منذ التوقيع على إتفاقيات أوسلو واسرئيل تتبع ما يسمى سياسة "النوايا الحسنة" في تعاملها مع قضية الاسرى السياسيين الفلسطينيين. كانت هذه "النوايا الحسنة" دائما وما زالت قناعا شفافا للنوايا الخبيثة الحقيقية للحكومة التي سرعان ما تطفو على السطح بعدة فترة قصيرة. فكلما دخلتا لمفاوضات بين الطرف الاسرائيلي والطرف الفلسطيني الى طريق مسدود، أو كلما إزداد الضغط الدولي على الحكومة الاسرائيلية، أو كلما ارادت الحكومة الاسرائلية تنفيذ خطة معينة تلاقي معارضة فلسطينية او دولية، مثل توسيع الاستيطانن او بناء الجدار العازل او المضي في تهويد القدس، ولذر الرماد في العيون كانت تلجأ الى هذه "النوايا الحسنة" وتطلق سراح بعض الاسرى.
لقد اصبحت هذه اللعبة الاسرائيلية مفضوحة حتى في عيون المفاوضين الفلسطينيين الذين قدموا وما زالوا يقدمون التنازل تلو التنازل لإرضاء الطرف الاسرائيلي. فقد كانت الحكومة الاسرائيلية في جميع نواياها الحسنة تختار عدد ضئيل من الاسرى غالبا من ذوي الاحكام الخفيفة، او الذين شارفوا على انهاء مدة سجنهم ولم يتبق لهم سوى شهور معدودة، وفي كثير من الاحيان لم يكن هؤلاء اسرى سياسيين اصلا، بل سجناء جنائيين. والانكى من ذلك انها كانت وخلال فترة وجيزة تعتقل اضعاف اضعاف عدد المحررين.
ألاخبار الاخيرة عن إطلاق سراح 199 اسيرا فلسطينيا كبادرة "حسن نية" تجاه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لا تحيد عن هذه الاستيراتيجية قيد انملة، اللهم سوى أن النوايا الخبيثة التي تقبع ورائها تزداد خبثا عن سابقاتها.
لقد جاءت هذه البادرة بعد عملية تبادل الاسرى مع حزب الله والتي كانت الحلقة الاخيرة من مسلسل الهزيمة الاسرائيلية في حربها الاخيرة ضد لبنان. وجاءت قبل الوصول الى إتفاقية تبادل الجندي المختطف جلعاد شليط باسرى فلسطينيين. الرسالة التي تريد الحكومة الاسرائيلية نشرها وتعميمها، أنه يمكن إطلاق سراح الاسرى من خلال المفاوضات والنوايا الحسنة للحكومة وليس من خلال إختطاف جنود إسرائيليين وإرغام الحكومة على التبادل. ولكنها في هذه المرة بالذات تريد تمرير رسالة أخرى أشد خبثا، فهي تريد صب الزيت على النار لإذكاء نار الفتنة بين حركتي حماس وفتح وتأجيج النزاع فيما بينهما وذلك بالتعاون مع أوساط متنفذة داخل السلطة التي أبدت إمتعاضها من إمكانية أن تحقق حركة حماس انجازات في اطلاق سراح عدد أكبر من الاسرى التي كانت إسرائيل ترفض على الدوام إطلاق سراحهم. وقد وصل الامر بهذه الاوساط المتنفذة أن تضغط على الحكومة الاسرائيلية لرفض مطالب حماس بإطلاق سراح بعض الاسرى لكي لا يفسر ذلك وكأنه نصر لها وبالتالي يزيد من قوتها وشعبيتها. فالنوايا الخبيثة للحكومة الاسرائلية تلتقي مع النوايا الخبيثة لهذه الاوساط. وجاءت هذه البادرة الاخيرة لتوفر القناع لهذة النوايا الحقيقية.
العقلية الاسرائيلية لم تتغير بتاتا: أكثر من نصف المحررين قد أنهوا القسم الاكبر من محكوميتهم. الاسرى جرى انتقائهم من التنظيم الاكبر الذي ما زال يقود العمية التفاوضية العقيمة، والاعتقالات الاسرائيلية ما زالت تجري على قدم وساق. حسب تقارير رسمية، أعتقلت اسرائيل منذ العودة من مؤتمر آنا بوليس الذي وعد بتحقيق السلام حتى نهاية هذه السنة، 3700 أسيرا فلسطينيا جديدا، 1751 اسيرا منذ بداية هذه السنة، و 313 في الشهر الاخير.
إذن، ما هو الجديد في "بادرة النوايا الحسنة" هذه؟ يقول البعض أن الحكومة الاسرائيلية توافق لأول مرة على إطلاق سراح أسرى "ملطخة ايديهم بالدم الاسرائيلي" من خلال الموافقة على إطلاق سراح اسيرين امضيا حوالي 30 سنة في السجون الاسرائيلية. هل يوجد هناك ضابط او جندي إسرائيلي يديه ليست ملطخة بالدم الفلسطيني؟ أم أنه يجري في عروق الفلسطيني ماء وليس دماء؟ كم جندي ومستوطن تلطخت يديه بالدم الفلسطيني وجرت محاكمته ومعاقبته؟ كم مستوطن سفك دما فلسطينيا وما زال يرتع ويلعب حرا طليقا؟ من المؤسف اننا بدأنا نستعمل المصطلحات الاسرائيلية نفسها. فإذا كان سفك الدماء هو المعيار لدخول السجن، فعلينا أن نزج بنصف المجتمع الاسرائيلي لكي يتعفنوا بالسجون. انه لمن سخرية الاقدرا أن يتكلم براك وموفاز وديختر وغيرهم عن الاسرى الفلسطينيين "الملطخة ايديهم بالدماء" وهم يقطرون بالدم الفلسطيني من رؤوسهم الى أخمص أقدامهم.
قضية الاسرى الفلسطينيين هي قضية سياسية تماما كقضية عودة اللاجئين وتحرير الارض المغتصبة. يجب التوقف عن إستجداء الحكومة الاسرائيلية واللهث وراء "نواياها الحسنة". يجب إطلاق جميع الاسرى بدون قيد أو شرط.
No comments:
Post a Comment