Thursday, March 03, 2016

سباق التسلح وصناعة الموت

 
سباق التسلح وصناعة الموت
علي زبيدات – سخنين
مر أكثر من ربع قرن على نهاية الحرب الباردة. ومن ظن أن نهاية هذه الحرب سوف تقلصمن سباق التسلح على المستوى العالمي فقد خاب ظنه. العكس هو الصحيح، لم يكن مصير الكرة الارضية في خطر كما هو في هذه الايام. النظام الرأسمالي الذي انتج الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية والتي اودت بحياة عشرات الملايين من البش،ر ينتج اليوم حربا عالمية ثالثة من نوع جديد: حرب استنزاف طويلة الامد للبشرية. فمن لا يموت بسبب الحروب المباشرة يموت من المجاعات والامراض. ما زالت الولايات المتحدة الامريكية تتبوأ الصدارة في صناعة الموت وفي تصديره. فهي اكبر منتج واكبر مصدر للاسلحة التي تحصد ارواح الناس في كل بقعة مهما كانت نائية في عالمنا هذا. فهي تسيطر لوحدها على ثلث قطاع الاسلحة في العالم. قد يقول البعض: ولكن تقدم الولايات المتحدة الامريكية المعونات "الانسانية" للدول الفقيرة. ومن غير الخوض في تفاصيل هذه الفرية التي يتم ترويجه،ا وحسب احد تقارير امنستي انترنشنال فإن تصدير اسلحة الموت والدمار الامريكية تفوق مساعداتها "الانسانية" ب١٥ مرة. روسيا لا تتخلف كثيرا وراء امريكا وتخوض معها سباق تسلح رهيب وتصارعها على انتزاع كل شبر من السوق العالمية واغراقه بالاسلحة.
بعد هذين العملاقين تأتي كل من فرنسا وبريطانيا والمانيا أما المكان السادس عالميا في هذه القائمة غير المشرفة فإنه من نصيب دولة اسرائيل "الصغيرة" كاكبر دولة تصنع الموت وتصدره لكل من يريد. السلاح الاسرائيلي فريد من نوعه ويلاقي رواجا منقطع النظير، فهو السلاح الوحيد الذي يتم تجربته على ارض الواقع قبل بيعه. فها هي تستعمل قطاع غزة، في السنوات العشرة الاخيرة على الاقل، كحقل تجارب لكل سلاح جديد قبل ان يتم عرضه للبيع في معارض الاسلحة المنتشرة في العالم. مثلا، ليس من باب الصدفة أن تصبح اسرائيل الدولة الاولى في صناعة الطيارات بدون طيار وتصدرها إلى الدول العظمى كامريكا وروسيا نفسها، فبعد ان جربتها في الاغتيالات والمهام العسكرية الاخرى في غزة تقوم اليوم روسيا وامريكا باستعمالها في سماء سوريا. المنافسة بين ارباب صناعة الموت لا تنفي التعاون والتنسيق فيما بينها، بالعكس في كثير من الاحيان لا بد من التنسيق والتعاون فيما بينها: تبادل الخبرات، قطع الغيار والصيانة، تبادل مواد الخام وغير ذلك. التنافس يأتي عندما يصبح المنتوج جاهزا ويتم البحث عن الاسواق لبيعه. حتى الان تصنع الاسلحة في الدول الصناعية المتطورة وتستعمل في الدول النامية. ولكن بعد اغراق اسواق الدول النامية بالاسلحة وتزيد عن الحاجة اليها، سوف ينتقل الصراع مباشرة الى الدول الصناعية المتطورة وسوف تعود اسلحتها اليها وعندها لا يعرف احد ماذا سيكون مصير العالم. ولكن ليس سرا أن هذه الدول تملك من الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل لتدمير الكرة الارضية برمتها مئات المرات.
صناعة الموت هذه التي تقودها الدول الستة المذكورة وربما يمكن اضافة بعض الدول الاخرى مثل ايطاليا، الصين، كندا، والسويد تصل الينا نحن شعوب الدول النامية تحت شعارات الحفاظ على السلم العالمي، الامن الاجتماعي، مؤتمرات نزع السلاح، اتفاقيات منع انتشار الاسلحة النووية ومجموعة كاملة من الشعارات حول الرقابة الدولية والحفاظ على حقوق الانسان. كل هذه الشعارات اصبحت مفضوحة امام الجميع. فإذا اخذنا دولة اسرائيل على سبيل المثال لا الحصر نرى اسلحتها مستعملة في كل مكان ترتكب فيه جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وانتهاك لحقوق الانسان، تبدأ في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وتنتشر الى اذريبجان وجنوب السودان ونيجيريا ورواندا ودول جنوب شرق اسيا وامريكا اللاتينية. بالاضافة الى تصدير الاسلحة الفتاكة تقوم اسرائيل بتصدير الخبراء والمستشارين للتدريب على استعمال هذه الاسلحة. هناك حوالي ألف شركة اسرائيلية تعمل في هذا المجال "الامني": التصدير والتدريب.
بالطبع، سباق التسلح لم يقفز عن الدول العربية، ولكن هنا تصبح القصة مأساوية. المملكة السعودية مثلا تنفق معظم ايراداتها من النفط على التسلح. وفي السنوات الاخيرة انفقت ٦٠ مليارد دولار لشراء الاسلحة وتها هي تستعمله في قمع شعبها وقتل ابناء الشعب اليمني والسوري اما مباشرة واما عن طريق عصابات اجرامية تقوم بتمويلها وتسليحها. دول الخليج الاخرى وخصوصا دولة الامارات وقطر تحذو حذو السعودية. الجيش العربي السوري الذي من المفروض ان تكون مهمته حماية البلد وتحرير ارضه المحتلة تبين في نهاية المطاف أن مهمته هي حماية النظام ولو كان الثمن حرق البلد. الجيش المصري ترك مواجهة الكيان الصهيوني منذ سنوات طويلة ويتسلح الان لشن حربه ضد الشعب المصري بحجة مكافحة الارهاب. الجزائر والمغرب تخوضان معركة سباق التسلح ليس من اجل مواجهة التدخل الامبريالي او تحرير بعض المناطق التي ما زالت مستعمرة بل من أجل قمع شعبيهما من جهة ومن اجل التحضير لحرب طاحنة فيما بينهما من جهة اخرى والحال لا تختلف من حيث الجوهر في باقي الدول العربية.
واخيرا وليس آخرا، حيث القصة الاكثر مأساوية، فقد اصبح الفلسطيني اللاجئ والقابع تحت نير الاحتلال الصهيوني وسلاحه الحجر او السكين وفي احسن الحالات صواريخ من صنع بيتي ينعتها البعض بالصواريخ العبثية هو الارهابي بينما يصبح الجندي الاسرائيلي المدجج باحدث الاسلحة هو المحارب الذي يدافع عن نفسه.

No comments: