أحداث بيروت الاخيرة تعيد الى أذهاننا بقوة ما حدث في قطاع غزة في حزيران الماضي. خلال ساعات قليلة استطاعت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله تطهير بيروت ومناطق أخرى من لبنان من عناصر المرتزقة التي رعتها الولايات المتحدة واسرائيل منذ سنوات وقامت بإعدادها لكي تستطيع القيام بدورها في خدمة المشروع الامريكي – الاسرائيلي في المنطقة.
لم تكن قوات جنبلاط – الحريري في لبنان بإحسن حالا من قوات دحلان – عباس في غزة. هذه القوات هزمت بسهولة فاجأت حتى الذين راهنوا عليها، ليس فقط بسبب فساد قيادتها وإنعدام الدافع الوطني الحقيقي في نشاطها، بل في الاساس لأن الجماهير الشعبية الفلسطينية واللبنانية ترفض وتمقت المشاريع الامريكية والاسرائيلية وهي مستعدة لتقديم التضحيات الجسيمة في محاربتها حتى دحرها نهائيا.
هذا الواقع تعرفه المخابرات الامريكية والاسرائيلية نفسها، وطالما حذرت قياداتها منه. هذا الواقع الذي يقول: إذا اردت لأحد الزعماء أن يفلس سياسيا ووطنيا ويلقى به عاجلا ام آجلا الى مزبلة التاريخ، يكفي أن تعلن أمريكا واسرائيل عن دعمها له.
هذا ما صرح به مؤخرا الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الاسرائيلية، اهارون زئيفي عندما قال: "لقد نصحنا المخابرات الامريكية عدم الاعتماد على جنبلاط- الحريري – جعجع لأننا جربناهم في تموز 2006 ولم يتبين أن لديهم الجرأة أو القدرة على مواجهة حزب الله، الآن خرج كل عملاء المخابرات من بيروت وضاعت جهود دولية وعربية استمرت 3 سنوات من العمل". وهذا يعيد الى اذهاننا توسلات الاشخاص الذين يحيطون بمحمود عباس مطالبين اسرائيل بالكف عن التصريحات التي تشير الى دعمه لأنها تعود عليه بالضرر. وكذلك تحذيرات العديدين من الاسرائليين لحكومتهم بألا تصرح علنا عن دعمها للسلطة الفلسطينية ولحكومة فياض اللاشرعية.
ستون عاما، هي تاريخ النكبة الفلسطينية، كانت كافية لشعوب المنطقة لأن تعرف السياسة الامريكية- الاسرائيلية على حقيقتها. لا يعد بالامكان خداع هذه الشعوب بالكلام المعسول عن الديموقراطية والسلام. وحتى ليس بصرف ملايين الدولارات على بعض المنتفعين.
اننا امام مثلث من المقاومة تمتد أضلاعه بين غزة وبيروت وبغداد بينما تشكل قاعدته الجماهير الغفيرة من الشعوب العربية من المحيط الى الخليج. هذا المثلث يقول لأمريكا بكل بساطة إن ما تسمينه "الحرب على الارهاب العالمي" هو نفسه الارهاب، هو حرب إمبريالية مكشوفة هدفها استعباد الشعوب ونهب خيراتها وحماية ربيبتها اسرائيل. لم يعد هناك أحد في العالم يتمتع بقليل من الموضوعية والنزاهة يصدق الكلام حول نشر الديموقراطية والسعي وراء السلام ومساعدة الشعوب الفقيرة وغيرها من الخدع.
من أجل إحكام سيطرتها على العراق قامت أمريكا بتدمير هذا البلد العربي ذي التاريخ والحضارة العريقتين وإحتلاله. ولم تكتف بذلك، بل قامت بتأجيج الصراعات العرقية والطائفية لتمزيق الشعب العراقي من الداخل وأستفردت ببعض العملاء وقلدتهم مناصب حكم وهمية. الا أن المقاومة العراقية الباسلة تلقن هؤلاء المحتلين وعملائهم دروسا لا يمكن نسيانها كل يوم وتزجرهم في منطقة ضيقة من بغداد حيث يعيشون في رعب دائم. لم تعد مسألة دحر هؤلاء المحتلين وترحيلهم عن العراق سوى مسألة وقت ليس إلا.
الامر نفسه يحاولون صنعه في لبنان حيث يعملون كل ما يستطيعونه لتفجير فتنة طائفية ويصورون الصراع وكأنه بين طائفة شيعية مدعومة من سوريا وأيران وبين طائفة سنية مهددة بالقتل. وتقوم بعض الانظمة العربية الرجعية وابواق دعايتها بالترويج لهذه الفرية الامريكية. غير أن الجميع يعرف أن الصراع في لبنان سياسي. في لبنان وكما في فلسطين الصراع بين تيارين متناقضين: تيار المقاومة الرافض للهيمنة الامريكية – الاسرائلية على المنطقة وتيار الخضوع لهذه الهيمنة.
قبل حوالي السنة حاولوا أن يلعبوا اللعبة نفسها في قطاع غزة. ولكن بما أن الشعب الفلسطيني ينتمي للطائفة السنية من حيث الاساس والكلام عن صراع شيعي سني غير وارد في هذه الحالة فقد استعاضوا عنها بالكلام عن الصراع بين حركات اسلامية ظلامية متطرفة مدعومة من ايران مقابل معتدلين علمانيين ومتنورين يجنحون الى السلام.
الاكاذيب وتزييف الحقائق لا تغير من الواقع شيئا. هذا الواقع الذي يؤكد أن المحور الامريكي – الاسرائيلي يتلقى الهزائم المتتالية، أمريكا تفقد مواقعها في العراق اسرائيل ما زالت تلعق هزيمتها في لبنان وفشلها في غزة. هذا الواقع يؤكد ايضا أن المقاومة تنتشر ويشتد عودها في كل مكان وتحظى بإلتفاف جماهيري حولها.
الشعوب تتوق للحرية والاستقلال ولن توقفها جيوش الاحتلال والاستعمار مهما كانت مدججة بالسلاح.
No comments:
Post a Comment