الشبح
يعود
علي
زبيدات – سخنين
الشبح
هو كارل ماركس الذي استهل البيان الشيوعي
الصادر عام ١٨٤٨ بجملته المشهورة التي
تأبى النسيان:" هناك
شبح يرعب اوروبا هو شبح الشيوعية"
والتي ظنت الرأسمالية
العالمية عبر ابواقها الفكرية والدعائية
انها قد دفنته نهائيا مع سقوط جدار برلين
وانهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر
الذي كان يدور في فلكه.
ولكن سرعان ما تبين
كم كانت مخطئة: إذ
أن شبح كارل ماركس (ومن
خلاله شبح الشيوعية) ليس
فقط لم يدفن بل هو يتجول في جميع ارجاء
العالم، ويرعب ليس أوروبا وحسب بل النظام
الرأسمالي العالمي أكثر.
ولعل من سخرية
الاقدار ومن المفارقة أن الذى احيا هذا
الشبح واعاد اكتشاف كارل ماركس هم
ايديولوجيو الرأسمالية انفسهم الذين
اعلنوا قبل ربع قرن نهاية التاريخ بانتصار
الرأسمالية النهائي. لقد
وجد هؤلاء المنظرين أن كارل ماركس اعظم
مفكر اكتشف، حلل وانتقد تناقضات الرأسمالية
النابعة من طبيعتها المتأصلة ومن ضمنها
الازمات المالية الدورية التي تعصف بها
ومن ضمنها الازمة المالية الراهنة.
ليس من باب الصدفة
أن تشهد أورربا قبل غيرها منذ عدة سنوات
ارتفاعا كبيرا في مبيعات كتب كارل ماركس
وخصوصا الاقتصادية والفلسفية منها.
لم
تكن الماركسية أو الشيوعية، أو حتى
الاشتراكية هي التي انهارت في القرن
الماضي في الاتحاد السوفييتي والدول
الحليفة التابعة لها، بل رأسمالية الدولة
هي التي انهارت، وفي أحسن الحالات التجربة
الاشتراكية على طريقة النموذج السوفييتي
هي التي فشلت وانهارت.
اليوم
كارل ماركس يعود كمفكر عظيم، مبدع بعد أن
تحرر من الوصاية الرجعية التي فرضت عليه
من قبل الانظمة الاستبدادية والاحزاب
التحريفية والمنظرين الانهازيين الذين
تكلموا باسمه ومارسوا الاستبداد والاستغلال
والتحريف باسمه. حتى
دعا أحد المفكرين للقول:
"لا تنصتوا
للماركسيين، اقرؤوا ماركس".
إن
أشد من أساء للماركسية هم "الماركسيون"،
تماما كما ان أشد من أساء للدين هم
"المتدينون"،
وأشد من أساء للقومية هم "القوميون".
وبالمناسبة العلاقة
بين الماركسية والدين والقومية التي تشغل
الحركات السياسية المحلية والاقليمية
والعالمية هي علاقة مركبة ومعقدة وهي
موضوع دراسي قائم بذاته يتجاوز حدود
المقالة الصحفية. ولكن
يجدر التنويه هنا ولا مجال للطمس وللف:
لقد عارض كارل
ماركس التفكير الديني ولكنه في الوقت
نفسه كان من أشد المدافعين عن حرية
المعتقدات. وعارض
القومية كأيديولوجية ضيقة ولكنه كان من
أشد المدافعين عن حرية الشعوب وحقها في
تقرير المصير. أصلا،
لا يمكن فهم فكر ماركس حول الاممية
والشيوعية بدون فهم طريقته المادية
الجدلية في التفكير. لم
يعلن كارل ماركس الحرب على الدين لانه
يعلم أن الدين جزء من البناء الفوقي النابع
عن البناء التحتي المادي.
ولم يعلن الحرب
على القومية لأن الاممية لا معنى لها ولا
يمكن أن تنتصر بدون التحرر القومي.
سبق
أن قلت بأن الغرب الرأسمالي هو الذي بدأ
باكتشاف كارل ماركس من جديد، وذلك ليس
محبة بالماركسية والشيوعية بل لأن فكر
كارل ماركس ما زال يحتفظ براهنيته لفهم
ازمات النظام الرأسمالي العالمي وخصوصا
الازمة المالية الراهنة التي ما زالت
تعصف به منذ عدة سنوات.
الآن، يعترف
الليبراليون الجدد قبل غيرهم بأن اسلوب
الانتاج الرأسمالي لا يؤدي الى التطور
والنمو والوفرة فحسب بل يؤدي ايضا الى
الازمات الاقتصادية والمظالم الاجتماعية
والسياسية بما فيها المجاعات، البطالة،
الامراض والحروب.
من
لا يريد اعادة اكتشاف كارل ماركس هم بالضبط
الذين يتكلون باسمه ويحتكرون افكاره بعد
مسخها لتلائم مصالحهم. في
كثر من الاحيان أقف حائرا:
ما العلاقة بين
هذا الحزب "الشيوعي"
والشيوعية؟، وما
العلاقة بين هذا المنظر "
الماركسي"
وماركس؟الحزب الذي
يتعامل مع كتابات ماركس كبرنامج سياسي
مرجعي ويعتبرها الكلمة الاخيرة في وصف
الرأسمالية العالمية المتغيرة هو أبعد
ما يكون عن روح الماركسية.
حتى ماركس نفسه
قال بعد كومونة باريس: أن
البيان الشيوعي قد شاخ في بعض نقاطه".
عندما تتحول
الماركسية من دليل للعمل تصبح عقيدة جامدة
وبالتالي تصبح عقيمة وتتحول الى ضدها.
واخيرا
اعود واكرر على مسمع من الكوادر الشابة
المنضوية في الاحزاب والحركات التي تسمي
نفسها احزابا شيوعية أو يسارية، وعلى
مسمع من الشباب المثقف، الواعي البعيدين
عن الاطر الجزبية ما قلته آنفا:
" لا تنصتوا
للماركسيين، اقرؤوا كارل ماركس".
No comments:
Post a Comment