Tuesday, December 16, 2008

حذاء واحد أفضل من ألف خطاب



الحذاء سلاح ذو حدين. ممكن أن تداس تحته وممكن أن تضرب به أعداءك. في عالمنا العربي القاعدة هي في الاستعمال الاول. فنحن نداس تحت نعال المحتلين في فلسطين والعراق والصومال وتحت نعال الحكام والمخابرات وقوات الامن المختلفة في باقي البلدان. الاستثناء هو أن نستعمل الحذاء لضرب أعدائنا من محتلين وقامعين. من هنا تنبع أهمية حذاء منتظر الزيدي الذي قذف به الى وجه بوش. انه استثناء فريد من نوعه. لذلك يصلح لأن يكون نموذجا يحتذى به. إذا كنت لا تستطيع أن تقاوم محتلك بوسائل اخرى فالحذاء يفي بالغرض وقد يكون فتاكا أكثر من اسلحة الدمار الشامل. تصوروا أن حذاء المنتظري حرك الشارع العربي، حرك الضمير العربي أكثر من كل الشعارات والخطابات، واخيرا تنفسنا الصعداء، تبسمنا بل ضحكنا من أعماق قلوبنا.
طرق المقاومة، الاحتجاج، التعبير عن مكنونات النفس عديدة ومتنوعة. بعضها بسيط الى ابعد حدود البساطة ولكنها تكون خلاقة ومميزة خصوصا عندما تأتي في الوقت المناسب وفي المكان المناسب وفي الظروف المناسبة. كل هذه كانت متوفرة عندما خلع منتظر حذائه وارسله ليودع الرئيس بوش الذي اراد، إمعانا منه في إذلال وتحقير العرب أن ينهي ولايته في البلد الذي دمره وقتل أهله.
تداعيات هذه القضية ما زالت في اوجها. ولا أحد يعرف كيف ستنتهي على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد العام. مما لا شك فيه أن منتظر الزيدي عندما قام بهذا العمل الجريء قد خاطر بحياته وحتى الان دفع الثمن ببعض الكدمات والضلوع المكسرة والاعتقال. وقد يقدم للمحاكمة ويزج بالسجن مثله مثل آلاف العراقيين. وقد يصفى جسديا، وقد يطلق سراحه تحت مطرقة الضغط الشعبي وقد تستغله الحكومة العميلة لتبرهن على ديموقراطيتها المزيفة. حتى الان كتب الكثير عن هذه الحادثة وسوف يكتب أكثر من ذلك. فقد اصبحت ملكا للجميع، أصبحت بسرعة البرق تراثا، والهمت العديد من الشعراء وكتاب القصة والمقالات والخواطر، وربما قريبا صانعي الافلام والمسرحيات ايضا. ولا أخفي أن حذاء الزيدي قد دفعني بقوة الى كتابةهذه السطور.
اود هنا أن اركز على نقطتين لا غير.
الاولى: هل بوش هو وحده من يستحق الحذاء في وجهه؟ وماذا عن الملوك والرؤساء العرب، الجبناء أمام المحتلين والابطال الصناديد مع مواطني بلدانهم. متى سنرى النعال تتطاير فوق رؤوس هؤلاء؟ متى سوف يقف منتظر جديد في كل عاصمة من العواصم العربية ملوحا بحذائه؟ لا اشك أن مثل هذا الخوف ساورجميع الحكام العرب ومن يدري قد يطلبوا من رجال مخابراتهم منذ اليوم أن يدخلوا اليهم المواطنين وهم حفاة.
على جماهير الشعوب العربية، من المحيط الى الخليج، أن تحول القاعدة الى إستثناء والاستثناء الى قاعدة. اي بدل أن يكون الحذاء أداة للدوس على كرامة المواطن وحقوقه يصبح صفعة على وجوه العتاة.
النقطة الثانية، موجهة الى جماهيرنا في الداخل. الى متى سنبقى نلعق أحذية محتلينا الذين يقترفون جرائم الحرب منذ 60 سنة ولم يتوقفوا حتى هذا اليوم؟ هل من المعقول أن نستقبل هؤلاء المجرمين بالولائم والفرق الكشفية وفرق الرقص وخطابات النفاق، كما استقبل شمعون بيرس في سخنين مؤخرا؟ الى متى كلما زارنا وزير او مسؤول حكومي يخشى أن يغادر البلاد خوفا من ملاحقته قضائيا نزج ب"وجهاء" البلد لإستقبالهم بالطبول والزمور؟ ألم يحن الوقت لإستعمال الحذاء كأداة استقبال؟
نرى هؤلاء المسؤولين، من رئيس الدولة مرورا برئيس الحكومة وحتى آخر وزير، يزورون بلدات يهودية فلا نراهم يحظون بإستقبال حافل كالذي يحظون به في قرانا ومدننا. هل سبب ذلك الكرم وحسن الضيافة أم الجبن وفقدان الكرامة؟
تحية الى منتظر الزيدي والى حذائه الذهبي.

No comments: