أجنحتنا
المتكسرة
علي
زبيدات – سخنين
مع
الاعتذار والشكر لجبران حليل جبران
لاستعارة العنوان.
الطيور
ذات الاجنحة المتكسرة لا يستطيع التحليق
في كبد السماء، هذه حقيقة.
ولكنها قد تحاول
ذلك وقد تنجح في الارتفاع قليلا عن سطح
الارض قتطير مسافة قصيرة ولكنها تعود
وتسقط على الارض. لا
يمكن أن نلوم مثل هذا الطيور على عجزهاعن
الطيران باجنحتها المكسور.
اذا اردنا لها أن
يعود إلى طبيعتها فلا بد اولا من تجبير
الكسور. القاعدة
التى لا يمكن أن ينكر صحتها احد تقول:
لا يمكن للطيور أن
تطير بأجنحة مكسورة.
المجتمع،
كل مجتمع، كسرب من الطيور هو الآخر لا
يستطيع أن يطير اذا كانت اجنحته متكسرة.
اجنحتنا متكسرة،
هذه حقيقة ولا نملك خيارا الا أن نعترف
بها. ومن
ثم علينا أن نعمل على تجبير هذا الكسور
اذا اردنا التحليق في فضائنا.
اجنحة المجتمع
كثيرة ومتعددة وكل جناح له وظيفته ومهمته.
دعوني اقتصر هنا
على جناحنا السياسي، هل يبقي هناك من يشك
في أن جناحنا هذا مكسور؟ وربما كان مهشما؟
لننظر إلى بعض الاحداث التي وقعت في
السنتين الاخيرتين ولنبدأ بجريمة خطف
وحرق الفتى محمد ابو خضير من قبل مجموعة
من قطعان المستوطنين الفاشيين.
هذه الجريمة التي
هزت ضمير ومشاعر العالم بأسره حاولنا
الرد علبها بمظاهرة هنا ووقفة احتجاج
هناك وبالكثير من الاستنكار والادانات
الشفوية. وما
كان اشبهنا بطير مكسور الجناح.
والنتيجة كانت
اننا لم نستطع التحليق إلى مستوى الحدث.
بعد ذلك بفترة
وجيزة شنت دولة اسرائيل حربا شرسة على
اهلنا في قطاع غزة حيث قتلت خلال ٥٣ يوما
أكثر من ألفي شخص ربعهم من الاطفال، هذا
بالاضافة إلى آلاف الجرحى وآلاف البيوت
المدمرة. فجاء
ردنا الخجول والمتواضع بعد مرور حوالي
نصف فترة الحرب ومرة اخرى على شكل مظاهرة
هنا ووقفة احتجاجية هناك وكميات هائلة
من الادانات والاستنكارات اللفظية.
حتى عندما
استطعناأخيرا تنظيم مظاهرة قطرية ضمت
بضعة آلاف كان من الواضح انها ابعد ما
تكون من الارتقاء إلى مستوى الجريمة التي
اقترقتها الدولة. وما
كان اشبهنا بذلك الطير مكسور الجناح
العاحز عن التحليق.
التجربة
نفسها تكررت عدة مرات اذكر منها على سبيل
المثال لا الحصر: اضراب
الشيخ خضر عدنان عن الطعام للمرة الثانية
خلال عامين لمدة ٥٦ يوما واضراب محمد
علان ٦٥ يوما، حرق عائلة الدوابشة من قبل
المستوطنين التي راح ضحيتها الطفل علي
ابن السنة والنصف والاب سعد والام ريهام
ولم ينج سوى الطفل أحمد ابن الاربع سنوات،
واليوم الاضراب الاسطوري عن الطعام الذي
يخوضه الصحفي المناضل محمد القيق.
اذا كان جل ما
نستطيع تقديمه هو مظاهرة متواضعة هنا أو
وقفة احتجاجية هناك أو زيارة لمستشفى أو
ادانات لفظية مهما كانت شديدة اللهجة
ونعلم مسبقا أن كل هذه الامور لا ترتقي
إلى مستوى الحدث، فمتى نعترف بأن سبب هذا
كله هو جناحنا المكسور؟
لست
مجبرا ولا ادعي الحرافة في علم التجبير
ولكني بصفتي جزء من هذا الجناح اشعر بالكسر
واشعر بعجزي عن التحليق.
قد يقول البعض،
واضم صوتي إلى صوتهم، بأن الطائر الذي لا
يستطيع الطيران بسبب كسر في جناحه قد يجد
أطباء مختصين يقومون بمعالجته ورعايته
حتى تلتئم العظام المكسورة ويعود الجناح
المكسور الى طبيعته ويمارس وظيفته السابقة.
والسؤال الذي يطرح
نفسه هنا: الا
يوجد هناك اطباء مختصين لمعالجة كسور
جناح المجتمع هذا؟ لقد جرت العادة أن نمنح
هذه المهمة للقيادة السياسية من احزاب
وحركات ومؤسسات مدنية ومثقفين وشخصيات
اعتبارية اخرى. وربما
لا يوجد هناك بديل عن هؤلاء.
كل ما في الامر،
وعلى غرار حقنا في أن نطالب ونطلب من
الاطباء المختصين بتجبير الاجنحة المكسورة
للطيور بأن يكونوا ملمين في هذا العلم
والا يكونوا من المشعوذين أو الادعياء،
واذا وجد في صفوفهم مثل هؤلاء فعليهم
تنقية هذه الصفوف، كذلك من حقنا أن نطالب
ونطلب ممن يدعون التخصص في تجبير اجنحة
المجتمع المتكسرة أن يكونوا على درجة من
المعرفة والعلم والا تكون ساحتهم سائبة
يسرح ويمرح بها كل مدع ودجال.
الحرب
الاخيرة على غزة لن تكون الحرب الاخيرة،
وجرائم جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين
ضد شعبنا في الضفة لن تتوقف وسياسة التمييز
وهدم البيوت في مدننا وقرانا المحتلة عام
١٩٤٨ ستبقى في تصاعد، والصحفي محمد القيق
الذي يواجه بأمعائه الخاوية أعتى قوة
عسكرية في المنظقة لن يكون الاسير الفلسطيني
الاخير. من
أجل مواجهة كل هذه الامور وغيرها مجتمعنا
بحاجة الى اجنحة قوية متينة تمكنه من
الارتقاء والتحليق في سماء وطن حر.
No comments:
Post a Comment