتهازية التي فسدت وتساقطت، من خلال التمسك بالمبادئ والقيم الثورية السامية، من خلال شحذ الهمم وتعبئة الجماهير، من خلال انطلاقة ثورية جديدة.

No comments: