الأنظمة المستبدة بحاجة لشعوب ثائرة
علي زبيدات - سخنين
كتبت كثيرا عن العلاقة الجدلية بين الشعوب وبين الانظمة التي تحكمها. وربما من الاصح أن اقول، عن التناقض الذي قد يصل إلى درجة التناحر بين الشعوب وهذه الانظمة. من الطبيعي أن يكون التركيز بحكم الواقع وبحكم الصلة الخاصة على الشعوب والانظمة في منطقتنا العربية وخصوصا في الاماكن الملتهبة كبلاد الشام، مصر وشبه الجزيرة العربية. ولم أخف في يوم من الايام انحيازي المطلق لقضايا الشعوب وموقفي الثابت ضد الأنظمة. فقد توصلت إلى قناعة لا تتزحزح بأنه قد آن الأوان للأنظمة العربية بدون إستثناء أن ترحل. يرفض البعض هذا المنطق المبسط والصريح بحجة أنه لا يمكن وضع كافة الانظمة بسلة واحدة فهناك الانظمة الملكية والجمهورية، التقدمية والرجعية، عميلة للامبريالية وممانعة أو مقاومة لها. و يستنتجون من ذلك أن هناك أنظمة يجب أن ترحل ولكن هناك أنظمة يجب أن تبقى حتى ولو فني الشعب وخرب البلد. طبعا لا يستطيع أحد أن ينفي أوجه الاختلاف بين الانظمة والتباينات في سياساتها الداخلية والخارجية، قناعاتي تقول أن مثل هذه الاختلافات تجميلية يعني مساحيق ومكياج تسهل إزالتها وأن التباينات في سياستها نسبية جدا، شكلية، مؤقتة ومشروطة وبالتالي تستحق أن توضع في سلة واحدة ويلقى بها إلى مزبلة التاريخ.
نظريا، يبدو هذا الانحياز المطلق للشعوب طبيعيا وسهلا. ولكن ترجمته إلى عمل، إلى مواقف سياسية ترافقه صعوبات ومخاطر جمة قد تصل إلى حد فقدان البوصلة وضياع الطريق. فالشعوب ذاتها تتكون من طبقات وشرائح مختلفة تعيش تناقضاتها وصراعاتها الداخلية. وهي بطبيعتها محافظة تصبو إلى الاستقرار والحياة الكريمة، ولكنها ثورية بالقوة وقد تصبح ثورية بالفعل إذا وعت واقعها التعيس وذوتت قدرتها على تغييره. ولا ننسى أن بعض هذه الشرائح مخترقة من قبل الانظمة ويمكن أن تنسلخ عن جسد الشعب مع تطور النضال. هنا يجب ألا ننسى ديماغوجية الأنظمة التي عادة ما تتكلم بإسم الشعوب وتستطيع أن تؤثر سلبا على شرائح واسعة منه.
في ظل نظام العولمة الامبريالي السائد على كوكبنا يمكن تقسيم الانظمة العربية إلى معسكرين: أنظمة يتم حمايتها من قبل دولة (أو دول) امبريالية مركزية. وأنظمة يتم إسقاطها أو محاولة إسقاطها من دول امبريالية مركزية أخرى. وقد تتواجد بعض الانظمة في المعسكرين في آن واحد، حسب زاوية النظر إليها. قد تستفيد بعض الأنظمة من حالة التوازن بين القوى الامبريالية العظمى لتأمين استمراريتها. في كل الأحوال ما أريد أن أقوله هنا أن نظام العولمة الامبريالي لا يسعى إلى مصادرة حق الشعوب في اسقاط انظمتها فحسب بل يسعى أيضا إلى ابقاء هذه الشعوب ترزح تحت هيمنته واستغلاله.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق وعلى الدوام: هل ما زال اسقاط نظام عربي أو تغييره جذريا ممكنا من غير تدخل أجنبي؟ وبعبارة أخرى: هل ما زالت الثورات الوطنية ممكنة؟ لا أملك إجابات نهائية وقاطعة على هذه الأسئلة وأظن لا أحد يملك مثل هذه الإجابات. فقط الممارسة العملية طويلة الامد تستطيع أن تزودنا تدريجيا بالاجوبة، تستطيع أن تثبت أو أن تدحض هذه الفرضية. قد لا يكون مستحيلا ولكنه بالتأكيد سيكون في غاية الصعوبة. ثورات الربيع العربي في السنوات السبع الأخيرة هي خير دليل على هذه الظاهرة. فجميعها قد تم إجهاضها بعد اختراقها وحرفها عن مسارها الصحيح، كل ثورة حسب تجربتها وظروفها الخاصة. في تونس مثلا، أولى الثورات العربية الحديثة، خرج النظام البائد من الباب لكي يعود بعد سنوات قليلة من الشباك بمساعدة نظام العولمة. الشيء نفسه حدث في مصر بعد أخذ طبيعتها الخاصة بالحسبان. في ليبيا كان تدخل حلف الناتو المباشر سيد الموقف بمساعدة دول عربية وخصوصا الإمارات وقطر. في البحرين التدخل السعودي - الخليجي حسم الموقف مؤقتا لصالح النظام القائم. اليمن ما زال يتعرض لحرب أهلية واقليمية تحت مظلة العولمة إلى يومنا هذا. أما في سوريا فحدث بلا حرج، حيث اصبحت صورة مصغرة لحرب عالمية ثالثة سحبت البساط من تحت أقدام النظام السوري ومن تحت أقدام الحركات والتنظيمات المعارضة له. ربما أثبتت التجربة السورية أكثر من غيرها أن زمن الثورة الوطنية بمفهومها القديم والمعروف قد ولى إلى الأبد ومن غير رجعة، وأن الثورة الوطنية في هذا العصر وخصوصا في المناطق الحساسة يجب أن تكون جزءا من ثورة عالمية.
عندنا في فلسطين من الصعب الكلام عن نظام أصلا هذا من جهة، ومن جهة أخرى وبعد ربع قرن من اتفاقيات أوسلو، أصبح الكلام عن ثورة أصعب. نستطيع أن نقول إن جاز التعبير: يوجد لدينا نظام مشوه وحنين لثورة تم إجهاضها وهي جنين. بالرغم من ذلك، فهذا النظام المشوه ليس استثناء على الساحة العربية حيث جميع الانظمة مشوهة بشكل أو آخر. حسب رأيي مصير الشعب الفلسطيني مربوط بعلاقة لا تنفصم بمصير الشعوب العربية وباقي الشعوب التي تصبو للانعتاق من هيمنة العولمة الامبريالية، وأن نضاله مرتبط عضويا بنضالات هذه الشعوب.
تحديات المرحلة القادمة ستكون كيف نجعل من النضال الوطني الفلسطيني نضالا أمميا؟ وكيف نجعل النضال الأممي حاضنة للنضال الفلسطيني؟ الشعب الثائر وحده قادر على إسقاط نظام مستبد.
No comments:
Post a Comment