عودة الى مجزرة دير ياسين علي زبيدات – سخنين في خضم المجازر التي يتعرض لها المواطن العربي في أماكن متعددة من العالم العربي المترامي الأطراف من المحيط إلى الخليج، كدنا أن ننسى المجازر التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني على يد السلطات الإسرائيلية منذ قيام دولة إسرائيل وحتى يومنا هذا. حتى بتنا نظن أن الهدف من المجازر العربية هو أن تنسينا مجازر إسرائيل وتقول لنا: احمدوا ربكم ألف مرة في اليوم لأنكم ترزحون تحت الاحتلال الإسرائيلي الإنساني المتنور وتتعرضون ل"مجازر" علي يد الجيش الإسرائيلي الأكثر تمسكا بالقيم الأخلاقية في العالم وليس من نظام ثوري أو قومي أو وطني كما هو الوضع في ليبيا واليمن وسوريا وغيرها. لقد آن الأوان كي نعيد الأمور إلى نصابها. في مثل هذه الأيام من عام 1948 وبالتحديد في 9 نيسان/ أبريل دخلت العصابات الصهيونية إلى قرية دير ياسين غربي القدس وقتلت بدم بارد أكثر من 250 مواطن أعزل معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال. لم تخف العصابات الصهيونية هدفها من وراء هذه الجريمة البشعة وهو إرهاب المواطنين الآمنين العزل ودفعهم للرحيل ومن ثم الاستيلاء على بيوتهم وأراضيهم. لم تكن مجزرة دير ياسين المجزرة الوحيدة في عام 1948 بل رافقتها عشرات المجازر امتدت من شمال فلسطين إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها. ولكن تبقى مجزرة دير ياسين الأكثر شهرة وأهمية والتي حفرت في الذاكرة الفلسطينية الجماعية وفي ذاكرة كل فلسطيني حتى أصبحت رمزا للنكبة الفلسطينية التي وقعت فعلا في أعقاب هذه المجزرة وغيرها من المجازر حيث تم هدم أكثر من 500 قرية وترحيل ما يقارب نصف الشعب الفلسطيني. من ظن أن المجازر الإسرائيلية قد توقفت بعد قيام "الدولة الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط سرعان ما تبين أنه مخطئ: فالمجازر توالت واستمرت بأشكال مختلفة وتسميات أخرى. يكفي هنا أن نذكر بعضها: من كفر قاسم مرورا بصبرا وشاتيلا وقانا إلى جنين ونابلس والخليل وحتى غزة التي ما زالت تتعرض إلى أطول مجزرة عرفها التاريخ المعاصر. المجازر التي تنفذها بعض الأنظمة العربية في حق شعوبها مهما بلغت من بشاعة لن تستطيع محو المجازر الإسرائيلية من الذاكرة الفلسطينية والعربية بل على العكس من ذلك فإنها وبشكل عكسي تنميها وتقويها. إذ لا تخفي هذه الأنظمة أنها تعلمت البطش والتنكيل والأرض المحروقة والدمار العظيم من العصابات الصهيونية، وان المجازر التي اقترفتها إسرائيل قد أصبحت نموذجا يحتذى. ولم تبخل إسرائيل في تزويد هذه الأنظمة بالمعلومات والإرشاد والخبرات وفي كثير من الأحيان بالسلاح أيضا. "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" ترتبط عضويا بالأنظمة اللاديمقراطية المحيطة بها. للوهلة الأولى يظن بعض الساذجين أن كلا الطرفين: دولة إسرائيل من جهة والأنظمة العربية من جهة أخرى يقفان على طرفي نقيض ويشكلان لعقود طويلة ما يسمى في السياسة الدولية: طرفي الصراع العربي الإسرائيلي. ولكن خلف هذا الصراع الوهمي تكمن حالة من الانسجام والتناغم والتعاون وفي كثير من الأحيان تقسيم الأدوار. فإذا بادرت إسرائيل باقتراف جريمة أو مجزرة جديدة نرى الأنظمة العربية تغض الطرف وتتقاعس عن الرد وتكتفي بإدانة شفوية خجولة حتى يمر الغضب الشعبي وتعود المياه إلى مجاريها. وإذا بادر أحد الأنظمة العربية بإقتراف مجزرة ضد شعبه تقوم إسرائيل برد الجميل بطريقة أو بأخرى. وهكذا تستمر المسرحية حسب قوانين اللعبة التي وضعها واتفق عليها الطرفان. ولكن، وبالرغم من كل شيء، يوجد هناك فرق جوهري بين المجازر التي تقترفها دولة إسرائيل وبين المجازر التي ترتكبها الأنظمة العربية. وهذا الفرق هو أن الشعوب العربية بدأت تحاكم وتعاقب أنظمتها ووضعت نصب أعينها إسقاط هذه الأنظمة وقد استطاعت بالفعل أن تحقق ذلك في تونس وفي مصر ولن تكون باقي الأنظمة بعد اليوم في مأمن عن هذا المصير. أما دولة إسرائيل فمع الأسف الشديد لا يوجد هناك حتى الآن من يحاسبها أو يعاقبها، بل العكس هو الصحيح فكلما تمادت في جرائمها كلما حازت على مزيد من الدعم والتأييد. فبعد مجزرة دير ياسين حصلت على شرعيتها الدولية، وبعد مجزرة كفر قاسم لم تجد من يحاكمها فحاكمت نفسها وعاقبت المسئول عن المجزرة بدفع غرامة باهظة تبلغ قرشا واحدا ليس ثمنا للدماء الفلسطينية المسفوكة بل لخرقه بعض صلاحياته، أما من مجزرة صبرا وشاتيلا فقد سحبت نفسها مثل الشعرة من العجين. وها هي ما زالت مستمرة في حرب الإبادة ضد غزة أمام نظر وسمع العالم. لن ننسى مجزرة دير ياسين ولن ننسى باقي المجازر السابقة والراهنة ولن نغفر. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: متى سوف تزف ساعة الحساب والعقاب؟؟
No comments:
Post a Comment