Wednesday, May 21, 2008

بؤس المؤتمر القومي العربي



تحت شعار:"العمل العربي المشترك- التحديات والآفاق" عقد المؤتمر القومي العربي في العاصمة اليمنية صنعاء دورته التاسعة عشرة. وفي جلسته الاولى أنتخب "المفكر العربي" عضو الكنيست السابق عزمي بشارة بالاجماع رئيسا لهذه الدورة. بعد 4 أيام من النقاشات والخطابات والجلسات تمخض المؤتمر عن بيان أو نداء للأمة تناول بها القضايا المصيرية التي تواجه الامة العربية وخصوصا في فلسطين ولبنان والعراق.
وقد عقد هذا المؤتمر في ذكرى مناسبتين ذات بعد قومي وهي الذكرى الثامنة عشرة لقيام "الوحدة اليمنية" التي يعتبرها المؤتمر " الانجاز الوطني القومي البارز" والذكرى الستين لنكبة فلسطين.
وكما يعرف المؤتمر القومي العربي نفسه فهو " جهة مستقلة لا ينحاز لنظام ضد آخرولا لطرف دون ثان يضم قادة الفكر والرأي من مختلف الدول العربية" وبالرغم من انه عقد دورته الاولى عام 1990 في تونس الا انه يعتبر نفسه امتدادا طبيعيا للمؤتمر العربي الاول الذي عقد في باريس عام 1913 والذي يعتبره الكثيرون بداية التحرك العربي القومي الحديث.
من هذه المعلومات الاولية عن المؤتمر، المقتبسة عن موقعه الرسمي في الشبكة العنكبوتية ومن خلال تقييم أعمال الدورة الاخيرة نلمس وبوضوح أن تخلف الامة العربية لا يقتصر على انظمتها وعلى ملوكها ورؤسائها بل يشمل أيضا تلك المؤسسات التي تدعي رفع راية النهضة العربية والكلام بإسم الامة العربية من خلال حمل الاسماء الضخمة التي تتمخض عادة عن عمل تافه لا يتعدى اصدار بيان تتناوله وسائل الاعلام لفترة وجيزة ثم يغرق في بحر من النسيان.
يهدف المؤتمر القومي العربي، حسب قول القيمين عليه الى:" المساهمة في شحذ الوعي العربي بغايات الامة العربية العليا عن طريق إتخاذ واعلان مواقف فكرية رصينة وملتزمة سياسيا تجاه اوضاع الامة وغاياتها مما يساعد على تعبئة الطاقات الشعبيةمن اجل تحقيق هذه الغايات، وتوثيق روابط التعاون والتنسيق مع الهيئات المماثلة في اهدافها ومبادئها".
نظرة خاطفة الى اعضاء المؤتمر تبين أن معظم "قادة الفكر والراي" هم وزراء سابقون في بلدانهم ومنهم مدراء في المخابرات او موظفون في الانظمة العربية القائمة وشخصيات عديدة لا ناقة لها ولا جمل لا في الفكر القومي ولا في العمل القومي. يكفي أن نذكر هنا أن المؤتمر عقد جلساته في نادي ضباط الشرطة في صنعاء. في الوقت الذي تقوم به هذه الشرطة بقمع كل صوت معارض للسياسة التي يقودها الرئيس اليمني علي عبدالله الصالح المؤيدة للغرب. ومن هذا المنطلق جاء توجيه الشكر لليمن حكومة وشعبا على إستضافة المؤتمر ووصف "الوحدة اليمنية" بالانجاز القومي البارز مع انه لم يكن سوى احتلال والحاق اليمن الجنوبي بعد تصفية النظام الاكثر قومية هناك وجر اليمن "الموحد" للتحالف مع أمريكا.
أما انتخاب "المفكر العربي" عضو الكنيست السابق الدكتور عزمي بشارة رئيسا لهذه الدورة وبالاجماع فهو قصة في حد ذاته. عزمي بشارة يقود اليوم ما يسميه" تجديد القومية العربية" وملخص مشروعه التجديدي هو جعل القومية العربية قومية واقعية ذات بعد ليبرالي على الطريقة الغربية. فالقومية العربية قبل مجيء المفكر عزمي بشارة كانت بالاساس قومية عدمية ذات ملامح استبدادية وجاء هو لينزلها الى ارض الواقع ويضخ بها الروح الديموقراطية. وهذا يعني من ضمن ما يعنيه القبول بالكيان الصهيوني كحقيقة واقعة في فلسطين وجل ما يمكن فعله في هذا المجال هو تحويل دولة اسرائيل الى دولة كل مواطنيها من خلال اقامة دولة ثنائية القومية. عزمي بشارة الذي اقسم يمين الولاء في الكنيست الاسرائيلي اربعة مرات ورشح نفسه يوما لرئاسة حكومتها يعين اليوم رئيسا بالاجماع لدورة المؤتمر وهذا بحد ذاته مؤشر الى أن الحركة القومية العربية مستعدة لضم دولة اسرائيل الى أحضانها. فقط بهذه الطريقة تعبر القومية العربية على انها اصبحت واقعية. لذلك ليس من الغريب أن يتباكى البيان الختامي للمؤتمر على الوضع الماساوي في غزة ويطالب برفع الحصار الظالم عنها، ولكنه يتجاهل الكلام عن ضرورة تحرير جزء لا يتجزء من جسد الامة العربية يرزح تحت احتلال استيطاني منذ 60 سنة.
من خلال تعينه رئيسا للدورة الاخيرة فرض عزمي بشارة رؤيته التجديدية للقومية العربية والتي يحاول أن يطبقها هنا على ارض الواقع من خلال الشعار الاساسي لحزبه: "هوية قومية ومواطنة كاملة". وهذا يعني تشويه وتقزيم الهوية لكي يتم استيعابها في اطار المواطنة الكاملة. كما يقول المثل الصيني: "قص القدم لكي تتلاءم مع الحذاء". وانا لا الوم سكرتير عام حزب التجمع الوطني الديموقراطين عوض عبد الفتاح إذ يطير فرحا بهذا التعيين في المقالة التي نشرها بعنوان: "عزمي بشارة من الغيتو الى الوطن العربي"
السؤال الذي يطرح نفسه هنا وينتظر اجابة صريحة وجريئة هو: هل قام هذا الغيتو بتصدير عزمي بشارة للوطن العربي من اجل تحديثه؟

No comments: