يحكى أن ناسكا هنديا رزق بطفل فبكى. فسأله أهله مستغربين: الاحرى بك أن تفرح وتحتفل فلماذا تبكي؟ فقال لهم: اليوم مات.
يخلق الانسان وهو يحمل عنصر موته في داخله ولا يستطيع أن يهرب أو يتخلص منه. كذلك الدول تولد وعنصر فنائها في صلبها ولا تستطيع الخلاص منه. دولة اسرائيل ليست استثناء بل هي تأكيد لهذه القاعدة. قبل 60 عاما ولدت دولة اسرائيل وقبل 60 عاما بدأت تموت. وها نحن نرى هذه الدولة تموت أمام أعيننا ليس من جراء حرب خارجية تشن عليها وليس من جراء استعمال اسلحة نووية او اسلحة دمار شامل ضدها ولا من جراء تسونامي مدمر أو هزة أرضية رهيبة. بل هي تموت لأنها منذ ولادتها حملت عناصر فنائها في أحشائها. واليوم هذه العناصر ستتفحل وتخطو بخطى سريعة نحو الانفجار.
لا يوجد هناك إستقلال ولا يحزنون. فالاستقلال هو تحرر شعب من نير إحتلال أجنبي. فأي شعب هذا الذي يحتفل بإستقلاله؟ واين الاحتلال الاجنبي الذي كان يربض تحت نيره؟ إن بناة هذه الدولة ليسوا أكثر من عصابات من الكولونياليين. وهم هم الاحتلال.
لقد أن الآوان أن نعيد تعريف بعض المفاهيم والمصطلحات وأولها مفهوم الاستقلال. ونتوقف عن تبني الشعارات الخاطئة والمضللة التي تدل على محدودية فهمنا للواقع. علينا أن نتوقف منذ الآن عن رفع شعار: "يوم إستقلالهم هو يوم نكبتنا" لأنه لا يوجد لديهم يوم استقلال. بل يوجد لديهم يوم إحتلال. هذا تشويه لمفهوم الاستقلال الذي يعبر عن التحرر وعن نضالات الشعوب ضد الظلم والعدوان، هذا إهانة لمفهوم الاستقلال كما تفهمه الشعوب وكما نص عليه إعلان الامم المتحدة حول منح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة. هم يستطيعون أن يطلقوا على يوم إحتلالهم ما يشاؤون من أسماء. ولكن ذلك لا يكفي لجعل ادعاءاتهم حقيقية. فالاحتلال يبقى الاحتلال بالرغم من كافة التسميات الجميلة. فقط نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرر من نير هذا الاحتلال وفي حال تكلله بالنجاح يمكن أن يسمى إستقلالا وهذا حسب كافة المواثيق الدولية.
لقد قامت هذه الدولة منذ البداية على أسس عنصرية وتغذت من أيديولوجية عنصرية رجعية حتى قبل أن تبدأ بالغزو العملي لفلسطين وهي الايديولوجية الصهيونية.
قبل أن تمارس الصهيونية جرائمها على الشعب الفلسطيني إقترفت جرائم عديدة في حق يهود العالم أنفسهم.
لقد قامت الحركة الصهيونية على ثلاثة مبادئ عامة كلها خاطئة ومضللة تعبر عن مصالح فئة قليلة من الرأسماليين اليهود الذين كانوا جزء وفي خدمة النظام الاستعماري العالمي.
اولا) إعتبار يهود العالم شعبا واحدا لا تربطهم أي علاقة بالبلاد التي يسكنونها وبالشعوب التي يعيشون بينها. وهذا زعم واضح الكذب. فيهود فرنسا مثلا هم فرنسيين تماما كباقي الفرنسيين ومن يقول غير ذلك فهو عنصري (ولا سامي)، ويهود روسيا هم روس ويهود المغرب مغاربة ويهود اثيوبيا اثيوبيين وهكذا دواليك. لا يوجد هناك شعب يهودي عالمي. وهذا ما يقوله كل يهودي يحترم هويته الحضارية والثقافية وانتمائه الوطني.
ثانيا) إن كراهية اليهود (اللاسامية) هي صفة أبدية عند كافة الشعوب. وهذه الكراهية تشكل خطرا على أمن اليهودي اينما تواجد. هذا الادعاء هو أيضا خاطئ ومضلل. فاللاسامية ليست صفة ازلية مرافقة لجميع الشعوب. بل كانت وسيلة سياسية تستعملها الطبقات الرجعية في صراعها على السلطة في حقبات تاريخية محددة.
ثالثا) الحل الوحيد لإنقاذ "الشعب اليهودي العالمي" من براثن اللاسامية هو بناء الوطن القومي اليهودي.
وهذا ما عملت الحركة الصهيونية على تحقيقه على مدار أكثر من قرن، وكانت دولة اسرائيل هي نتاج هذا النشاط الصهيوني.
قيام دولة اسرائيل لم يكن يعني نكبة الشعب الفلسطيني، تشريده وإغتصاب ارضه وتدمير مجتمعه فحسب. بل كان يعني قبل ذلك نكبة المجتمعات اليهودية التي اقتلعت من ارضها وبيوتها في أرجاء عديدة من العالم. بواسطة اساطير حول شعب بلا ارض يعود الى ارض بلا شعب تم تدمير جاليات يهودية آمنة في اوروبا وافريقيا وآسيا.
عندما قامت الصهيونية السياسية في اروروبا كانت حركة هامشية بين اليهود انفسهم. وقد نبذهاغالبيتهم العظمى بل حاربوها ورؤوا بها حركة رجعية تتعاون مع الحركات الرجعية المحلية من أجل زعزعة احوالهم وإجبارهم على الرحيل. ورؤوا بالحركة الصهيونية واللاسامية وجهان لعملة واحدة. فالصهيوني يقول لليهودي: ارحل وطنك ليس هنا وشعبك ليس هنا. واللاسامي كان يقول لليهودي الشيء نفسه: ارحل، لا مكان لك هنا.
لظروف تاريخية ملموسة نجحت الحركة الصهيونية بتحقيق بعض مآربها وخصوصا بإقتلاع بعض الجاليات اليهودية وجلبها الى فلسطين وأقتلاع الشعب الفلسطيني وإحتلال أرضه وإقامة دولة إسبارطة الحديثة. ولكنها فشلت تاريخيا:
اولا: فشلت في ترحيل معظم اليهود الى فلسطين. فبعد قرن من التهجير استطاعت جلب 20% من يهود العالم فقط. واليهود الذين يهجرونها اليوم أكثر من القادمين اليها. وثانيا) فشلت في تصفية قضية الشعب الفلسطيني بالرغم من التشريد والدمار والقتل الذي لم يتوقف حتى يومنا هذا. ثالثا) بعد ستين عاما من قيام دولة اسرائيل المدججة بأحدث انواع السلاح فشلت بتحقيق الامن الذي وعدته للمهاجرين اليهود. المكان الوحيد غير الآمن لليهود اليوم هو فلسطين، لأنه لا يوجد أمن في ظل الاحتلال، أي إحتلال.
إن مصلحة الشعب الفلسطيني، ومصلحة الجماهير اليهودية ومصلحة كافة الشعوب المحبة للحرية والسلام هي أن تتخلص من هذا الكابوس الذي يسمى صهيونية وآله الحرب الوحشية التي صنعتها والتي تسمى اسرائيل، قبل فوات الاوان وقبل أن تقودنا جميعا الى نكبة جديدة.
No comments:
Post a Comment