فشلنا حتى في أن نقض مضاجعهم
علي زبيدات - سخنين
تنشر دائرة الإحصاء المركزية الاسرائيلية كل سنة قبيل رأس السنة العبرية تقريرا يحتوي على معلومات إحصائية أساسية عن السكان، الاقتصاد والمجتمع والتي تستعمل، بعد دراستها وتحليلها، من قبل الوزارات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتحديد سياساتها وبرامجها.
لن أخوض هنا بتفاصيل هذا التقرير فهو متوفر وفي متناول اليد لكل من يهتم بهذا الموضوع وقد نشرته معظم وسائل الإعلام الاسرائيلية إن لم يكن كافتها. جملة صغيرة وردت في صفحات التقرير لفتت نظري وهي محور مقالتي هذه. تقول هذه الجملة: " 89% من الإسرائيليين من سن عشرين فما فوق راضون عن حياتهم. 6% فقط يشعرون بالوحدة في أوقات متقاربة". على عكس غالبية الاحصائيات التي تأخذ بعين الاعتبار انتماءات السكان القومية لم يذكر هنا أي انتماء قومي، مما يوحي أن هذه النسبة تشمل اليهود والعرب على حد سواء وقد تكون نسبة غير الراضين من العرب أعلى من نسبة اليهود، ويظهر ذلك بشكل أوضح عندما تصبح نسبة عدم الراضين عن وضعهم الاقتصادي 37%.
لو افترضنا أن هذه المعلومات الاحصائية صحيحة، وهي حسب رأيي صحيحة ولو بشكل تقريبي، فإننا نستنتج أن كل نضالاتنا داخل الكنيست وخارج الكنيست وكل احتجاجاتنا وإدانتنا لسياسة الحكومة قد فشلت حتى في أن تقض مضاجع المواطن الاسرائيلي المتوسط، بل أسوأ من ذلك، فإن هذه الاحصائيات تثبت بأننا شركاء في هذا الرضا. وإذا أضفنا إليها نضالات إخواننا في غزة والضفة الغربية ودول الجوار فهي الاخرى قد فشلت في أن تمس رضا غالبية السكان عن حياتهم. إن دل ذلك على شيء فإنه يدل إما على ضعفنا المطلق وإما على قوتهم الخارقة وربما يدل على الامرين معا. أنا شخصيا لا أؤمن بوجود ضعف مطلق. فالضعف قد يتحول إلى قوة إذا تعرفت على مصدره وأسبابه وعرفت كيف تعالجه وتعمل على تغييره. وفي الوقت نفسه لا أؤمن بوجود قوة خارقة. فكل قوة يمكن أن تتحول إلى ضعف أو على الاقل تواجه قوة أخرى مثلها أو أقوى منها. ولكن في لحظة معينة من الزمن، قد تطول أو تقصر، يبدو وكأنه يوجد هناك ضعف مطلق مقابل قوة خارقة، وهذه الحالة قريبة جدا من حالتنا في الوقت الراهن. وخير دليل على ذلك أن نسبة الراضين عن حياتهم تصل إلى 89%. فقط عندما تنعكس الصورة ويصرح 89% من السكان إنهم غير راضين عن حياتهم، تصبح امكانية التغيير الجذري إمكانية واردة بل ضرورية. من حيث المبدأ، نحن نطمح بالطبع لأن تكون نسبة الراضين عن حياتهم 100% ولكن بعد التخلص من هذا النظام الكولونيالي العنصري الذي يعمل على رفاهية مجتمعه الاستيطاني فقط، وبعد تحقيق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني وعودته إلى وطنه.
المستوطن الصهيوني في الضفة الغربية يشعر بالأمن والرفاهية وبالتالي يصرح لدائرة الاحصاء المركزية بأنه راض عن حياته ليس بسبب الدعم الحكومي (الاسرائيلي- الأمريكي) فحسب بل بسبب الحماية التي توفرها له أجهزة امن السلطة الفلسطينية وتقهقر النضال الشعبي المناهض للاستيطان أيضا. المستوطنون في الجليل والنقب راضون عن حياتهم ليس بسبب سياسة التهويد الحكومية ومنحهم كافة التسهيلات والامتيازات فحسب بل بسبب نضالنا البائس الذي أسفر عن مصادرة 93% من أراضينا أيضا. الاسرائيليون بشكل عام راضون عن حياتهم لأن الكنيست التابعة لهم لا تتوقف عن سن القوانين العنصرية بينما تتمسك بها الأحزاب العربية وكأنها حبل النجاة. المحاكم الاسرائيلية تفاجئنا كل يوم بأحكامها القراقوشية ولكننا نتهافت عليها بإستمرار طالبين الإنصاف والعدالة. نطالب الشرطة التي تتفنن في قمعنا و إذلالنا بترخيص وحماية مظاهراتنا واحتجاجاتنا. وأكثر من ذلك، بعد سن قانون القومية الأخير، وتعبيرا عن رفضنا لهذا القانون نناشد الدولة ونتوسل اليها أن تعيد لنا مواطنتنا الاسرائيلية كما كانت حتى ولو كانت مواطنة درجة ثانية أو ثالثة. في هذه الأيام، مع بداية الحملة الانتخابية المحلية، ننسى نكبتنا ونكستنا وكل قضايانا الجوهرية ونبدأ بعملية نهش جماعي لبعضنا من أجل الفوز ببعض الفتات التي القته الحكومة على طاولتنا.
لا أريد أن أتكلم هنا عن دور ومساهمة أشقائنا في الدول العربية من المحيط الى الخليج في تعزيز شعور الاسرائيلي بالرضا عن حياته. فالحديث في هذا المجال ذو شجون لا أول له ولا آخر. في ظل هذا الواقع المرير أصبح الاحتلال الإسرائيلي إحتلالا متنورا، وأصبح الجيش الإسرائيلي أكثر جيش أخلاقي في العالم بغض النظر عن جرائمه المثبتة والموثقة، وأصبح هذا الكيان هو الضحية والشعب الفلسطيني هو الإرهابي والمعتدي. وما زال العالم يفرد جناحية ويحتضن هذا الكيان العنصري.
للنتظر تقرير دائرة الإحصاء المركزية الاسرائيلية قبيل السنة العبرية القادمة لعل وعسى..
No comments:
Post a Comment