متى
يبدأ زمن الحساب؟
علي
زبيدات – سخنين
سئل
فرعون ذات يوم: من
الذي فرعنك يا فرعون؟ فأجاب:
لم أجد هناك من
يحاسبني. ولو
وجهنا هذا السؤال اليوم الى دولة اسرائيل:
من الذي فرعنك؟
بأي حق تشنين الغارات على البلدان المجاورة
أينما ومتى تشائين؟ وتهجرين الآخرين
وتحتلين اوطانهم وتفرضين الحصار على من
تبقى منهم؟ لأجابت بكل بساطة:
ومن الذي يحاسبني؟
لقد
قبلنا منذ زمن طويل الواقع الذي فرضه
علينا ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي لا
ولن يحاسب هذه الدولة المارقة لأنه اصلا
شريك في خلقها وتربيتها وتحمل صفاته
الاستعمارية وبالتالي لا نتوقع منه أن
يحاسب نفسه أو يحاسب كيانا خرج من رحمه.
وقبلنا منذ زمن
طويل أيضا واقع الانظمة العربية بكافة
اشكالها الملكية والجمهورية والتي بين
بين، وبكافة تصنيفاتها القومية والوطنية
والاسلامية والاشتراكية والرجعية
والتقدمية التي هي الاخرى لا ولن تحاسب
هذه الدولة العربيدة. وذلك
اما من باب التواطؤ للحفاظ على نفسها واما
من باب الجبن والعجز. ولكن
المصيبة الكبرى عندما تتخلى الشعوب
العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني عن
دورها الطبيعي في محاسبة هذا الكيان الذي
صنع نكبتها ويقف حجر عثرة في طريق تحررها
واستقلالها ولحاقها بركب الحضارة.
قد
يقول البعض: هذه
نظرة تشاؤمية هدامة، إذ هل يعقل أن يتخلى
الشعب الفلسطيني الذي عانى ما عاناه
والشعوب العربية المستهدفة بشكل مباشر
عن محاسبة هذا الكيان الذي تسبب منذ قيامه
بالقسط الاوفر من المصائب التي حلت بنا؟
طبعا لا يعقل. ولكن
المأساة العظمى تقع عندما يصبح اللامعقول
معقولا، ويصبح المستحيل أمرا عاديا
روتينيا. قد
تكون هذه نظرة تشاؤمية في مظهرها ولكن
جوهرها مفعم بالتفاؤل والامل اذا ما
بادرنا كل من موقعه وحسب قدراته وكفاءاته
بمحاسبة هذا الكيان المصطنع بشكل جذري.
قد
تكون المحاسبة النهائية بعيدة بعض الشيء
ولكن في حياة الشعوب لا يوجد هناك بعد
مطلق. فالتاريخ
الذي يقاس بالساعات والايام في أوقات
الثورة قد يقاس بالسنوات والقرون في عصر
الركود. ولكن
مما لا شك فيه انه قبل المقدرة على محاسبة
العدو علينا ان نكون قادرين على محاسبة
انفسنا. نحن
كشعب فلسطيني، وانا هنا لا اقصد المؤسسات
من منظمة التحرير الفلسطينية مرورا
بالمجلس الوطني والتشريعي وحتى سلطة
أوسلو، ومن كافة الفصائل مرورا بالاحزاب
العربية وحتى جمعيات ما يسمى بالمجتمع
المدني، بل اقصد الجماهير الشعبية قد
فقدنا البوصلة، وبوصلتنا كانت وما زالت
ويجب أن تبقي فلسطين.
الشعوب العربية،
ولا اقصد الحكام والانظمة، هي الاخرى قد
فقدت البوصلة وبوصلتها هي الاخرى كانت
وما زالت ويجب ان تبقى فلسطين.
لأن فلسطين هي جزء
عضوي من جسدها ولا حياة لها من غير هذا
العضو.
كيف
يمكن أن نكون شعبا فلسطينيا واحدا وقد
تخلينا عن ٨٠٪ من فلسطين؟ وقبلنا بحالة
التمزق للشعب المهجر والوطن السليب؟ وكيف
يمكن أن نكون امة عربية واحدة ونحن نتعامل
مع انفسنا كطوائف وعشائر؟
نعم،
لقد خلقت دولة اسرائيل من أجل تجزئة واخضاع
الامة العربية، ولكن هل سألنا انفسنا
يوما لماذا وكيف نجحت في ذلك؟ ألم يكن
ضعفنا وتخلفنا وتقاعسنا وجبننا عاملا
حاسما في نجاح المشروع الصهيوني؟ طبعا
هذا لا يعني التغاضي عن دور الاستعمار
الغربي ولكن الى متى نحمل وعد بلفور
والانتداب البريطاني كامل المسؤولية
ونسقطها تماما عن أنفسنا؟ لماذا كلما
ازدادت اسرائيل شراسة قدمنا لها المزيد
من التنازلات بدل ان نقدم المزيد من
المقاومة؟ لماذا كلما ازداد الضغط
الامبريالي الغربي علينا كلما ا كتمل
انبطاحنا وتخاذلنا؟ لقد آن الاوان لتغيير
هذه المعادلة جذريا.
بغض
النظر عما يجري في سوريا، أو بالرغم من
كل ما يجري في سوريا، ينبغي عدم ترك
الاعتداء الاسرائيلي على هذا البلد العربي
من غير حساب. لا
يمكن الاكتفاء بالادانات اللفظية.
لم يعد يكفي توجيه
اللوم للنظام السوري الذي لا يجد المكان
والزمان المناسبين للرد على العدوان ولا
يجدي استنكار قيام اطياف من المعارضة
السورية العميلة والمريضة بالترحيب بهذا
العدوان. ساعة
الحساب سوف تبدأ عندما تنفض الشعوب العربية
غبار التخلف والخنوع المتراكم على كاهلها
منذ عهود وتنتفض كالمارد من اجل خلق عالم
جديد.
No comments:
Post a Comment