Wednesday, March 30, 2011

سوريا أكبر من حزب البعث وأكبر من حركة الإخوان المسلمين

سوريا أكبر من حزب البعث وأكبر من حركة الإخوان المسلمين علي زبيدات – سخنين وصل قطار الثورة مؤخرا إلى سوريا. هذا القطار الذي إذا ركبته الشعوب يختزل مسافات التغيير الاجتماعي والسياسي في فترة قصيرة نسبيا من الزمن. عندما يبطئ التغيير التدريجي، الذي يسمى في القاموس السياسي بالإصلاحات، أو يدخل في مرحلة من الركود أو التقهقر، عندما لا تستطيع الطبقة الحاكمة أن تواصل حكمها بالطرق والأساليب التي اتبعتها وعندما لا تستطيع الطبقات المحكومة أن تحمل هذه الطرق والأساليب أكثر تهب أعاصير الثورة الهوجاء التي يعرف الجميع متى تهب ولكن لا يعرف أحد متى وكيف تركد. نقف أمام نموذجين من الثورة العربية: النموذج التونسي – المصري، حيث نجحت الجماهير الشعبية الغفيرة التي خرجت إلى الشارع في لجم شراسة الأنظمة البائدة واستطاعت بأقل ما يمكن من الخسائر والتضحيات إسقاط هذه الأنظمة. هناك طبعا أسباب تاريخية لظهور هذا النموذج في هذين البلدين بالذات لعبت دورا حاسما في نجاح الثورة ولكن ليس هنا المجال لتحليلها ودراستها. وهناك النموذج الليبي – اليمني: حيث لم تستطع الجماهير الشعبية شل حركة النظام وإحباط قدراته على قمع الجماهير. في ليبيا، على وجه التحديد، أخذ هذا النموذج طابعا عنيفا أعتبره مأساويا، فقد استطاع النظام إيقاع الجماهير المنتفضة في فخ التخلي عن التحرك الشعبي لصالح الرد العسكري المشكوك فيه خصوصا وأن من قاد هذا الرد هم شخصيات نمت وترعرعت في أحضان نظام القذافي وانشقت عنه لأسباب خاصة ولمصالح فئوية ضيقة. هذا الأمر فتح الباب على مصراعيه للتدخل الأجنبي المباشر بمباركة الرجعية العربية والقيادة الدخيلة على الجماهير الليبية. اليوم ما يجري في ليبيا لا يمت بأية صلة بالثورة لا من قريب ولا من بعيد. ما يحدث ليس بأكثر من صراع شرس على السلطة والثورة من كافة الأطراف المتورطة. لا يمكن أن نتحدث عن ثورة حقيقية في ظل التدخل العسكري الغاشم للحلف الأطلسي. وجميعنا يعرف لماذا تأسس هذا الحلف وما هي مهماته وما هو تاريخه. كما إننا لا نستطيع التحدث عن ثورة حقيقية في ظل غياب أي خطاب سياسي تحرري. قد يتغير النظام في ليبيا في نهاية الأمر نتيجة هذا الصراع ويأتي نظام آخر. ولكنه لن يكون مختلفا في طبيعته عن النظام المدحور من حيث قبوله بالهيمنة الامبريالية وحفاظه على التركيبة العشائرية للمجتمع بكل ما تحمله من فساد وامتيازات. في سوريا، يبدو أننا أمام نسخة جديدة من النموذج الليبي – اليمني. حوالي نصف قرن من سيطرة حزب البعث أوصلت البلاد إلى شفا هاوية رهيبة. هذا الحزب الذي نقش على رايته الشعارات الثلاثة: وحدة، حرية، اشتراكية وجد نفسه بعد نصف قرن من الحكم يطبق العكس تماما. فالوحدة: أصبحت انشقاقا وشرذمة فعندما استولى الحزب على السلطة في سوريا والعراق انشق الحزب على نفسه وأصبح كلا الشقين من ألد الأعداء. حتى داخل الحزب الواحد لم تكن هناك وحدة بل صراع دائم غالبا ما كان صراعا داميا. الحرية: ماذا تعني الحرية في ظل قوانين الطوارئ التي فرضت منذ اليوم الأول وحتى اليوم الأخير، إذا لم تكن تعني حرية أجهزة الأمن والمخابرات في كتم وكبت كل صوت معارض مهما كان خافتا؟ حتى الأحزاب التي شكلت الجبهة الوطنية التقدمية تحت كنف حزب البعث تتوق إلى حرية التنظيم والاجتماع في ابسط صوره. الاشتراكية: هي أيضا كان لها مفهوم فريد من نوعه، وهذا المفهوم أبعد ما يكون عن تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق الاقتصادية بين مجموعات الشعب في مدن والأرياف ومن الطوائف والقوميات المختلفة. الاشتراكية كانت تعني الفساد والمزيد من الفساد، وإفقار الجماهير الشعبية إلى حد المجاعة. حاول نظام البعث جاهدا أن يخفي هذا الواقع المرير وراء قناع معاداة أمريكا وحشد كافة طاقات البلد للمواجهة القومية المصيرية من أجل تحرير الجولان من نير الاحتلال الإسرائيلي. ونصب نفسه قائدا لما سماه محور الممانعة. هذا القناع بدأ يهترئ ويتساقط رويدا رويدا. من لا يعرف مواقف النظام السوري المتقلبة والانتهازية في لبنان؟ وشارك في الحرب التي شنتها أمريكا وحلف الناتو على العراق. أما الموقف من إسرائيل فهي عجيب غريب. ليس سرا أن الجبهة السورية أكثر هدوءا وأمنا لإسرائيل من كافة الجبهات. قد أتفهم أن النظام لا يستطيع تحرير الجولان عسكريا في الظروف الراهنة لذلك هو بحاجة لفترة طويلة من الاستعدادات، ولكن كيف يتفق ذلك مع التصريح بأن خيار السلام مع إسرائيل هو خيار استراتيجي؟ يحاول النظام السوري على الأقل منذ مؤتمر مدريد وحتى اليوم التفاوض مع إسرائيل للوصول إلى تسوية إما مباشرة وإما بمساعدة وسطاء. غير أن التعنت الإسرائيلي ورفضها التنازل عن الجولان هو ما أبقى على هذا القناع لفترة طويلة من الزمن. إذن، عن أية مقاومة وممانعة يتحدثون؟ تذكرني السياسة السورية ببيت أبو الطيب المتنبي: جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان فلا كانوا ولا الجود. مع إبدال كلمة جود بكلمة مقاومة. ولكن، وهنا يوجد لكن كبيرة، وكبيرة جدا. قسم لا يستهان به من المعارضة السورية أسوأ بما لا يقاس من النظام الراهن خصوصا تلك الشخصيات المتواجدة في الدول الغربية وتترعرع في أحضان مخابراتها. يكفي أن نذكر هنا شخصيتين من هذا النوع: عبد الحليم خدام وعم الرئيس: رفعت الأسد. هذه الشخصيات تقف بالمرصاد وتتحين الفرص كالضباع المسعورة لكي تعود إلى دمشق على دبابات حلف الناتو. يوجد هناك أحزاب معارضة أخرى عديدة قد لا تخدم أجندة أجنبية بشكل مباشر ولكنها ليست بأفضل من حزب البعث. قسم منها انشق عن هذا الحزب أو كان متحالفا معه لفترة طويلة. مثل هذه الأحزاب ليست جديرة بالثقة. ينبغي على الثورة، وتحت كافة الظروف، أن تتشبث بالطابع والعمق الجماهيري فهما صمام الأمان لكل ثورة. وأن تتبنى بشكل واضح وصريح لا يقبل التأويل برنامجا مناهضا للهيمنة الامبريالية والصهيونية من جهة، وبرنامجا وطنيا تقدميا على الصعيد السياسي من جهة أخرى. سوريا هي قلب الأمة العربية النابض وانتصار الثورة فيها قد يمحو من الخارطة مرة واحدة والى الأبد اتفاقية سايكس – بيكو التي مزقت الوطن العربي. انتصار الثورة في سوريا يعني انتصارها في الأردن وفلسطين ولبنان، يعني وحدة بلاد الشام كخطوة أولى على طريق توحيد العالم العربي بأسره.

No comments: