لقد أثار مؤتمر "حوار الاديان" الذي عقد مؤخرا في نيويورك بمبادرة ملك السعودية عبدالله بن عبد العزيز ورعاية الامم المتحدة والذي حضره مندوبون من 80 دولة بينهم 20 من ملوك ، رؤساء ورؤساء حكومات العالم، العديد من ردود الفعل. وقد لفت إنتباهي مقال الصحفي القدير محرر جريدة القدس العربي، عبدالباري عطوان وأعادت نشره صحيفة العنوان الرئيسي في الاسبوع الماضي بعنوان: "مواعظ الحاخام بيريس" كنموذج لردود الفعل هذه. لقد كرس الكاتب مقاله لفضح ما هو مفضوح من أكاذيب بيرس حول السلام وحقوق الانسان والتسامح بينما تقوم حكومته بتجويع مليون ونصف فلسطيني في قطاع غزة وتدوس على ابسط الحقوق الانسانية للشعب الفلسطيني. وأسهب الكاتب في وصف هذه الاكاذيب التي حولت المجرم الى ضحية والضحية الى مجرم وسط تصفيق الوفود العربية المشاركة. وكان واضحا للجميع أن لا علاقة لهذا المؤتمر بالاديان ولا بالحوار ولكنه كان مؤتمرا تطبيعيا من الطراز الاول.
بالطبع كل ما قاله عطوان صحيح تماما، ولكن كما قلت فهو يفضح المفضوح. فهل كان الكاتب يتوقع من بيريس الذي يعتبر أسوأ سياسي اسرائيلي منذ دافيد بين غوريون أن يدافع عن حقوق الفلسطينيين وأن يعترف بالجرائم التي اقترفتها دولته على مدى أكثر من 60 عاما وأن يقدم الاعتذار؟ ما فقدته في هذا المقال هو التغاضي عن "مواعظ" الشيوخ العرب وعلى راسهم العبدين: عبدالله بن عبد العزيز وعبدالله بن الحسين. إن الاكتفاء بالانتقاد الخجول للزعماء العرب وبالمقابل صب جام غضبنا على بيريس سيكون في أفضل الحالات صوتا تائها في الصحراء العربية وسهما طائشا عديم الجدوى.
أكاد أقول كل الاحترام لبيريس الذي جاء زعماء العالم من كل صوب وحدب لسماع اكاذيبه على أنغام تصفيق أصحاب القضية وأصدقائهم. بيرس الذي يمتدح العاهل السعودي ويصف مبادرته لحل النزاع العربي – الصهيوني التي صدرت منذ أكثر من ست سنوات بالمبادرة "الملهمة" التي سوف تقودنا الى الوئام العالمي والتفاهم المتبادل هو بيرس نفسه الذي أصطف فلسطينيو الداخل لأنتخابه بعد إقترافه لمجزرة قانا بحجة أن البديل له أسوأ منه.
مؤتمر حوار الاديان لا يفضح مواعظ بيرس الزائفة والمخادعة بقدر ما يفضح "مواعظ" الزعماء العرب الذين إتحدوا في حلف غير مقدس مع أمريكا واسرائيل. هذا الحلف الذي تتزعمه السعودية ويرتكز على الانظمة العميلة السائدة في عالمنا العربي من المحيط الى الخليج، هذا الحلف الاسوأ بما لا يقاس من حلف بغداد سيء الصيت هو الذي يجب أن يفضح وأن يحارب حتى اسقاطه.
يقول العاهل السعودي في المؤتمر:"ان الارهاب والاجرام أعداء الله وأعداء كل دين وحضارة وما كانا ليظهرا لولا غياب مبدأ التسامح". يا لسخرية الاقدار، أن يقال هذا الكلام في حضرة نخبة من الارهابيين والمجرمين وعلى رأسهم بوش وبيرس وليفني. أين التسامح وايسط حقوق التعبير عن الراي مقموعة في السعودية منذ أن إغتصبت هذه العائلة السلطة بمساعدة الامريكان؟. من المعروف أن المذهب الوهابي السائد يخنق كافة المذاهب والآراء والاجتهادات. فعن أي تسامح يتكلم؟
اننا نعرف على الاقل ما هو عدد الاسرى في السجون الاسرائيلية وبماذا تتهمهم المؤسسة الصهيونية، فهل يوجد هناك أحد يعرف ما هو عدد الاسرى في السجون السعودية والاردنية والمصرية وما هي تهمهم؟
في مؤتمر "حوار الاديان" لم يكن هناك لا حوار ولا متدينون. كان هناك مجموعة من الزعماء المرعوبين يتداولون في كيفية الحفاظ على كراسيهم. ولم يكن الدين سوى قناع على وجوههم.
لو كان الحوار هو المقصود والتسامح هو الغاية لبدأ به كل واحد في بيته. العالم الاسلامي ممزق بين سنة وشيعة وصوفية واصولية وحنفية وحنبلية واخوان مسلمين وحزب تحرير وقاعدة وأسماء العشرات من الحركات والاحزاب والمذاهب ولغة الحوار الوحيدة المتعارف عليها فيما بينهم هي لغة التكفير ومن ثم القتل.
من أجل حوار حقيقي داخل العقيدة الواحدة ليس هناك ادنى حاجة لشد الرحال الى نيويورك ودعوة كل من هب ودب.
بالمناسبة، لماذا ينحصر "حوار الاديان" على الاسلام والمسيحية واليهودية؟ متى سوف نتحرر من الاساطير التوراتية التي تؤسس عليها اسرائيل شرعية كيانها وقمنا نحن بتبنيها وألحقناها بمقدساتنا؟ هذه الاساطير تضرب جذورا عميقة في ادبيات ومسلمات الاديان الثلاثة وقد آن الاوان لإجتثاثها، جمعها وإرسالها الى متحف التاريخ الى جانب الاساطير الاغريقية والرومانية وغيرها من الحضارات.
وإذا كان المقصود من هذا المؤتمر هو التسامح وإحترام مختلف الثقافات والاديان فلماذا لم يدع له ممثلون عن الديانة الهندوسية مثلا؟. خصوصا وانه يوجد أكثر من 150 مليون مسلم يعيشون بالهند وما احوحجهم للحوار مع أبناء وطنهم الآخرين لحل قضية كشمير والعديد من المشاكل الحياتية الاخرى، ولماذا يتم تجاهل الديانة البوذية حيث يعيش حوالي 100 مليون مسلم في الصين والدول الاخرى التي تدين بالبوذية؟. حسب رايي المتواضع الحوار مع هذه الاديان أكثر أهمية من الحوار مع الديانة اليهودية التي لا تشمل بضعة ملايين.
الحوار، التسامح، الاحترام في ظل العولمة الشرسة المنفلتة من عقالها أصبحت مصطلحات فارغة تماما كمصطلحات السلام والديموقراطية.
علي زبيدات - سخنين
No comments:
Post a Comment