Tuesday, April 08, 2008

مارتن لوثر كينغ والحلم الذي اصبح كابوسا

في عام 1963 وقف القس مارتن لوثر كينغ، زعيم حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الامريكية، أمام النصب التذكاري للرئيس أبراهام لنكولن "محرر العبيد" وألقى خطابه المشهور: "أنا عندي حلم" (I have a dream) حيث قال:" أحلم أن يوما سيأتي يعيش فيه اولادي الاربعة الصغار في وطن يحكم عليهم حسب شخصيتهم وليس حسب لونهم. أحلم أن يوما سيأتي سيجلس فيه معا على تلال ولاية جورجيا الحمراء وحول مائدة الاخاء، اولاد الذين كانوا رقيقا واولاد الذين كانوا يملكون رقيقا..."
بعد سنوات قليلة بعد هذا الخطاب، وفي مثل هذه الايام قبل 40 عاما، وبالتحديد في 4 نيسان 1968 لاقى مارتن لوثر كينغ حتفه على يد أحد العنصريين البيض.
للوهلة الاولى، وعلى ضوء النجاح الذي يحققه مرشح الحزب الديموقراطي الاسود براك أوباما في الانتخابات التمهيدية للرئاسة الامريكية يبدو وكأن هذا الحلم يتحقق. ولكن نظرة اخرى على واقع السود في الولايات المتحدة الامريكية تشير الى أن هذا الحلم بالنسبة للغالبية العظمى للسود قد تحول الى كابوس يجثم على صدورهم ويحول حياتهم الى جحيم.
قبل حوالي قرن ونصف، أعلن ابراهم لنكولن الغاء العبودية ونال اللقب التاريخي الذي لا يستحقه: "محرر العبيد". ما جرى في ذلك الوقت وخلال الحرب الاهلية الامريكية لم يكن أكثر من تغيير شكل العبودية ولم يرتق قطعا الى مستوى الغاء العبودية. فبعد أن كان الزنوج عبيدا لإقطاعيي الولايات الجنوبية الزراعية يعملون بالاساس في حقول القطن الشاسعة، أصبحوا بعد "التحرير" عبيدا في الولايات الامريكية الشمالية الصناعية. أي أن ما حدث لم يكن سوى الانتقال من العبودية الاقطاعية الى العبودية الرأسمالية. بينما لم يطرأ في معظم النواحي الاجتماعية والاقتصادية أي تغيير جذري، فقد بقي السود محرومين من حق الانتخابات، يتعرضون للتمييز العنصري في كافة مجالات الحياة حتى في المواصلات العامة حيث كانت الاماكن الامامية للحافلات مخصصة للبيض بينما كانت الاماكن الخلفية مخصصة للسود وكل من يخالف هذه القاعدة يتعرض للعقاب.
كان هذا الوضع سائدا حينما انطلقت في سنوات الستين حركة الحقوق المدنية بزعامة مارتن لوثر كينغ مطالبة بالحقوق المدنية الاساسية للسود كحق الانتخاب والغاء مظاهر التمييز العنصري في مجالات الحياة المختلفة.
كما هو معروف سلك كينغ طريق المقاومة السلمية وأدان المقاومة العنيفة حتى عندما كانت تعني الدفاع عن النفس. ظانا أن العدالة سوف تنتصر من تلقاء نفسها وأن النظام الذي يمارس التمييز سوف يغير سلوكه بعد إقتناعه بخطأ هذا السلوك. تحت ضغط التحرك الجماهيري أضطرت الادارة الامريكية أن تقدم بعض التنازلات خصوصا في ظل الخوف من أن يفقد مارتن لوثر كينغ السيطرة على حركة الاحتجاج مع تنامي تأثير مناضل زنجي آخر هو مالكوم إكس وحركات أخرى مثل الفهود السود والتي كانت تناضل من أجل إحاث تغييرا نوعيا.
بعد إغتيال مارتن لوثر كينغ ولإحتواء حركة الاحتجاج، تبنت الادارة الامريكية قرار جعل ذكراه عيدا قوميا أمريكيا. وفي هذه المناسبة إجتمع مرشحا الحزب الديموقراطي، براك اوباما وهيلاري كلنتون مؤخرا محتفلين بتحقيق "حلم مارتن لوثر كينغ".
ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا: هل هذا هو الحلم الذي يراود ملايين السود؟ أم أن هذا الحلم ليس سوى كابوس رهيب؟ تشير الاحصائيات الامريكية الرسمية أن البطالة بين السود هي ضعف البطالة بين البيض. وأن دخل العائلة الزنجية أقل من 70% من دخل العائلة البيضاء. بينما تصل نسبة السود من نزلاء السجون ( الذين يبلغ عددهم 2.5 مليون) الى 53% ( مع ان نسبتهم العامة من السكان تبلغ حوالي 12%). وكما هو في بلادنا، تكون ايدي رجال الشرطة اقرب الى الزناد عندما تتعلق الامور بالسود. وهناك قصص لا تعد ولا تحصى حول العنف البوليسي في حق الزنزج. هذا ناهيك عن اوضاعهم المزرية في أحياء الفقر في كافة المدن الامريكية الكبرى. بالاضافة الى ذلك يشكل السود وقودا لآلة الحرب الامريكية التي تشن حروبها الامبريالية في شتى ارجاء العالم.
إذن السيد براك اوباما لا يمثل هؤلاء السود التواقيين للحرية وللتغيير الحقيقي. بل يمثل كبار الرأسماليين والشركات الرأسمالية العالمية ويخدمها. وليس من باب الصدفة أنه يحاول أن يطمس ماضيه الافريقي ويركز على كونه "امريكيا" عاديا، يقدم الولاء للوبي الصهيوني ويؤكد كونه صديقا وفيا لدولة اسرائيل مثله مثل باقي المرشحين وربما أكثر منهم. بينما لا تهمه معاناة الشعب الفلسطيني، بل على العكس من ذلك، نراه ينضم الى جوقة التحريض على الشعب الفلسطيني وعلى نضاله من أجل الحصول على حقوقه الطبيعية، ويدعم فرض الحصار الجائر على غزة وإحكام القبضة عليه. أما معارضته الخجولة لسياسة جورج بوش في العراق فإنها لا ترتقي الى المطالبة بالرحيل الفوري لقوات الاحتلال الامريكية عن هذا البلد العربي.
براك اوباما لن يجلب اي تغيير جذري على السياسة الامريكية بالرغم من كثرة استعماله لهذه الكلمة. التغيير الجذري في الولايات المتحدة الامريكية وكذلك في اسرائيل لن يأتي إلا من خلال النضال الشعبي من أجل تغيير النظام الرأسمالي الظالم.
علي زبيدات - سخنين

No comments: