عام
جديد – عالم عربي قديم
علي
زبيدات – سخنين
عندما
تنضب القدرة على الابداع ويتحجر الفكر
ويشل العجز كل تغيير نحو الافضل، يلجأ
المرأ إلى البحث عن بديل وهمي لتبرير عجزه
وواقعه التعيس. يمكن
تفهم هذا الوضع اذا تعلق بفرد او بمجموعة
من الافراد ولكنه يصبح مصيبة عندما يتحول
الى ظاهرة تكتسح العالم العربي على طوله
وعرضه. في
هذه هذه الايام بالذات اصبحت هذه الظاهرة
هوسا اسميها: اللهث
وراء التنجيمات والتنبؤات والتوقعات في
العام الجديد. ولا
أظنني ابالغ اذا قلت لا يوجد هناك قناة
تلفزيونية عربية الا وكرست الساعات لمثل
هذه الخزعبلات، ولا يوجد اذاعة عربية الا
وخصصت الساعات الطويلة لبثها، ولا يوجد
مجلة او جريدة مهما كانت مكانتها الا
ولطخت صفحاتها بها، بدءا بالكوارث الطبيعية
من زلازل واعاصير وفيضانات وجفاف وحتى
المؤمرات السياسية والاغتيالات والحروب.
لست
منجما. ولا
تستهويني برامج التنبؤات المرئية والمسموعة
والمكتوبة. ولكن
هذا لا يعني بأنه، مثلي مثل غيري، ليس لدي
توقعات قد تصدق وقد تخيب مبنية على نظرة
نقدية للواقع الذي يحمل بين طياته الماضي
وينقله بل يفرضه على المستقبل.
العام الجديد هو
امتداد للعام المنصرم ليس فقط بالمفهوم
الزمني اذا لا يوجد هناك حالة انقطاع
بينهما بل بالمفهوم الاجتماعي والفكري
والاقتصادي والسياسي أيضا.
انا لا ادعي بانه
لا يوجد هناك تغيير من عام لاخر بالعكس
يوجد هناك تغيير حتى خلال فترات اقصر من
ذلك، في كل يوم بل كل ساعة وكل لحظة.
ما أود قوله هنا
أن التغيير الذي يشمل الامة بأسرها في
عالمنا العربي هو تغيير بطيء، عشوائي،
نسبي، وسطحي. وفي
كثير من الاحيان يجرنا الى الخلف أو نحو
الاسوأ وبالتالي نفقد الامل بأن يكون
هوالتغيير الجذري المطلوب الذي ينهض بهذه
الامة ويعيدها الى ركب الحضارة.
لست
هنا بصدد تحليل ما يجلبه العام الجديد
على الصعيد العالمي فهذا موضوع وواسع لا
تتحمله مقالة صحفية. سوف
اكتفي باعطاء رأيي بما يحمله العام الجديد
للعالم العربي، وهنا ايضا يتعذر تناول
كافة المجالات والاصعدة وسوف اقتصر على
بعض الخطوط العامة الاساسية التي تشير
الى الاتجاه العام الذي نسير نحوه في
العام المقبل.
ثلاثة
مراكز تتنازع صدارة الاحداث التي سوف
تؤثر على مستقبل العالم العربي في العام
الجديد والاعوام القادمة.
وهذه المراكز هي
مصر وسوريا وفلسطين. مصر
بصفتها أكبر دولة عربية كان من المتوقع
ومن المفروض أن تقود عملية التغيير الجذري
على الصعيد العربي وليس عن طريق التدخل
بشؤون الدول العربية الاخرى بل يكفي أن
ينجح هذا التغيير في مصر لكي تنتقل
ديناميكته بشكل طبيعي الى باقي البلدان
العربية. في
المرحلة الاولى كانت بوادر مثل هذا التغيير
واضحة وملموسة تجسدت في خروج الملايين
الى الشوارع والميادين حتى تمت الاطاحة
بنظام مبارك الفاسد. ويبدو
أن الجماهير الشعبية ارتعبت من انتصاراتها
وانجازاتها، وفي غياب قيادة ثورية منظمة
وقوية بدأت عملية التراجع رافقتها عملية
صراع على السلطة انتهت بانفراد الاخوان
المسلمين بالسلطة السياسية وبدل أن
يستغلوا هذه السلطة في تصفية أسس النظام
البائد استغلوها في محاولة الهيمنة على
شركائهم في تقويض نظام مبارك مما اتاح
المجال لفلول هذا النظام تنظيم انفسهم
والاستعداد لهحوم مضاد سرعان ما أصبح
حقيقة واقعة. الاستياء
الشعبي وصل أوجه بعد مرور سنة على حكم
الاخوان وأسفر عن الاطاحة بحكمهم بواسطة
الجيش. ولكن
في هذه المرة لم يتخذ الجيش موقفا حياديا
بين الشعب والنظام وفي الوقت نفسه لم
يستلم السلطة من اجل ولمصلحة الشعب كما
يدعي بل لاكمال عودة النظام السابق ولكن
بشكل جديد. المعركة
التي بدأت بين الاطراف المتناحرة في منتصف
العام الماضي لم تحسم نهائيا بعد، وسوف
تستمر في العام الجديد بكل شراستها.
الشعب المصري يواجه
أزمة ذات ثلاثة ابعاد:
الاول، رفض حكم
العسكر المتحالف مع اركان النظام البائد
والعائد الى احضان النظام الرأسمالي
العالمي. البعد
الثاني، رفض سيطرة الاخوان الاقصائية
والتي لم يستطع الشعب المصري تحملها اكثر
من سنة. والبعد
الثالث، غياب قيادة ثورية مخلصة ذات رؤيا
تحررية تحظى بدعم جماهيري.
هل تستطيع قيادة
غير ثورية رموزها البرادعي وعمرو موسى
وحمدين صباحي قيادة ثورة؟ طبعا لا.
الخلاصة حسب رأيي
أن ما حدث في السنوات الثلاثة الاخيرة في
مصر لم يكن سوى مقدمة للثورة الحقيقية
وأن الصراع الراهن سوف يستمر حتى تتغير
المعادلة جذريا ويستطيع الشعب المصري
افراز قيادة ثورية تستطيع السير بالثورة
حتى النهاية
ما
يحدث في سوريا لا يختلف من حيث الجوهر عما
يحدث في مصر، هذا بالاضافة الى سمات خاصة
اهمها الاستقطاب الاقليمي والدولي.
وفي ظل هذا الاستقطاب
دخول مجموعات من المرتزقة.
الصراع في سوريا
لن يحسم محليا لأنه لا يدور بين النظام
والمعارضة فحسب. فالنظام
مدعوم من قبل قوى اقليمية ودولية وكذلك
معظم المعارضة المسلحة.
ولم يبق امام الشعب
السوري سوى تقديم التضحيات والدم والجوع
والتهجير. وهذا
يتم باسم الاسلام تارة وباسم القومية
والمقاومة تارة اخرى وباسم الديمقراطية
تارة ثالثة. التوازن
الدولي في الازمة السورية فرض توازنا على
المتحاربين على الارض.
وهذه الازمة لن
تحل في مؤتمر جنيف أو في أي مؤتمر مشابه.
ولن تنتهي حتى ولو
انتصر عسكريا طرف على طرف آخر.
فلو فرضنا أن النظام
حسم المعركة لصالحه، وهو من طبيعة الانظمة
التي لا تتغير، فالصراع سيبقى حتى ولو
اتخذ لفترة شكلا آخرا. اما
اذا انتصرت قوى المعارضة عسكريا سوف تبدأ
فورا بتصفية بعضها البعض وزج الشعب السوري
في أتونها. لذلك
اتوقع ان يستمر القتل والدمار في سوريا
في العام الجديد ايضا حتى يستطيع الشعب
السوري بما تبقى لديه من قوى كامنة أن
يضمد جراحه وينتفض وينهض لبناء سوريا
الحرة الجديدة الخالية من كافة اشكال
الاستبداد والطائفية.
في
فلسطين، وبسبب ضيق المجال، اختصر وأقول
أن المهمة الاساسية أمام الشعب الفلسطيني
وقواه الفاعلة تكمن في القضاء على معادلة
المفاوضات والاستيطان.
انتفاضة ثالثة
جيدة ولكن لن يكون في مقدورها تغيير
الاوضاع جذريا. يجب
العودة الى منطق الثورة ، بدءا بتصعيد
النضال ضد المفاوضات وضد الاستيطان ومن
ثم التخلص من سلطة اوسلو نهائيا حتى تحقيق
الانتصار التاريخي على الكيان الاستيطاني
الصهيوني وعودة اللاجئين وتحرير فلسطين
واعادة بنائها على مبادىء الحرية والعدالة.
مع
تجدد العالم العربي سوف يطيب الاحتفال
بالعام الجديد.
No comments:
Post a Comment