فجر أوديسا والعشاق الفاسقون
علي زبيدات – سخنين
يوجد في البيت الأبيض الأمريكي على ما يبدو شخص أو أشخاص مختصين بالبحث عن أسماء براقة وجذابة يطلقونها على العمليات العسكرية التي تشنها القوات الأمريكية على بعد آلاف الأميال من بلادها. فبعد أن أتحفونا قبل عقدين من الزمن باسم "عاصفة الصحراء" والتي كان هدفها الظاهر "تحرير الكويت" من الاحتلال العراقي بينما كان هدفها الباطن والحقيقي تدمير العراق الذي تم لاحقا وإحكام الهيمنة الغربية على النفط العربي. واليوم يتحفوننا باسم أكثر جاذبية وأكثر رومانسية بعد أن غاصوا في عمق التاريخ حتى وصلوا إلى القرن الثامن قبل الميلاد وعادوا باسم "فجر أوديسا" وأطلقوها على العملية التي تهدف إلى " تحرير ليبيا" هذه المرة من طغيان العقيد القذافي.
ملحمة أوديسة التي تروي مغامرات أحد أبطال الإغريق: أوديسيوس بعد نهاية حرب طروادة في طريق عودته إلى أرض وطنه وتعرضه للعديد من المخاطر والويلات بسبب غضب بعض الآلهة عليه، هذه الرحلة التي طالت لعشر سنوات، ولكن مع كل فجر جديدة وبفضل آلهة الفجر كان يخرج من التيه في البحار والجزر ويقترب من أرض الوطن. وربما هذا ما ألهم هذا المختص أو المختصين بالأسماء باختيار "فجر أوديسا" اسما لهذه العملية العسكرية، فهل سيجلب هذا العدوان الغربي غدا مشرقا عزيزا إلى ليبيا يا ترى؟
لكن ملحمة الأوديسة تروي أيضا قصة بنلوب زوجة أوديسيوس المخلصة التي قررت أن تنتظر عودة زوجها التي تأخرت فتكالب عليها العشاق الفاسقون من النبلاء من كل حدب وصوب، حاولوا إقناعها بأن زوجها المحبوب لن يعود بعد أن ابتلعته أمواج البحر العاصفة وطالبوها بأن تختار لها زوجا من بينهم. هؤلاء النبلاء العشاق الفاسقون والمزيفون ضربوا بعرض الحائط جميع القيم الأخلاقية والاجتماعية وكانت أطماعهم هي التي تسيرهم. لم يتورعوا من استعمال كافة الطرق للاستئثار بقلب بنلوب وإساءة معاملة ابنها تلماك ومن ثم الإساءة إلى أوديسيوس نفسه الذي وصل متخفيا حتى استطاع جمع هؤلاء النبلاء الفاسقين وقتلهم عن بكرة أبيهم بقوسه الذي لا يقدر على استعماله سواه.
تحالف الغرب الذي يدك ليبيا في هذه الأيام بحجة الدفاع عن الشعب الليبي ومساعدته للتخلص من الطاغية لا يمت بصلة إلى أوديسيوس الحكيم والشجاع الباحث عن العادلة ولكنه يشبه إلى حد التطابق تحالف العشاق الفاسقين للنيل من قلب بنلوب ومن ثم النيل من المملكة بأسرها. فكان من الأحرى أن يطلق على هذه العملية: غروب العشاق الفاسقين.
انه لمن سخرية الأقدار أن يتزعم الرئيس الفرنسي ساركوزي تحالفا يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وحوله عصابة من قطاع الطرق أتوا من أمريكا وكندا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها، يطلقون على أنفسهم "المجتمع الدولي" أو " الشرعية الدولية" ويستعملون حلف الناتو سوطا مسلطا على ظهور الدول الفقيرة. وانه لمن سخرية الأقدار أيضا وفي ظل التحرك العربي الثوري أن يأبى الأقزام العرب إلا أن يسقطوا ورقة التوت التي تغطي عوراتهم لكي يبرروا هذا التحالف النجس لشن هذا الهجوم العدواني السافر.
لا يوجد ثورة في ليبيا ولا يوجد ثوار. بل يوجد هناك قبائل أو بالأحرى زعماء قبائل متناحرين فيما بينهم على السلطة وعلى الثروة. معمر القذافي ليس سوى أحد هؤلاء الزعماء القبليين الذي استأثر بالسلطة والثروة لفترة أربعة عقود ويحاول أن يؤمن استمرار حكمه. معظم المعارضون الذين يسمون أنفسهم مجازا ثوار قد تربوا وترعرعوا في أحضان القذافي ومنهم رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل وعبد الفتاح يونس وعمر الحريري ومحمود جبريل وغيرهم من أعضاء المجلس وخارج أعضاء المجلس. قسم آخر من المعارضين نشأ وترعرع في الدول الغربية وعلى غرار المعرضة العراقية في وقته يحلم هؤلاء بالعودة إلى ليبيا على ظهور الطائرات وربما الدبابات الغربية لاستلام السلطة. هل تشاهدون قوى شبابية قيادية في حركة 17 فبراير؟ أنا لا أشاهد. بالعكس أرى بعض الشباب يهتفون باسم القذافي. أية ثورة هذه التي ترمي بنفسها في أحضان أعتى القوى المعادية للثورة؟
سوف يسقط القذافي عاجلا أم آجلا لأنه يستحق السقوط ولكن من سيحل مكانه؟ العملاء الذين وصلوا إلى السلطة بواسطة السلاح الغربي؟ وهل سيكون هؤلاء أفضل من القذافي؟
كما يبدو، ليس فقط لا يوجد هناك ثورة ليبية بل لا يوجد هناك شعب ليبي أصلا. ما يوجد في ليبيا مجموعة من القبائل تتحالف تارة وتتصارع فيما بينها تارة أخرى حسب مصالحها القبلية الخاصة. هذه القبائل ما زالت بحاجة إلى ثورة لكي تصبح شعبا بالمعنى الحقيقي للكلمة.
يتهمون القذافي بتجنيد المرتزقة الأفارقة لقتل أبناء شعبه، وماذا يفعل المجلس الوطني الانتقالي؟ أليست الجيوش الغربية أسوأ أنواع المرتزقة؟ ألا تقتل هذه القوات المدنيين أيضا؟
طبعا لا يمكن أن نلقي التهمة كاملة على التحالف الغربي، ففي نهاية المطاف هذا التحالف يخدم مصالحه الإستراتيجية أولا وأخيرا. المتهم الأساسي في هذه القضية هي جامعة الدول العربية التي أثبت للمرة المليون منذ تأسيسها على يد البريطانيين وحتى اليوم أنها توحد زبالة العالم العربي. ويجب توسيع شعار الثورة العربية: الشعب يريد إسقاط النظام إلى: الشعب يريد إسقاط جامعة الدول العربية.
لا يعقل أن تقوم مثل هذه المنظمة البائسة بدعوة قوات أجنبية لغزو بلد عربي مهما كانت الأسباب والتبريرات. وفي الوقت نفسه لا تحرك سكانا أمام تحرك القوات السعودية والخليجية لقمع المعارضة في البحرين. ولا تعمل شيئا لوقف المأساة في اليمن ووضع حد لمهزلة علي عبد الله الصالح.
تصوروا أن شعب شبه الجزيرة العربية ثار على العائلة السعودية وبدأت هذه العائلة باستعمال آلتها العسكرية للبطش بالجماهير فهل تتخذ الجامعة العربية قرارا للجم هذه العائلة؟ وهل تتوجه إلى مجلس الأمن لإصدار قرار لحماية الشعب؟ وإذا تحركت الجيوش الغربية فهل تتحرك لحماية الجماهير أم لحماية العائلة المالكة؟
أقولها بصراحة بل بوقاحة، لقد خيبت الثورة التونسية والثورة المصرية آمالي وآمال الكثيرين على امتداد الوطن العربي . أين هذه الثورتان مما يجري في ليبيا وفي اليمن وفي البحرين وفي سوريا وفي الجزائر والمغرب؟ لماذا لا تعود مصر وتأخذ دورها القيادي في دعم الثورات العربية؟ قد يقول البعض يكفي هاتان الثورتان مشاكلهما الداخلية ومن غير المعقول مطالبتهما بالتورط في الثورات العربية الأخرى. أنا أقول عكس ذلك: سيكون حل المشاكل الداخلية أسهل كلما "تورطت" أكثر بالثورات الأخرى لأن انتصار هذه الثورات هو الضمان الوحيد لاستمرارية التحولات الثورية في مصر وتونس. التقوقع داخل الحدود الضيقة وصفة أكيدة لتراجع وتقهقر أية ثورة. أخشى أن يكون السبب هو أن هذه الثورات ما زالت ملوثة بعناصر كثيرة من النظام البائد. هذه العناصر إذا لم يبادر للتخلص منها وبشكل جذري قد تؤدي إلى إجهاض الثورتين نهائيا.
من العار أيضا أن يقوم "المفكر العربي" عزمي بشارة من على قناة الجزيرة بالتنظير لتبرير التدخل العسكري الغربي في ليبيا بشكل يرضي أصدقاءه أو مشغليه في قطر: اتهام القذافي بأنه هو السبب في تدخل الغرب عسكريا هو اتهام زائف. لماذا لم يدع هذا "المفكر العربي" إلى تدخل عسكري عربي في ليبيا؟ ولماذا يبلع لسانه ولا ينبس ببنت شفة عن التدخل السعودي – الإماراتي – القطري في البحرين؟
إننا نريدها ثورة عربية صافية وطاهرة من المحيط إلى الخليج، بدون تدخل أجنبي مهما كان شكله ومهما كانت تبريراته. إننا نريدها ثورة عربية صافية وطاهرة ضد جميع الأنظمة الرجعية الفاسدة. ونريدها أن تكون ثورة واحدة تلتحم الواحدة بالأخرى لكي تشكل سيمفونية رائعة على طريق الحرية والتقدم.
No comments:
Post a Comment