قد يقول البعض: ولماذا احياء هذه الذكرى بعد أن انهار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي وأصبحت الثورة في خبر كان. من يردد هذا الكلام ينتمي على الارجح الى معسكر واسع من القوى اليمينية والمحافظة تقوده الكراهية والحقد ليس على الثورة الروسية ذاتها، ولكن على ما تجسده هذه الثورة وترمز اليه من منظار تاريخي. من المعروف أن هذه الثورة تجسد وترمز أكثر من غيرها الى ضرورة وأمكانية قيام الطبقات والشعوب المضطهدة بالانتصار على النظام الراسمالي العالمي وبناء نظام آخر مختلف جذريا.
حتى لو قبلنا جدلا أن الثورة الاشتراكية قد فشلت فإن ذلك لا يقلل بشيء من قيمتها التاريخية. من المعروف أن الثورة الفرنسية الكبرى قد تحولت خلال فترة قصيرة جدا الى امبراطورية قمعية أغرقت اوروبا بالحروب وانتهت بإعادة الملكية الفرنسية لعدة سنوات. ولكن لا يستطيع أحد أن ينكر دورها في تغيير وجه العالم الحديث. حتى ارغمت ألد أعدائها الى تنفيذ وصيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما حصل لباقي الثورات الحديثة التي لعبت دورا حاسما في نقل البشرية من القرون الوسطى والانظمة الاقطاعية الى العصر الحديث. فهذه كومونة باريس تغرق بالدماء بعد حوالي الشهرين من استلام الثوار للحكم في العاصمة الفرنسية وفرض النظام الاشتراكي الجديد. ومن ثم عادت الرجعية لتسيطر على البلاد. ولم يفكر أحد في العالم أن يسحب من تحت اقدامها أهميتها التاريخية. ونحن في العالم العربي ما زلنا نحتفل بثورة المليون شهيد في الجزائر بالرغم من انها وخلال فترة قصيرة تحولت الى ثورة مضادة وفرضت نظاما قمعيا وأعادت الاستعمار من الشباك بعد أن خرج من الباب. ونحن في فلسطين ما زالنا نحيي إنطلاق الثورة الفلسطينية بالرغم من انها لم تكن في يوم من الايام ثورة حقيقية. كانت مقاومة بسيطة للإحتلال على أمل أن تتطور الى ثورة للتحرير الوطني. ولكنها تطورت الى سلطة هزيلة تتعامل مع الاحتلال بدل أن تقاومه. مع كل ذلك لم يقم أحد بهضم حقها التاريخي وإنكار اهميتها على تطور الصراع العربي – الصهيوني. الامر نفسه يمكن أن نطبقه على باقي الثورات في شتى انحاء العالم التي إما انها تحولت الى ثورة مضادة واما انها انتهت وماتت بشكل طبيعي، مثل الثورات الصينية، الفيتنامية، الكوبية، الاسبانية، وغيرها الكثير.
إذن ما هو سر تكالب جميع قوى العالم الراسمالي على الثورة الاشتراكية العظمى بالرغم من تعثرها منذ زمن طويل وزوال الاتحاد السوفياتي منذ حوالي عقدين؟ لماذا يتحد سياسيو ومفكرو المعسكر الرأسمالي وإتباعهم في الدول النامية على إدانة ومهاجمة هذه الثورة في كل مناسبة وبدون مناسبة وتجريدها من طبيعتها الثورية التقدمية؟
السبب هو أن هذه الثورة كانت الثورة الوحيدة التي وضعت نصب اعينها القضاء على النظام الراسمالي العالمي وبرهنت أن ذلك ممكن من خلال الثورة لجموع الكادحين الثوريين المنظمين والمسلحين.
النظام الراسمالي العالمي، بشكله الجديد، العولمة بقيادة أمريكية، يعرف تمام المعرفة أن ما انهار في الاتحاد السوفياتي ودول اوروبا الشرقية والصين لم يكن سوى تجربة محدودة وملموسة للثورة الاشتراكية في بلد واحد وتحت ظروف معينة، ولكن هذا لا يعني بأنه لن تكون هناك تجارب أخرى، تجارب تتعلم الدروس والعبر من التجربة السوفياتية وتصحح أخطاءها ومن ثم تنفجر من جديد.
أصلا، الذي انهار في الاتحاد السوفياتي هو نظام راسمالية الدولة، والذي سمي بشكل إعتباطي نظاما إشتراكيا. فمن المعروف انه بحكم الظروف التاريخية التي مرت بها روسيا بعد الثورة مباشرة وبسبب تخلفها الاقتصادي والحرب العالمية التي تحولت الى حرب اهلية والتدخل الاجنبي والحصار العالمي، حافظت الثورة الاشتراكية على العديد من السمات الرأسمالية والتي تفاقمت بسبب البيروقراطية المستشرية حتى تحولت الى رأسمالية الدولة فترة طويلة قبل الانهيار الرسمي للإتحاد السوفياتي في بداية سنوات التسعين.
على الثورة الاشتراكية القادمة ألا تقدم مثل هذه التنازلات المبدئية التي تقود في نهاية المطاف الى عودة الرأسمالية. عليها القضاء على النظام الراسمالي بشكل كامل وشامل من خلال القضاء على الملكية الخاصة والعمل المأجور والنضال مباشرة لتحقيق الشعار الشيوعي: "من كل واحد حسب مقدرته ولكل واحد حسب حاجته"
للذكرى ال91 للثورة الاشتراكية هذه السنة أهمية خاصة في ظل تفاقم الازمة الاقتصادية التي تعصف في النظام الرأسمالي العالمي وفي ظل الحروب الوحشية التي تشنها امريكا في شتى ارجاء العالم. الظروف الراهنة تؤكد من جديد المنطلق الاساسي للثورة الاشتراكية العظمى الذي يقول: ما دام النظام الراسمالي سائدا فالازمات الاقتصادية والحروب الامبريالية تبقى حتمية.
الاحزاب والتنظيمات التي تسمى نفسها اشتراكية وشيوعية اليوم هي جزء من التجربة التي انهارت واندثرت ولا تستطيع أن تقوم بأي دور ثوري. وهي في طريقها الى الاضمحلال والزوال. الثورة الاشتراكية الجديدة بحاجة الى تنظيمات وأحزاب ثورية جديدة، انها بحاجة الى إنسان إشتراكي جديد.
يقول ماركس: الثورات هي قاطرة التاريخ. واليوم التاريخ بحاجة الى قاطرة تنقل البشرية الى عصر افضل، خال من الاستغلال والحروب.
إن ذكرى الثورة الاشتراكية العظمى سوف تبقى خالدة الى الابد، وأن الثورة الاشتراكية القادمة سوف تكون أعظم وأعمق.
No comments:
Post a Comment