نحن بحاجة للغضب وليس للحزن
منذ فترة طويلة، توصلت إلى قناعة بأن النقاش في الأمور الدينية والعقائدية، خصوصا في الفضاء العام، لأن النقاش عديم الفائدة، عقيم ولا يجلب سوى الحقد والكراهية. خصوصا وإن كل ما يمكن أن يقال مع أو ضد هذه الامور قد قيل منذ زمن طويل. فالإيمان والكفر هي في نهاية المطاف مسالة قناعة ذاتية وبالتالي فأن تغييرها أو التمسك بها لا علاقة له بالوعظ أو النقاش. وعلى أساس هذه القناعة قررت عدم الخوض في مناقشة المسائل الدينية والعقائدية. ولكن في الجلسات الخاصة مع الاصدقاء أو الاقارب يكون من المستحيل أحيانا تجنب مثل هذا النقاش كليا. وحتى في مثل هذه الجلسات الخاصة كنت أحاول الاختصار من النقاشات وعدم الانجرار الى جدل "بيزنطي" وعندما كان أحدهم يطيح بي تهمة العلمانية والاشتراكية وهي في منطقهم مرادفة للكفر والإلحاد كنت أجاوب ببساطة واختصار: العلمانية والاشتراكية ليست مدرسة لنشر الكفر والالحاد بل مدرسة لنشر الفكر الحر والعدالة الاجتماعية.
في احدى الجلسات العائلية فتح موضوع الدين والصحوة الاسلامية وكان من بينهم قريبا شابا متحمسا ينتمي إلى مجموعة شبابية تطلق على نفسها "شباب الدعوة". في البداية التزمت الصمت واستمعت الى ما يدور من نقاش ومواعظ، بالرغم من شعوري بأن جل مايدور من نقاش مواعظ تقصدني دون غيري. وعندما اصبح الكلام مباشرا وطلب الحاضرون ردي تنازلت عن صمتي وعبرت عن رايي الذي يعرفونه مسبقا، الامر الذي اثار لديهم المزيد من الاستنكار والامتعاض. في نهاية السهرة قام قريبي شاب الدعوة المتحمس وقال لي: يا خال، أنا أشفق عليك من عذاب النار لذلك سوف أهديك هذا الكتاب وأن تعدني بقراءته. تناولت الكتاب وشكرته.
عندما عدت للبيت تناولت الكتاب وكان اسمه: "لا تحزن" المؤلف هو الداعية السعودي الاسلامي عائض القرني والذي قرن اسمه بحرف الدال التي تشير إلى أنه يحمل شهادة الدكتوراة ولا أدري بماذا. وعلى الصفحة الاولى مكتوب: "الكتاب الذي بيع منه أكثر من مليوني نسخة".و"الكتاب الاول مبيعا في العالم العربي". بدأت بقراءة الكتاب كما وعدت قريبي وهو عبارة عن مواعظ واحاديث وقصص دينية وغير دينية أغلبها في غاية السذاجة هدفها كما يقول الكاتب نفسه هو جلب السعادة والهدوء والسكينة وانشراح الصدر وفتح باب الأمل والتفاؤل والفرج والمستقبل الزاهر. هنا لا بد أن اعترف بأنني لم أستطع أن أكمل قراءة هذا الكم الهائل من المواعظ الساذجة التي يحتويها الكتاب فوضعته على أحد الرفوف بين باقي الكتب. بعد فترة، قرأت بالصدفة في أحد المواقع أن عائض القرني هذا متهم بسرقة هذا الكتاب وكتاب آخر عن مؤلفين أجانب وأن محكمة سعودية أدانته بالسرقة وحكمت عليه بدفع غرامة. وقرأت مرة أخرى ومن باب الصدفة أيضا، فأنا لا أتابع مثل هذه الاخبار، بأن عائض القرني قد انقلب على تيار الصحوة الذي كان من أبرز رموزها وذلك خوفا أو إرضاء لولي العهد السعودي الذي زج بعدد من الدعاة المعروفين في السجن لمعارضتهم سياسته بالانفتاح التي يقودها. ومؤخرا تتناول وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وتصريحات لعائض القرني يشن بها هجوما شرسا على الرئيس التركي أردوغان بعد أن كان يعتبره القائد الاسلامي الحكيم الذي يحمي الأمة الاسلامية وفي الوقت نفسه يكيل المديح للعائلة السعودية المالكة ويطبل ويزمر بكل ما أوتي من قوة للملك ولولي عهده.
مثل هذا الداعية المنافق تجده في كل بلد عربي. ولكن للإنصاف فإن المصيبة لا تقتصر على هؤلاء الدعاة المطبلين فهناك طبقة كاملة من الشعراء والأدباء والكتاب والعلماء والمثقفين الذين يحملون كرسي الاستبداد على اكتافهم ويستبسلون في الدفاع عن الحكام المستبدين الجهلة. وبدون هؤلاء لا تستطيع أنظمة الاستبداد الصمود يوما واحدا في وجه الغضب الشعبي.
لن تنعم الشعوب العربية بالحرية ولن تحقق أمانيها بإسقاط الانظمة الفاسدة
إلا بعد إسقاط طبقة التطبيل والتسحيج هذه.
No comments:
Post a Comment