Tuesday, April 22, 2008

زيارة جيمي كارتر - هل نقف أمام كامب ديفيد جديد؟


نشر الرئيس الامريكي السابق، جيمي كارتر كتابا بإسم: "فلسطين سلام وليس أبرتهايد". حمل اسرائيل مسؤولية عرقلة التوصل الى اتفاقية سلام في المنطقة واتهمها بمارسة سياسة ابرتهايد، اي سياسة تمييز عنصري، في حق الشعب الفلسطيني خصوصا فيما يتعلق بنهب الاراضي وبناء المستوطنات والجدار العازل. وبالرغم من أن كارتر لم يكتب شيئا جديدا لم يكن معروفا، وبالرغم من ان ما نشره ليس سوى غيض من فيض مما تقترفه اسرائيل من جرائم وكنا وما زلنا نقوله لكل من يحب أن يسمع، ولم يصغ الينا احد في هذا العالم المتنور، نرى أن كتاب كارتر حظي بردود فعل شديدة خصوصا من اللوبي الصهيوني المهيمن في واشنطن ومن الدوائر في الادارة الامريكية التي تدور في فلك هذا اللوبي.
لم يشفع لكارتر انه اسدى لإسرائيل أكبر خدمة عرفتها في تاريخها الدامي وهي اتفاقيات كامب ديفيد التي سلخت مصر من حضن الامة العربية والقت بها في احضان امريكا واسرائيل ووضع الاساس لتصفية القضية الفلسطينية عن طريق حل الحكم الذاتي الذي يتكرر بأشكال مختلفة. هذه الاتفاقيات هي أم جميع الاتفاقيات التصفوية التي لحقتها مثل اتفاقيات اوسلو ووادي عربة وغيرها.
لم يكتف كارتر بنشر كتابه المثير للجدل. ولم يتراجع أمام هجوم اللوبي الصهيوني عليه، بل خطى خطوة أخرى تبدو جريئة في ظاهرها. فقد قام، من ضمن الاماكن التي زارها، بزيارة دمشق ومقابلة الرئيس السوري ومقابلة زعامة حماس. على عكس السياسة الامريكية الرسمية التي تفرض العزل والحصار على سوريا وتعتبر حركة حماس حركة ارهابية غير شرعية. ولم يكتف بزيارة مجاملة، بل صرح أن سياسة استبعاد حماس وسوريا غير ناجحة ودعا الى ضرورة التفاوض معهما.
هل نحن أمام صديق جديد للشعب الفلسطيني وللأمة العربية؟ يجب أن نرفعه عاليا ونضمه الى قلوبنا؟
اذا تغاضينا عن تاريخه الحافل في خدمة اسرائيل عندما كان رئيسا، وتغاضينا عن مركزه الحالي غير المؤثر أو كما وصفه تسحي هنغبي وشاؤول موفاز بانه منقطع عن الواقع يعيش في حالة من الهذيان، فهل حقا غير كارتر قناعاته بشكل جذري؟ الجواب، ومن تصريحاته المتكررة، هو لا. فما زال يؤمن بحق اسرائيل بالوجود ويدين "العنف" الفلسطيني ويعترف بكافة الاتفاقيات المجحفة في حق الشعب الفلسطيني.
إذن ما الذي دعا كارتر الى أن يغرد خارج السرب الامريكي؟ في الحقيقة موقف كارتر ليس فريدا من نوعه كما يبدو للوهلة الاولى. لم يعد خافيا وجود تيارات متباينة في دوائر الادارة الامريكية بخصوص سياسة بوش الغبية في المنطقة وخصوصا توريط امريكا في افغانستان والعراق. حتى أن بعض معاوني ومؤيدي بوش المعروفين قد استقالوا وتركوه لوحده يقضي السنة الاخيرة في البيت الابيض. ونرى أنه تحت الضغط الشعبي أجبر مرشحا الحزب الديموقراطي كلنتون وأوباما ان يضعا مسألة انسحاب الجيوش الامريكية من العراق في صلب برنامجهما الانتخابي. وهناك تقرير جيمس بيكر ولي هاملتون والذي يدعو الى ضرورة التفاوض مع سوريا وايران والى تطبيق قرارات الامم المتحدة.
بالرغم من تنصل الحزب الديموقراطي رسميا من كتاب وتحركات كارتر غير انها تعكس توجهات متنامية تدعو الى إعادة تقييم السياسة الامريكية في المنطقة التي اوصلتها ادارة بوش الى أزمة حقيقية.
هناك نوع من تقاسم الادوار. الجناح اليميني المتشدد الذي يقوده المحافظون الجدد الذين يحيطون بجورج بوش مقابل الجناح الليبرالي. تختلف الاساليب والتوجهات وتتوحد الاهداف والاستراتيجيات وهي المحافظة على هيمنة الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل.
خطوة كارتر الاخيرة بدأت تؤتي ثمارها. فها هي زعامة حماس قد غمرها كرم التنازلات وصرحت بقبولها للتهدئة وقبولها بالدولة الفلسطينية في الاراضي المحتلة عام 1967 وقبولها بأي اتفاق يتوصل اليه محمود عباس من خلال المفاوضات مع اسرائيل اذا قبله الشعب الفلسطيني عن طريق استفتاء. ولم تشرح لنا حماس ماذا تعني بالاستفتاء، هل سيكون مقتصرا على سكان قطاع غزة والضفة الغربية أم سوف يشمل كافة الفلسطينيين في أماكن تواجدهم؟ ولم تشرح لنا أيضا كيف ستنفذ مثل هذا الاستفتاء على ارض الواقع. من أجل ان تبقى حماس في السلطة أو على الاقل أن تشارك بها فهي مستعدة أن تقدم تنازلات كبيرة. وهذا ليس جديدا عليها، فقد أقدمت على ذلك من قبل، ولكن حتى الان لم بأخذها اي طرف على مأخذ الجد. هذا التنازل بدا بالمشاركة في الانتخابات في ظل الاحتلال، وتفاقم بعد تحقيقها الفوز في هذه الانتخابات. فما زلنا نذكر موافقتها على اتفاقية مكة وعلى ما يسمى بمبادرة السلام العربية، وصرحت مرارا وتكرارا انها سوف تحترم الاتفاقيات الموقعة مع اسرائيل.
جاء كارتر ليقول للعرب وللفلسطينيين: كلما تنازلتم أكثر كلما ازدادت فرصكم لكي تحصلوا على شيء. جاءت رحلة كارتر لكي يذكرنا بصحة وضرورة النظرية التي وضعها أنور السادات في فترة ولايته والتي تقول: 99% من اوراق الحل في يد أمريكا. هذه النظرية التي يتبناها حاليا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقام بتطويرها بشكل خلاق.
يقول مثلنا الشعبي: أحذر عدوك مرة وأحذر صديقك الف مرة. وخصوصا اذا كان الصديق على شاكلة جيمي كارتر ومن يقف وراءه.

No comments: