Wednesday, July 02, 2014

لنتكلم عن الاخلاق

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000012039 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000012023
لنتكلم عن الاخلاق
علي زبيدات – سخنين

بعد العثور على جثث المستوطنين الثلاثة كثر الكلام من كل حدب وصوب حول الاخلاق والقيم الانسانية حتى وصلت الى درجة مثيرة للقرف والغثيان. السياسيون ممن تاريخهم حافل بالجرائم ضد الانسانية وملطخون بالدماء من انوفهم وحتى أخمص افدامهم(وليس ايديهم فقط) أصبحوا فلاسفة في الاخلاق. واصبح الاعلاميون الذين استبدلوا حبر اعلامهم منذ زمن سحيق بالدم النازف مروجين لبضاعة اخلاقية رخيصة ومزورة. فها هو الرئيس الامريكي براك أوباما يقول:" لا اتصور الألم الذي لا يمكن وصفه الذي يشعر به والدي الشبان المخطوفين"، ولكنك كما يبدو تستطيع أن تتصور ألم والدي الشبان الفلسطينيين والذي يمكن وصفه، وربما لهذا السبب لم تفكر يوما بالتعاطف مع هذا الالم. لست هنا بصدد الكلام عن ألم آلالاف بل مئات الالاف من والدي أطفال اقغانستان والعراق والذين اصدرت في حقهم حكم الاعدام نفذتها طائراتك وصواريخك وقنابلك الحارقة. وها هو وزير خارجيتك جون كيري يهرول وراءك مكررا ادانته الحاسمة للعملية الارهابية ويشارك "الشعب الاسرائيلي العزاء ويصلي من أجل الشبان الثلاثة وعائلاتهم" وكأن الصلاة على ارواح الاطفال العرب والفلسطينيين لا تجوز. وتتوالى قافلة ذارفي دموع التماسيح لتشمل دافيد كاميرون وطوني بلير وفرنسوا هولاند وانجيلا ميركل وبان كي مون ورسول المحبة البابا فرانسسكوس حتى تصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
اما في البلاد المقدسة، بلاد الحليب والعسل، ارض الميعاد، وطن الشعب المختار، فحدث بلا حرج. وهنا لا اريد الكلام عن قطعان الرعاع الذين نزولوا الى الشوارع وما زالوا وهم يهتفون: "الانتقام الانتقام "و"الموت للعرب" ويبحثون عن العمال الفلسطينيين لكي ينفذوا بهم حكمهم الاخلاقي بامتياز، ولا حتى الكلام عن الفاشيين الذين اختطفوا الشاب محمد ابو خضير من شعفاط واحرقوه ولا استغرب انهم قاموا بفعلتهم هذه وهم يرقصون حوله كما اوصاهم رب الجنود. فهؤلاء على الاقل لا يبررون جرائمهم بوازع اخلاقي ولا يختبئون وراء أية قيم انسانية، معظمهم اشخاص تعرضوا الى عملية شطف دماغ وحالتهم تدعو الى الشفقة والرثاء لا أكثر. ولكني اتكلم هنا عن رئيس الحكومة الاخلاقي جدا والانساني جدا وهو يقول: "الشباب الثلاثة خطفوا وقتلوا بدم بارد بواسطة حيوانات بشرية". حسنا جدا، ولكن ما رأيك بالذي هجر مئات الالاف ودمر بيوتهم وقراهم ويستمر في قتلهم وقتل اطفالهم باعتى الاسلحة وايشع الاساليب؟، ولا داعي هنا لذكر كافة المجازر من دير ياسين وكفر قاسم مرورا بصبرا وشاتيلا وقانا وحتى المجازر الاخيرة في غزة وباقي المناطق الفلسطينية، هل هؤلاء ملائكة؟ اذا كان قاتل ثلاثة شبان حيوان بشري فقاتل شعب بأسره يستحق حسب تعريفك بأن يوصف بالجرثومة البشرية. رئيس الحكومة هو قائد الاوركسترا أما الجوقة فتضم كافة الوزراء وعلى رأسهم الوزراء الكبار: لبيد، ليبرمان وبانيت، وتضم الرئيس السابق الراحل بيرس والرئيس الجديد ريفلين، وتضم ال"ربانيم" الرئيسيين والثانويين، الاشكناز والشرقيين، المعتدلين والمتطرفين، الجوقة بكامل تركيبها: إئتلاف ومعارضة، يمين ويسار، انها جوقة الاجماع الوطني. هذه الجوقة هي التي تعزف اليوم سمفونية القتل باسم الاخلاق والتي يعجز عن تأليف مقطع منها اكبر موسيقيي العالم ولو اجتمعوا بقيادة موتسارت وبتهوفن.
التاريخ لا يتطور حسب القيم الانسانية والمبادئ الاخلاقية وهذا هو جوهر مأساة البشرية. تطور التاريخ وما زال يتطور حسب الوصايا العشرة لكن بعد أن شطب كلمة لا منها. لا تقتل أصبحت: أقتل. أولا أقتل "دفاعا عن النفس" ومن ثم "اقتل في الصباح من يريد قتلك في المساء"، وبعد ذلك اصبحت اقتل كل من تعتبره عدوك. لا تسرق، اذا كانت السرقة رغيف خبز ولكن اسرق وطنا بكل ثرواته وشتت اهله واستولي على ممتلكاتهم فهي على كل حال وحسب القانون الاخلاقي اموال غائبين. اشته بيت قريبك واشته امرأة قريبك وعبده وأمته وثوره وحماره وكل شيء لقريبك. ما أسهل الدعوة للاخلاق ولكن ما أعسر السير في دروبها.
ما الذي يجعل الفعل اخلاقيا؟ هل هو الهدف الذي ينشده أم المبدأ الذي يصدر عنه؟ ليس لدي جوابا نهائيا على هذه السؤال ولا اظن احدا يملك مثل هذا الجواب. ولكني أؤمن بأن الهدف السامي لا بد أن يصدر عن مبدأ سام ولا يمكن أن يتحقق الا بوسائل سامية. هذا هو جوهر الاخلاق الثورية التى ينبغي أن تكون نبراسا لكل فعل ثوري. لا يمكن تصنيف الفعل اخلاقيا كان ام لا بمعزل عن الحياة الاجتماعية والسياسية. لا يمكن اخضاع القيم الاخلاقية للفعل السياسي ولكن من جهة اخرى لا يمكن اخضاع العمل السياسي لقيم اخلاقية مجردة أو مشيوهة. لا يمكن تحرير المبدأ الاخلاقي من ارهاصات الواقع الاجتماعي الا بعد تغيير هذا الواقع. قد يكون فعل ما اخلاقيا في الخليل ولكنه يكون غير اخلاقي في باريس. المشكل الاخلاقي فلسفيا ما زال عالقا بين مثالية افلاطون وواقعية ارسطو. فقط عندما يتحرر الشعب الفلسطيني من نير الخضوع للقيم الاخلاقية الانتقائية التي وضعتها دولة اسرائيل ضمن ما وضعته من سياسات قمعية نستطيع أن نتكلم عن قيم اخلاقية كونية.

No comments: