في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني
علي زبيدات – سخنين
دعيت في نهاية العام الماضي إلى أحد المؤتمرات في جنوب أفريقيا وكانت المناسبة احتفال إحدى الحركات بإنهاء نظام الابرتهايد في ذلك البلد. وقد دار الحديث والحوار والنقاش في شتى المواضيع وكان من ضمنها المقاومة والسجون. وكان حضور نيلسون مانديلا، ليس الجسدي، في هذا المؤتمر طاغيا ليس بصفته أول رئيس اسود لجنوب إفريقيا فحسب بل أيضا بصفته رمزا للسجين السياسي الذي قضى 28 عاما في غياهب السجون. بالرغم من كون جمهور المشاركين من متكلمين وحضور من المهتمين بالسياسة العالمية إضافة إلى السياسة الداخلية، إلا أنهم تفاجؤا عندما قلت لهم: يوجد بين يدي قائمة لعشرة اسري سياسيين فلسطينيين يقبعون في السجون الإسرائيلية أمضوا في السجن فترة أطول من تلك التي أمضاها نيلسون مانديلا. وأن عميد الأسرى الفلسطيني نائل البرغوثي قد أكمل عامه ال33 وراء القضبان.
يوجد لدى إسرائيل أسير واحد، وهو بالمناسبة ليس أسيرا سياسيا. لم يسجن بسبب آرائه أو نشاطاته السياسية بل تم خطفه من دبابته التي كانت تقصف مدن ومخيمات قطاع غزة. اسم هذا الأسير جلعاد شاليط. وأظن لو ذهبنا إلى ولاية ألاسكا وتكلمنا مع إحدى عائلات الاسكيمو في أحد بيوت الايجلو أو لو ذهبنا إلى غابات الأمازون وتكلمنا مع قبيلة من السكان الأصليين التي تم اكتشافها مؤخرا وسألناهم: من هو جلعاد شاليط لعرفوا جيدا عمن نتكلم.
أسرد هاتين القصتين لأبين مدى عجز وقصور الإعلام الفلسطيني والعربي في قضية الأسرى. ولا يشفع لنا أننا نحيي يوم الأسير الفلسطيني كل عام في مثل هذه الفترة بالخطابات الرنانة والبيانات التي لا تحصى ولكن تكاد لا تقرأ. هذا بالرغم من وجود وزارتين للأسرى واحدة في رام الله وأخرى في غزة بالإضافة إلى عشرات اللجان والجمعيات التي من المفروض أن تكرس جل نشاطها واهتمامها لقضايا الأسرى على كافة الأصعدة.
السؤال الذي أريد أن أوجهه في هذه المناسبة لوزارتي الأسرى هو: هل يوم الأسير الفلسطيني في 17 نيسان هو للأسير الفلسطيني في السجون الإسرائيلية فقط أم أيضا يشمل الأسير الفلسطيني في سجون السلطة المشطورة؟ وسؤال آخر لو سمحتم: كيف يمكن أن نثق وكيف يمكن أن نصدق أن تقوم وزارة بالدفاع عن حقوق الأسرى بينما يصف رئيس السلطة عمليات هؤلاء الأسرى بالعمليات بالحقيرة؟
منذ سنوات ونحن نسمع عن ضرورة تدويل قضية الأسرى والتوجه إلى محكمة العدل الدولية لاتخاذ قرار بخصوص مكانة الأسير الفلسطيني والاعتراف به كأسير حرب أو سجين سياسي وليس كإرهابي مجرم ولكي يعامل حسب ما ينص عليه القانون الدولي ومعاهدة جينيف الثالثة والرابعة، والتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة والى كافة منظمات حقوق الإنسان. ولكن إذا كنا لا نستطيع تذويت قضية الأسرى محليا فكيف نستطيع تدويلها؟ وهل وزارة في سلطة تقف ضد كل ما يجسده الأسرى من مقاومة ونضال مخولة أصلا سياسيا وأخلاقيا بتمثيل الأسرى وتنبني قضيتهم؟
هل المؤتمرات التي نسمع عنها بين الفينة والأخرى في الجزائر والمغرب أو أي مكان آخر حيث يتهافت عليها السياسيون من قياديي فصائل وأعضاء كنيست مصطحبين بعض الأسرى المحررين هدفها حقا الدفاع عن حقوق الأسرى؟ ولماذا كلما ذكرت هذه الجهات قضية الأسرى في المحافل الدولية والرسمية تركز على الناحية "الإنسانية" و"القانونية" و" الأخلاقية" ولكنها تشطب من قاموسها الناحية السياسية التي هي لب القضية؟
هناك صناعة رائجة في فلسطين هي صناعة الأسرى.
طبعا، لا يمكن بأي حال من الأحوال التعميم. هناك أشخاص وبعض اللجان التي تعمل بكل صدق وإخلاص وتفان لخدمة قضية الأسرى كل حسب إمكانياته وقدراته. قد تخطئ في بعض التصرفات وقد تكون عرضة لتأثيرات سلبية صادرة عن الأحزاب والحركات السياسية والمؤسسات الرسمية. هؤلاء الأشخاص وهذه اللجان لا يمكن وضعها في سلة واحدة مع الوزارات والمؤسسات الرسمية. الرجل الذي يشكل نموذجا فريدا من نوعه في هذا المجال هو المرحوم أحمد حبيب الله – أبو هشام الذي رحل عنا منذ فترة طويلة ولكننا اليوم نفتقده أكثر من أي يوم مضى.
الشرذمة السياسية التي يعاني منها مجتمعنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 تلقي بظلالها الثقيلة على لجان الأسرى. زيادة عدد هذه اللجان لا يعني بالضرورة الارتقاء بالعمل دفاعا عن الأسرى. ها نحن نقف أياما معدودات قبيل يوم الأسير الفلسطيني وقد حرثت الشبكة العنكبوتية طولا وعرضا بحثا عن النشاطات التي تحضرها لنا هذه اللجان لإحياء هذه المناسبة ولم أجد شيئا يذكر. قد نسمع عن بعضها في الصحف بعد حدوثها. وقد نسمع عن بعضها الآخر قبيل حدوثها إذا كنا مقربين من إحدى هذه اللجان. أسمع في اللحظة الأخيرة إن إحدى هذه اللجان تنظم تظاهرة رفع شعارات على أحد المفارق، وأخرى تنظم اعتصاما أمام أحد السجون. وعندما أشارك في إحدى هذه النشاطات أرى الوجوه نفسها. هناك انقطاع شبه كامل مع الجماهير. يكاد التنسيق فيما بين هذه اللجان أن يكون معدوما. أصابها ما أصاب الأحزاب السياسية: كل ينظم نشاطه الخاص الذي يحضره الأعضاء والمقربون فقط. مع أننا جميعا نقسم بأغلظ الإيمان أن قضية الأسرى هي قضية وطنية تتخطى جميع الأطر والحواجز.
"الحرية لأسرى الحرية" يجب أن يصبح خطة عمل وليس مجرد شعار يرفع في المناسبات.
علي زبيدات – سخنين
دعيت في نهاية العام الماضي إلى أحد المؤتمرات في جنوب أفريقيا وكانت المناسبة احتفال إحدى الحركات بإنهاء نظام الابرتهايد في ذلك البلد. وقد دار الحديث والحوار والنقاش في شتى المواضيع وكان من ضمنها المقاومة والسجون. وكان حضور نيلسون مانديلا، ليس الجسدي، في هذا المؤتمر طاغيا ليس بصفته أول رئيس اسود لجنوب إفريقيا فحسب بل أيضا بصفته رمزا للسجين السياسي الذي قضى 28 عاما في غياهب السجون. بالرغم من كون جمهور المشاركين من متكلمين وحضور من المهتمين بالسياسة العالمية إضافة إلى السياسة الداخلية، إلا أنهم تفاجؤا عندما قلت لهم: يوجد بين يدي قائمة لعشرة اسري سياسيين فلسطينيين يقبعون في السجون الإسرائيلية أمضوا في السجن فترة أطول من تلك التي أمضاها نيلسون مانديلا. وأن عميد الأسرى الفلسطيني نائل البرغوثي قد أكمل عامه ال33 وراء القضبان.
يوجد لدى إسرائيل أسير واحد، وهو بالمناسبة ليس أسيرا سياسيا. لم يسجن بسبب آرائه أو نشاطاته السياسية بل تم خطفه من دبابته التي كانت تقصف مدن ومخيمات قطاع غزة. اسم هذا الأسير جلعاد شاليط. وأظن لو ذهبنا إلى ولاية ألاسكا وتكلمنا مع إحدى عائلات الاسكيمو في أحد بيوت الايجلو أو لو ذهبنا إلى غابات الأمازون وتكلمنا مع قبيلة من السكان الأصليين التي تم اكتشافها مؤخرا وسألناهم: من هو جلعاد شاليط لعرفوا جيدا عمن نتكلم.
أسرد هاتين القصتين لأبين مدى عجز وقصور الإعلام الفلسطيني والعربي في قضية الأسرى. ولا يشفع لنا أننا نحيي يوم الأسير الفلسطيني كل عام في مثل هذه الفترة بالخطابات الرنانة والبيانات التي لا تحصى ولكن تكاد لا تقرأ. هذا بالرغم من وجود وزارتين للأسرى واحدة في رام الله وأخرى في غزة بالإضافة إلى عشرات اللجان والجمعيات التي من المفروض أن تكرس جل نشاطها واهتمامها لقضايا الأسرى على كافة الأصعدة.
السؤال الذي أريد أن أوجهه في هذه المناسبة لوزارتي الأسرى هو: هل يوم الأسير الفلسطيني في 17 نيسان هو للأسير الفلسطيني في السجون الإسرائيلية فقط أم أيضا يشمل الأسير الفلسطيني في سجون السلطة المشطورة؟ وسؤال آخر لو سمحتم: كيف يمكن أن نثق وكيف يمكن أن نصدق أن تقوم وزارة بالدفاع عن حقوق الأسرى بينما يصف رئيس السلطة عمليات هؤلاء الأسرى بالعمليات بالحقيرة؟
منذ سنوات ونحن نسمع عن ضرورة تدويل قضية الأسرى والتوجه إلى محكمة العدل الدولية لاتخاذ قرار بخصوص مكانة الأسير الفلسطيني والاعتراف به كأسير حرب أو سجين سياسي وليس كإرهابي مجرم ولكي يعامل حسب ما ينص عليه القانون الدولي ومعاهدة جينيف الثالثة والرابعة، والتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة والى كافة منظمات حقوق الإنسان. ولكن إذا كنا لا نستطيع تذويت قضية الأسرى محليا فكيف نستطيع تدويلها؟ وهل وزارة في سلطة تقف ضد كل ما يجسده الأسرى من مقاومة ونضال مخولة أصلا سياسيا وأخلاقيا بتمثيل الأسرى وتنبني قضيتهم؟
هل المؤتمرات التي نسمع عنها بين الفينة والأخرى في الجزائر والمغرب أو أي مكان آخر حيث يتهافت عليها السياسيون من قياديي فصائل وأعضاء كنيست مصطحبين بعض الأسرى المحررين هدفها حقا الدفاع عن حقوق الأسرى؟ ولماذا كلما ذكرت هذه الجهات قضية الأسرى في المحافل الدولية والرسمية تركز على الناحية "الإنسانية" و"القانونية" و" الأخلاقية" ولكنها تشطب من قاموسها الناحية السياسية التي هي لب القضية؟
هناك صناعة رائجة في فلسطين هي صناعة الأسرى.
طبعا، لا يمكن بأي حال من الأحوال التعميم. هناك أشخاص وبعض اللجان التي تعمل بكل صدق وإخلاص وتفان لخدمة قضية الأسرى كل حسب إمكانياته وقدراته. قد تخطئ في بعض التصرفات وقد تكون عرضة لتأثيرات سلبية صادرة عن الأحزاب والحركات السياسية والمؤسسات الرسمية. هؤلاء الأشخاص وهذه اللجان لا يمكن وضعها في سلة واحدة مع الوزارات والمؤسسات الرسمية. الرجل الذي يشكل نموذجا فريدا من نوعه في هذا المجال هو المرحوم أحمد حبيب الله – أبو هشام الذي رحل عنا منذ فترة طويلة ولكننا اليوم نفتقده أكثر من أي يوم مضى.
الشرذمة السياسية التي يعاني منها مجتمعنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 تلقي بظلالها الثقيلة على لجان الأسرى. زيادة عدد هذه اللجان لا يعني بالضرورة الارتقاء بالعمل دفاعا عن الأسرى. ها نحن نقف أياما معدودات قبيل يوم الأسير الفلسطيني وقد حرثت الشبكة العنكبوتية طولا وعرضا بحثا عن النشاطات التي تحضرها لنا هذه اللجان لإحياء هذه المناسبة ولم أجد شيئا يذكر. قد نسمع عن بعضها في الصحف بعد حدوثها. وقد نسمع عن بعضها الآخر قبيل حدوثها إذا كنا مقربين من إحدى هذه اللجان. أسمع في اللحظة الأخيرة إن إحدى هذه اللجان تنظم تظاهرة رفع شعارات على أحد المفارق، وأخرى تنظم اعتصاما أمام أحد السجون. وعندما أشارك في إحدى هذه النشاطات أرى الوجوه نفسها. هناك انقطاع شبه كامل مع الجماهير. يكاد التنسيق فيما بين هذه اللجان أن يكون معدوما. أصابها ما أصاب الأحزاب السياسية: كل ينظم نشاطه الخاص الذي يحضره الأعضاء والمقربون فقط. مع أننا جميعا نقسم بأغلظ الإيمان أن قضية الأسرى هي قضية وطنية تتخطى جميع الأطر والحواجز.
"الحرية لأسرى الحرية" يجب أن يصبح خطة عمل وليس مجرد شعار يرفع في المناسبات.
No comments:
Post a Comment