بيريسترويكا في السعودية
علي زبيدات - سخنين
قال آخر رئيس للاتحاد السوفياتي، ميخائيل غورباتشوف، عندما بدأ بتطبيق سياسة البيريسترويكا(إعادة البناء) في منتصف سنوات الثمانين من القرن الماضي، إن هدفه هو إنقاذ البلاد من الانهيار وبعد خمس سنوات احتفل غورباتشوف وحوله زعماء العالم الغربي الذين دعموه وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي رونالد ريغن بالانهيار التام للاتحاد السوفياتي. وتبين فيما بعد أن البيريسترويكا (والغلاسنوست) ليس فقط أنها لم تنقذ الاتحاد السوفياتي بل سارعت في انهياره. هل سينجح محمد بن سلمان بما فشل فيه غورباتشوف؟ هل يستطيع أن ينقذ المملكة السعودية من الانهيار؟
قد يتساءل البعض: ولكن ما العلاقة بين الاتحاد السوفياتي السابق والمملكة السعودية؟ حيث لا يوجد هناك مجال للمقارنة ولا يوجد أي وجه للشبه بين الشخصين أو بين النظاميين. طبعا لكل شخص ولكل نظام خصوصياته وللوهلة الأولى يبدو أن الفرق بينهما شاسع إلى درجة حتى الخيال الجامح يعجز عن الربط بينهما. ولكن الحقيقة أن المشترك بين الحالتين أكثر وأعظم مما تظنون. فجوهر الصراع بين الأنظمة أو داخل النظام الواحد، وليس بالضرورة في الاتحاد السوفياتي السابق والسعودية، هو على الثروة والسلطة: من الذي يسيطر على ثروة البلد وما هو شكل السلطة التي تحقق وتضمن هذه السيطرة؟.
طبعا، لست هنا بصدد دراسة أو تحليل أو حتى الكتابة عما جرى في الاتحاد السوفياتي في تلك المرحلة التي انتهت بإنهياره التام، فهذا موضوع قائم بذاته وقد كتب حوله الكم الكثير وله مناسبته. وفي الوقت نفسه لست بصدد دراسة أو تحليل ما يجري حاليا في السعودية، كل ما هنالك هو كتابة مقالة صحفية متواضعة تتناول الأحداث المتسارعة وتشير إلى جوانبها الأساسية بشكل عام.
المملكة العربية السعودية، وهذا اسمها الرسمي، هي دولة حديثة نسبيا تأسست في عام 1932 ولكنها في الواقع ما زالت تعيش في ظلمات القرون الوسطى من كافة النواحي: من حيث التركيبة العشائرية للمجتمع والنظام السياسي والاقتصادي الإقطاعي بل وفي بعض جوانبه يعود إلى ما قبل الإقطاع، أي إلى العصر العبودي. هذا بالإضافة للتشبث بعادات وتقاليد وتراث ومعتقدات تعود هي الأخرى إلى القرون الوسطى تأبى التغيير، ولكن هبوط الثروة عليها بلا حساب من السماء أو على الأصح تفجرها من باطن الأرض على شكل نفط نقل هذه المملكة الصحراوية خلال سنوات قصيرة إلى القرن العشرين والواحد والعشرين حاملة معها مجتمعها القبلي بعاداته وتقاليده البالية. وهنا يكمن التناقض الرئيسي في السعودية. وقد تفاقم هذا التناقض مؤخرا حتى وصل إلى مرحلة الصدام وأصبح غير ممكن إلا بأساليب عنيفة.
ما يجري في السعودية ابعد ما يكون عن "مكافحة الفساد" كما صرح ولي العهد بل هو صراع بين الفاسدين داخل العائلة المالكة. فالفاسدون الذين تم اعتقالهم من أمراء ووزراء ورجال أعمال تبلغ ثروتهم أكثر من 2 تريليون دولار مما جعل الملك وولي عهده يشعران بالظلم والاجحاف خصوصا وأن تورط المملكة في النزاعات الإقليمية وخصوصا في سوريا واليمن قد استنزف خزينة الدولة هذا بالإضافة إلى سباق التسلح الذي فرضته المواجهة مع إيران والذي كلف في السنة الأخيرة لوحدها أكثر من 100 مليار دولار ثمنا للاسلحة الامريكية. في ظل هذه الظروف ليس غريبا أن يكون الهاجس الذي يستحوذ على عقلية الطغمة الحاكمة هو كيف يمكن إنقاذ المملكة من الانهيار القادم بخطوات سريعة؟. عندما بدأ ما سمي بالربيع العربي في تونس وقفت السعودية ضده وقدمت الدعم من لزين العابدين بن علي وعندما فشلت في مسعاها استقبلته هاربا. كما وقفت إلى جانب حسني مبارك في وعارضت إسقاط حكمه، ولكنها مرة أخرى لم تستطع انقاذه. ولكنها دعمت بأموالها إنقلاب السيسي الذي أجهض تطور الثورة في مصر وأعاد نظام مبارك بدون مبارك. وعندما وصل الربيع العربي إلى سوريا غيرت السعودية استراتيجيتها وادعت أنها تقف إلى جانب الثورة السورية ضد النظام، ولكنها في الحقيقة أنقذت النظام السوري من خلال عملها الدؤوب على حرف الثورة عن مسارها الشعبي التحرري من خلال تقديم الدعم للتنظيمات التكفيرية. وكان هدفها من وراء كل ذلك هو إبعاد رياح التغيير عن المملكة بكل ثمن.
كل ذلك لم يطمئن محمد بن سلمان ووالده على سلامة المملكة والاستحواذ على ثروات البلاد، لذلك نراه يرتمي في أحضان المحور الأمريكي- الصهيوني لعله يوفر لهما سبل النجاة. انهيار المملكة السعودية قادم لا محالة، المسألة مسألة وقت لا أكثر ورياح الحرية سوف تجتاح الجزيرة العربية وتنقل البلاد إلى العصر الحديث.
No comments:
Post a Comment