Wednesday, March 02, 2011

احذروا من "الثورة" الأمريكية

احذروا من "الثورة" الأمريكية

علي زبيدات – سخنين

في الماضي، وفي الحاضر والمستقبل أيضا، كنا وما زلنا نحذر من السلام الأمريكي (باكس أمريكانا). هذا السلام الذي تحاول الإدارة الأمريكية فرضه على شعبنا الفلسطيني وعلى الشعوب العربية الأخرى. يقوم هذا السلام على ثلاثة مبادئ أساسية لا تغيير فيها ولا زحزحة عنها وهي:
أولا: تأمين ضخ النفط إلى أمريكا والاتحاد الأوروبي ومن ثم إلى باقي الدول الصناعية بسلاسة وبأخفض الأسعار الممكنة.
ثانيا: الحفاظ على أمن وسلامة ورفاهية دولة إسرائيل ككيان كولونيا لي عنصري غاصب.
ثالثا: إبقاء شعوب ودول المنطقة تحت التبعية والهيمنة الأمريكية.
هذا كان جوهر اتفاقيات كامب ديفيد، اتفاقيات أوسلو، اتفاقيات وادي عربة وكل اتفاقية يمكن أن توقع مستقبلا بين أية دولة عربية وإسرائيل برعاية أمريكية. ومن يعترض على هذه المبادئ فمصيره ما حدث في العراق. أما من يتبنى هذه المبادئ ويعمل على تحقيقها فسوف ينعم بالرضا والاستقرار بغض النظر إذا كانت جمهوريا أم ملكيا، ديمقراطيا أم ديكتاتوريا، وطنيا أم عميلا، يحترم حقوق الإنسان أم يدوس عليها.
اليوم أريد أن أحذر من "الثورة" الأمريكية. وأنا أستعمل كلمة ثورة مجازا لأن الولايات المتحدة الأمريكية ( والدول الامبريالية الأخرى) لا تصدر ثورات بل تصدر ثورات مضادة وحروب. وهذه الثورات المضادة والحروب هي في الواقع استمرار للسلام الأمريكي لكن بوسائل أخرى.
قامت الولايات المتحدة الأمريكية لفترة طويلة وحتى اليوم الأخير برعاية ودعم نظام زين العابدين بن علي البوليسي القمعي في تونس لأنه كان من أفضل من خدموا إستراتيجيتها في المنطقة. ولم تكن مصلحة الشعب التونسي وحقوقه الإنسانية واردة في قاموس السياسة الأمريكية. ولكنها عندما رأت أن ما شيدته خلال ربع قرن ينهار أمام أعينها وأمام أعين العالم في شهر، تذكرت أن النظام البائد كان يدوس على أبسط حقوق المواطن التونسي محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام البائد وذلك بنشر الأكاذيب حول دعمها للثورة التونسية حيث تبرأت من بن علي وكأنها لا تعرفه أصلا. إلا أن ا هذه الخدعة المكشوفة لم تنطل على أحد فالشعب التونسي يعرف جيدا من هم أصدقاؤه ومن هم أصدقاء النظام البائد.
اللعبة نفسها حاولت أمريكا أن تلعبها في مصر. فنظام حسني مبارك كان يشكل ركنا أساسيا في سياسة أمريكا في المنطقة. فقد سهر كثيرا على أمن وسلامة إسرائيل وكان من أشد الأنظمة تبعية لأمريكا في المنطقة حيث وقف إلى جانبها في غزو العراق وفي إقامة تحالفا رجعيا لمواجهة المقاومة الوطنية في العراق ولبنان وفلسطين. في هذه الأثناء لم تهتم أمريكا بسحق الحقوق الإنسانية الأساسية للمواطن المصري ولم تهتم بالفساد الذي دفع معظم الشعب إلى حافة المجاعة. ولكنها عندما رأت الأرض تهتز تحت أقدام حسني مبارك ونظامه، بدأت تتذكر حقوق الإنسان في مصر وبعد فترة من التذبذب وعدم الوضوح في الموقف أخذت تغير موقفها شكليا، وكانت على استعداد لأن تضحي بحسني مبارك وبعض من حوله من أجل إنقاذ النظام ككل. وهنا أيضا كان شباب مصر أوعى من أن يقعوا بالفخ الأمريكي، وما زالوا يطالبون بإسقاط النظام كلية وليس بعض رموزه فقط.
هذا السيناريو يعيد نفسه مرة أخرى. ولكن هذه المرة بمزيد من الحدة والشراسة في ليبيا. لقد صدق القذافي عندما قال: ليبيا ليست تونس وليست مصر وهو ليس زين العابدين ولا مبارك. بالرغم من أن القذافي، خصوصا في السنوات العشر الأخيرة من حكمه، خدم السياسة الأمريكية بحماسة منقطعة النظير تفوق ما قدمه النظامان التونسي والمصري، فإن النظام الليبي لم يحظ بثقة أمريكا وأوروبا. فقد قام القذافي بتسليم برامجه النووية وأسلحة الدمار الشامل إلى أمريكا ووشى بكل من ساعدوه في برامجه هذه. وقدم التعويضات السخية لكل من طالبه فيها. واتخذ أسوأ شخصيتين سياسيتين على المستوى العالمي كأعز أصدقائه ومستشاريه وهما برلسكوني وطوني بلير. وتم السكوت عليه ما دام يزودهم بالبضاعة. ولكنهم يبدو أنهم لم ينسوا ماضيه عندما كان يتكلم باسم القومية العربية ويقود جبهة مناهضة للامبريالية الغربية. وعندما وصل السيل الزبى وبدأ البركان الليبي يقذف حممه ويزعزع أركان النظام، تذكرت أمريكا والدول الغربية أن القذافي يقمع شعبه بوحشية ولا يحترم حقوق الإنسان. وحاولت أن تتعلم من دروس تونس ومصر فتتالت التصريحات التي تدين القذافي من الرئيس الأمريكي أوباما إلى وزيرة خارجيته كلينتون إلى باقي المسئولين في البيت الأبيض وتسارعت الاتصالات وعقد المؤتمرات واتخاذ القرارات في مجلس الأمن. حتى أصبح المراقب للوهلة الأولى يظن أن الثورة قد انطلقت من معقل الديمقراطية في البيت الأبيض. ويبدو أن القذافي نفسه قد تسرع في إلقاء التهمة على حبوب الهلوسة ومن ثم على تنظيم القاعدة، وفي لقائه الأخير مع بعض الصحفيين الغربيين اعترف بأن أصدقاءه الأمريكان والأوروبيين قد خانوه.
أمريكا هي أمريكا لم تتغير. هدفها في ليبيا كما في مصر كما في تونس كما في فلسطين والعراق ولبنان وباقي البلدان العربية واحد يتلخص في 3 كلمات: النفط، إسرائيل والتبعية. الشعب الليبي، في حسه الوطني الطبيعي يشعر ويعرف النوايا الأمريكية لذلك فهو يرفض التدخل الأمريكي مهما قدمت من أسباب وتبريرات ومهما كانت الطريق حتى تحقيق الانتصار شائكة وصعبة.
الثورة عربية قلبا وقالبا وعليها تبقى كذلك حتى تكنيس الأنظمة الرجعية إلى مزبلة التاريخ وتحرير البلدان العربية من الهيمنة الامبريالية.

No comments: