Wednesday, September 15, 2010

الاضراب الشامل ليس شعارا للاستهلاك

الإضراب الشامل ليس شعارا للاستهلاك
علي زبيدات – سخنين

قبل فترة من الزمن تناقلت وسائل الإعلام العربية المحلية خبرا مفاده أن لجنة المتابعة العليا بجميع مركباتها قد اتخذت قرارا بالإجماع إعلان الإضراب الشامل بالمناسبة العاشرة لما تسميه "هبة القدس والأقصى" وسقوط 13 شهيدا من أبنائنا.
على ما أظن هذه هي المرة الأولى التي تتخذ لجنة المتابعة مثل هذا القرار. في المرات السابقة القليلة التي اتخذ فيها قرار الإضراب الشامل لم يكن هناك إجماع من كافة المركبات. على العكس كان هناك دائما من يعارض بحجة الظروف غير الملائمة، عدم استعداد الجماهير أو عدم جدوى الإضراب. في العديد من المناسبات كانت إحدى المركبات الأساسية في هذه اللجنة والتي تتمتع بتأثير حاسم داخلها كانت هي التي تعمل على إجهاض قرار الإضراب الشامل. واليوم حسب وسائل الإعلام ذاتها كانت هي المبادرة بضرورة إعلان الإضراب وقبل المناسبة بأكثر من شهر.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا جرى؟ هل استوعبت لجنة المتابعة بكافة مركباتها أخيرا ضرورة تصعيد النضال الشعبي كرد على سياسة تصعيد القمع والتمييز التي تمارسها السلطة ضد جماهيرنا الفلسطينية؟ هل أصبحت هذه اللجنة أكثر جذرية في مواقفها بعد أن توصلت إلى قناعة بأنه لا بد من المواجهة بدلا من الطريق المهادنة الذي اتبعته حتى ألان؟ في الحقيقة قرار المتابعة هذا يثير البلبلة أكثر مما يشير إلى تصعيد الوسائل النضالية. وأنا بصفتي أحد المواطنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في لجنة المتابعة وبقراراتها لا من قريب ولا من بعيد وكنت دائما من أنصار الإضراب الشامل في المناسبات الوطنية الثلاث لجماهيرنا ( يوم النكبة، يوم الأرض، وانتفاضة الأقصى)، للوهلة الأولى تفاجأت خصوصا بعد أن شن علي بعض الأصدقاء هجوما كاسحا واتهموني بالمزايدة على لجنة المتابعة التي تتخذ القرارات الحكيمة والصائبة وتعرف متى تتبنى الإضراب الشامل ومتى تكتفي بالمسيرات والنشاطات الأخرى.
نظرة أخرى إلى مجريات الأمور ورؤية الصورة من كافة جوانبها مع نظرة خاطفة إلى العمق تشير إلى انه لا جديد تحت الشمس في موضوعنا. وأن الإضراب الشامل المعلن لم يأت بهدف تصعيد النضال لمواجهة الهجمة السلطوية الشرسة بقدر ما يصب نهاية المطاف في إفراغ هذا الشكل النضالي من محتواه الثوري التقدمي. أشكال النضال أمر ثانوي بالمقارنة مع مضامينها. قد يكون الشكل متطورا ولكن عندما يكون فارغا من المضمون فلا فائدة ترجى منه. لننظر ماذا لدينا هنا: الأول من أكتوبر سيكون يوم جمعة، أي أن المدارس العربية تكون مغلقة ولن يشعر أحد بالإضراب في سلك التعليم مع أهمية الطلاب في مثل هذه المناسبات. وتكون معظم المصالح العربية في هذا اليوم مغلقة أيضا. وإذا لم أكن مخطئا في السابق أيضا كان سهلا على لجنة المتابعة الإعلان عن الإضراب الشامل عندما تصادف عطلا رسميا. بالإضافة إلى ذلك، فقد اتخذ القرار قبل المناسبة بشهر تقريبا، هذا بحد ذاته أمر جيد وأفضل بكثير من اتخاذه في اللحظة الأخيرة. هذه الفترة ضرورية للإعداد والتحضير للإضراب تستغل لتعبئة وتحريك الجماهير من خلال المهرجانات والمحاضرات والأمسيات الملتزمة وحلقات النقاش والعديد من النشاطات التي تتوج عادة بالإضراب الشامل. منذ الإعلان عن الإضراب الشامل لم نسمع عن أي نشاط تحضيري تعبوي. وفي نهاية المطاف ستكون النتيجة كما في السنوات السابقة: زيارة أضرحة الشهداء في الصباح مسيرة رئيسية تنهي بالخطابات الروتينية، مسيرات محلية في بعض الأماكن، تظاهرات على مفارق الطرقات. وينتهي اليوم وتعود المياه إلى مجاريها.
يقول لينين: " لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية" هذه الفكرة البديهية في النضال هي ما ينقص لجنة المتابعة وقراراتها. عندما لا نملك نظرة إستراتيجية واعية للقضية الوطنية بكافة جوانبها فإن التخبط في الممارسة لا مناص منه. وفي الحقيقة أنا لا ألوم لجنة المتابعة لعدم امتلاكها مثل هذه النظرة. فجميع التنظيمات الوطنية الفلسطينية ومنها من له تاريخ حافل في النضال تتخبط في مستنقع الاضمحلال الثوري. لجنة المتابعة العليا لم تكن في يوم من الأيام تنظيما ثوريا ولم تدعي ذلك أصلا وهذا الأمر لصالحها. مصيبتنا الكبرى تكمن في تلك التنظيمات التي وعدتنا بأن تكون طليعة الثورة العربية حتى تحرير فلسطين وانتهت إلى الارتماء في أحضان إسرائيل وأمريكا. كنا في الماضي نرفض الانضمام إلى الأحزاب العربية لإسرائيلية مهما ادعت من وطنية وتقدمية ونشجع الانضمام إلى المنظمات الفلسطينية المقاومة التي تجسد وحدة الشعب الفلسطيني. أما اليوم فلا تختلف هذه التنظيمات من حيث الجوهر عن الأحزاب العربية الإسرائيلية.
لجنة المتابعة بكافة مركباتها الحزبية وغير الحزبية تحيي مناسبة "هبة القدس والأقصى" وسقوط 13 شهيدا. وهي لا تحيي انطلاقة انتفاضة الأقصى وسقوط آلاف الشهداء. وهي بذلك تلتقي وتنسجم مع رموز السلطة الذين يعتبرون هذه الانتفاضة كارثة على الشعب الفلسطيني ويرفضون أي مشاركة نضالية جذرية لفلسطينيي الداخل وكل ما يطلبونه منا هو أن نكون جسرا للتفاهم بينهم وبين سلطات الاحتلال. وقد قالها رئيس السلطة الفلسطينية بصراحة: لا تتدخلوا في شؤوننا ساعدونا فقط في المفاوضات مع إسرائيل.
وقد رضيت لجنة المتابعة بمعظم مركباتها بهذا الدور. ما نسميه "هبة أكتوبر" أو "هبة القدس والأقصى" هو جزء لا يتجزأ من الانتفاضة الثانية التي يعتبرها قسم كبير منا كارثة، والشهداء الثلاثة عشر هم جزء لا يتجزأ من قافلة شهداء الانتفاضة وفلسطين. لا يكفي الاعتراف بذلك كلاميا والتنكر له عمليا.
إننا نحيي الذكرى العاشرة للانتفاضة الثانية، انتفاضة القدس والأقصى بدون تلاعب بالكلمات. هذه الانتفاضة التي تكالب على إجهاضها الفلسطيني والعربي قبل الأمريكي والإسرائيلي. إعلان الإضراب هذه السنة وكل سنة يجب أن يكون جزءا من استمرارية الانتفاضة وليس ذرا للرماد في العيون. الجماهير الشعبية وحدها من يقرر ذلك.

No comments: