طرابلس قبل مدريد – من أجل إقامة ألوية عربية أممية
علي زبيدات – سخنين
في عام ١٩٣٦ اندلعت الحرب الاهلية الاسبانية في أعقاب انقلاب فاشي قامت به مجموعة من الجنرالات الفاشيين بقيادة الجنرال الفاشي فرانسيسكو فرانكو على الجمهورية الاسبانية الثانية بعد انتخاب حكومة يسارية. في ذلك الوقت كانت أوروبا مسرحا للصراع الدامي بين الفاشية التي انتصرت في المانيا وايطاليا وانتشرت كالوبأ في معظم الدول الاوروبية الاخرى وبين القوى الديمقراطية. هذا الصراع الذي بلغ ذروته في اندلاع الحرب العالمية الثانية. قامت المانيا هتلر وايطاليا موسوليني بتقديم الدعم الهائل المكون من الطائرات والاسلحة الثقيلة والقوات الخاصة لمساعدة قوات فرانكو. بينما وقفت بريطانيا وفرنسا المعدودتان على المعسكر "الديمقراطي" المناهض للفاشية وقفة المتفرج. وهكذا بدأ فرانكو يزحف نحو مدريد مخلفا وراءه أرضا محروقة وآلاف الضحايا. كان الاتحاد السوفياتي البلد الوحيد الذي قدم بعض الدعم للجمهورية المحاصرة، الا أن هذا الدعم لم يكن كافيا. فقامت الأممية الشيوعية (الكومنترن) باطلاق مبادرة تشكيل ألوية أممية لنصرة الجمهورية الاسبانية من الاحزاب الشيوعية والاشتراكية والفوضوية ومن التنظيمات والافراد المناهضين للفاشية. خلال فترة فصيرة بلغ أفراد هذه الاولية أكثر من خمسين ألف متطوع جاؤوا من خمسين دولة من شتى أرجاء العالم. شاركت هذه الألوية في الدفاع عن الجمهورية الاسبانية وعن عاصمتها مدريد. وقدمت أكثر من عشرة آلاف شهيد. ولكن النتيجة كانت للأسف، ولأسباب لسنا بصدد شرحها هنا، سقوط مدريد وسقوط الجمهورية وانتصار الفاشية التي حكمت البلاد حتى توفي فرانكو في عام ١٩٧٥.
إلا أن الألوية الاممية قدمت نموذجا ناريخيا على أن الدفاع عن الثورة يجب أن يكون عابرا للقارات وللقوميات وللإختلافات الايديولوجية. الثورة العربية التي انطلقت من تونس ومن ثم انتقلت الى مصر وحققت انتصارات باهرة وما زالت متفجرة في ليبيا واليمن والبحرين بحاجة الى ألوية عربية أممية لنصرنتها والدفاع عنها. الانظمة العربية بدون استثناء، بغض النظر اذا كانت تسمي تفسها ملكية أم جمهورية، ديمقراطية أم استبدادية، يجب أن تسقط. ويجب أن تسقط ثوريا. وهذا يعني في واقعنا الراهن أمرين أساسيين: أن تكون الثورة معادية للهيمنة الامبريالية والصهيونية، وأن تطرح برنامجا سياسيا واجتماعيا تقدميا. والا أصبح الصراع مجرد صراع على السلطة ولا يستحق أن يسمى ثورة.
اليوم تواجه الثورة العربية تحديات عديدة. فمن جهة، تقترف الانظمة البائدة الجرائم الشنيعة في حق الشعوب في محاولاتها لإنقاذ نفسها، وخير مثال على ذلك ما يقوم به نظام القذافي من حرب إبادة. ومن جهة آخرى تتكالب القوى الرجعية العربية لمد يد المساعدة للانظمة الرجعية على شاكلتها الآيلة للسقوط وخير مثال على ذلك التدخل السعودي والخليجي السافر لقمع ثورة شعب العربي في البحرين. كما أن الامبريالية الغربية تتربص لإحتواء النضالات الثورية لتفريغها من محتواها التقدمي والمعادي للامبريالية ومن ثم بسط هيمنتها مما يؤمن لها الاستمرار في نهب خيرات الشعوب وعلى رأسها النفط العربي.
إقامة الالوية العربية الاممية تساعد الشعوب الثائرة على الصمود أمام هذه التحديات. لا يوجد اليوم كومنترن لكي يبادر في اقامة مثل هده الألوية. ومعظم الاحزاب اليسارية قد فسدت. لذلك فإن المسؤولية لاقامة مثل هذه الالوية يقع من حيث الاساس على عاتق الشعوب التي أسقطت أنظمتها، أي على عاتق الشعبين المصري والتونسي. على الثورة التونسية والمصرية وليس فقط من باب التضامن مع الشعوب الشقيقة بل أيضا من باب الدفاع عن نفسها من فلول الانظمة البائدة ومن مواجهة الهيمنة الامبريالية المتربصة أن تبادر الى فتح باب التطوع أمام الشباب العربي لتشكيل ألوية تأخذ دورها في الدفاع عن الثورة. يجب العمل الفوري وبدون أي تردد أو ابطاء لفتح مكاتب لتسجيل المتطوعين في القاهرة وفي تونس وتأمين وصولهم الى ساحات النضال.
الألوية العربية الاممية التي تناضل الى جانب الشعب الليبي هي الضمان الوحيد لإنقاذ طرابلس ليس فقط من نظام الفاسد الجاثم على صدور هذا الشعب منذ أكثو من أربعين عاما بل أيضا من كل تدخل أجنبي. إذا كان الشعب الليبي يريد إن يتحرر فعلا وليس مجرد أن يستبدل نظاما بنظام آخر عليه إن يرفض كل أشكال التدخل أجنبي مهما كانت تسميتها أو مبرراتها. بما في ذلك ما يسمى بالحظر الجوي وتدخل المجتمع الدولي والشرعية الدولية ومجلس الأمن وحلف الناتو.
في عام ١٩٣٦ شارك العديد من الشباب العرب التقدميين الى جانب اخوانهم من البلدان الاخرى في الدفاع عن مدريد وفي الوقت نقسه رافق فرانكو العديد من الجنود المغاربة الذين قاتلوا معه. على الشباب العرب أن يختار في أية جهة يقف. أليست طرابلس أحق من أن يدافع عنها الشباب العربي ويحررها؟
إننا نرى أمام أعيننا قيام جبهة رجعية تقودها الانظمة العربية الرجعية وعلى رأسها النظام السعودي مدعومة من قبل الامبريالية الامريكية واسرائيل لإجهاض الثورة العربية في كل بلد. الرد الوحيد على هذه الجبهة هو إقامة جبهة تقدمية تباشر في تشكيل ألوية تدافع عن وتشارك في الثورة العربية الواحدة من المحيط الى الخليج.
No comments:
Post a Comment