على ضوء المجازر التي ترتكبها المؤسسة الاسرائيلية في غزة والجرائم ضد الانسانية التي تقترفها، فإن مقاطعة إنتخابات الكنيست القادمة تختلف عن مقاطعتها في المرات السابقة. في الماضي كان الكلام عن المقاطعة عبارة عن إجتهادات نظرية حتى عندما كانت تتناول قضايا مبدئية. وكانت نسبة كبيرة من المقاطعين تتبنى موقف المقاطعة لأسباب سياسية أو شخصية آنية كفقدان الامل من التوصل الى مساواة حقيقية من خلال النضال البرلماني أو لخيبة املهم من النواب العرب والاحزاب التي ارسلتهم الى الكنيست. هذه المرة الامر يختلف تماما. النظريات التي كان معظمها في أعين الناخبين مجرد شعارات خاوية من أي محتوى عملي أو في أحسن تعريف، تنطلق من ابراج عاجية منفصلة عن هموم الجماهير، أصبحت اليوم شيئا ملموسا يصل الى كل مواطن من خلال الصور التي تكاد لا تصدق الآتية من غزة.
علاقة الحرب على غزة، وخصوصا من خلال توقيتها وشراستها، بإنتخابات الكنيست القادمة لم يعد ينكرها أحد. لقد أصبح كل صوت في هذه الانتخابات ملطخا بدماء أطفال ونساء وشيوخ ومناضلي غزة. عين تحصي القتل والدمار في غزة وعين على االاستطلاعات الانتخابية.
لم يعد يالامكان التهرب من هذا الواقع. إذا كانت الحرب هي سياسة ولكن بوسائل أخرى فإن السياسة هي أيضا حرب لكن بوسائل أخرى. وعلى الجماهير العربية في هذه البلاد أن تحدد موقفها ليس من الحرب التي افرزتها السياسة الاسرائيلية وحسب بل ومن السياسة التي سوف تعقب هذه الحرب أيضا.
تدعي إسرائيل انها دولة "يهودية ديموقراطية". حسنا جدا، لنسلم جدلا بهذا التعريف. وعلى غرار الدول الديموقراطية الغربية فإن لهذه الدولة مؤسسات تتمركز في سلطات ثلاثة، منفصلة ظاهريا عن بعضها البعض ولكنها في حقيقة الامر تكمل بعضها وتقوم كل سلطة بدورها. وتكون محصلة هذا التقاسم وهذا التعاون والانسجام بالادوار هي الدولة ككل: 1) السلطة التشريعية، (البرلمان) الذي يسمى هنا الكنيست. 2) السلطة التنفيذية وهي الحكومة. 3) السلطة القضائية وهي المحاكم المختلفة.
تدعي الاحزاب العربية التي تشارك في الانتخابات أن وجودها في الكنيست ضروري من أجل محاربة سياسة التمييز والحرب التي تقوم بها السلطة التنفيذية (الحكومة). هذا الادعاء كاذب جملة وتفصيلا: أولا، معظم أعضاء الحكومة هم في الوقت نفسه أعضاء في الكنيست. ورئيس الحكومة هو عادة رئيس الحزب الذي يمتلك أكبر عدد من من نواب الكنيست. ثانيا، الحكومة لا تباشر بأعمالها الا بعد أن تنال الثقة من الكنيست. ثالثا، الكنيست هي التي توافق على الحكومة وعلى خطوطها الاساسية وهي الوحيدة التي تستطيع اسقاطها من خلال نزع الثقة عنها. رابعا، الكنيست تراقب عمل الحكومة من خلال لجانها المختلفة والتي تضم نوابا عربا. خامسا، أصلا صلاحيات الحكومة محددة بالقوانين التي تسنها الكنيست. من هنا نستنتج أن السلطة التشريعية (البرلمان) (الكنيست) تفوق من حيث اهميتها للنظام على السلطة التنفيذية (الحكومة).
إذن، ايتها الاحزاب العربية، اين الفصل بين الكنيست والحكومة؟ وكيف يمكن أن تكون حقا ضد الحكومة وفي الوقت نفسه عضوا في الكنيست؟ من يقول ذلك فهو يخدع نفسه ويخدع الجماهير.
اسرائيل، برؤوسها الثلاث، هي دولة كولونيالية عنصرية تحتل كامل فلسطين. هكذا كانت عند قيامها عام 1948 وهكذا هي اليوم. انها مخلصة لطبيعتها تمام الاخلاص، لم ولن تتغير. فهي لا تستطيع أن تخرج من جلدها. من هدم 530 قرية وطرد 750 مواطن آمن عام 1948 فما الغرابة في أن يدمر غزة عن بكرة ابيها ويقتل ألف ويجرح 5 آلاف؟
الاحزاب العربية التي تمنح هذا الكيان الشرعية من خلال التهافت على الكنيست وتدعي انها تعمل ذلك لمحاربة التمييز، مثلها كمن يرتكب الكبائر ويحرم الصغائر.
لكي تمر كذبة الدولة "اليهودية الديموقراطية" على سكان هذه البلاد وعلى العالم اجمع ترحب المؤسسة الاسرائيلية بوجود "نواب" عرب في الكنيست. ففي نهاية المطاف الديموقراطية تعني وجود معارضين في مؤسسات الدولة. الدور المحدد للنواب العرب هو تجميل صورة هذه الديموقراطية الزائفة. وهذا الدور في هذه الايام لا يقدر بثمن. بينما تقترف الدولة جرائم تستفز الضمائر الحية في شتى انحاء العالم، فما احوجها الى نواب معدودين على الشعب الضحية لكي يسوقوا مثل هذه الديموقراطية.
لقد قامت قائمة الاحزاب العربية التي شطبتها لجنة الانتخابات المركزية ولم تقعد. فهذا النائب واصل طه يصرح:" أن قرار لجنة الانتخابات المركزية بشطب الاحزاب العربية يفضح الوجه البشع للديموقراطية المزيفة". المجازر التي ترتكب في غزة ألم تكن كافية لفضح الوجه البشع للديموقراطية المزيفة؟
وهذه اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات تصرح:" قرار اللجنة المركزية للإنتخابات بشطب القائمتين هو قرار سياسي عنصري، يأتي ضمن منهج الملاحقات السياسية ونزع الشرعية القانونية والسياسية والمساعي لفك ارتباط جماهير شعبنا وحركاتها السياسية بوطنها وشعبها وبالقضية الفلسطينية.." هل وجودنا في الكنيست هو ضمان ارتباطنا بشعبنا ووطننا وقضيتنا؟؟ يا عيب الشوم. وهذا جمال زحالقة يقول:" في حالة شطب التجمع ستجري مقاطعة جماهيرية للإنتخابات، فهم لا يصنعون معنا معروفا بل عليهم أن يشكروننا على خيارنا بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية". المقاطعة الجماهيرية آتية سواء شطب التجمع أم لم يشطب ومن الافضل أن تغير خيارك وتلحق حالك.
هذا هو غيض من فيض من تصريحات قيادة الاحزاب المهددة بالشطب.
ولكن أخشى أن تكون هذه مرة أخرى مجرد مناورة ذكية. لجنة الانتخابات تشطب والمحكمة العليا تثبت. ويتم ضرب عصفورين بحجر. فمن ناحية تستطيع المؤسسة أن "تبرهن" للعالم أجمع على ديموقراطيتها وتحول الانظار عن جرائمها في غزة، وفي الوقت نفسه تستطيع الاحزاب العربية بعد سحب الشطب أن تستغلها في الدعاية الانتخابية.
الكنيست مكان ملطخ بدماء أهلنا في غزة. لن نمنح الشرعية لهذه المؤسسة العنصرية.
No comments:
Post a Comment