Wednesday, June 06, 2012

إعلام ورابطة الصحفيين


إعلام ورابطة الصحفيين
علي زبيدات – سخنين

ليس كل من بعث بخبر إلى جريدة أو إلى موقع إخباري أصبح مراسلا أو صحفيا. وليس كل من كتب مقالا أو خاطرة أو موضوع إنشاء أصبح كاتبا. وليس كل من تكلم في السياسة أصبح سياسيا. أبدأ بنفسي: لقد اقترفت هذه الأعمال المذكورة جميعها مرة وربما ومرات عديدة لا تحصى ولكني لا أستطيع ولا أقبل بأن أعرف نفسي كصحفي أو كاتب أو سياسي. ليس من باب التواضع بل من باب عدم قناعتي بل ونفوري من وضع نفسي في إطار تعريف مغلق ومحدد. لعل من أصعب الأسئلة التي تطرح علي سؤال: عرف نفسك، ما هي مهنتك؟ وعادة ما أتهرب من الجواب بالقول: أن سقراط قال اعرف نفسك وليس عرف نفسك.  ولكن، من ناحية أخرى يحق لكل شخص أن يعرف نفسه كما يشاء. هذا يعرف نفسه كمراسل وذاك يعرف نفسه كصحفي (وهي مرتبة أرقى من المراسل) وآخر يعرف نفسه كإعلامي ( وهي مرتبة أعلى من المراسل والصحفي). لا مشكلة لدي بتاتا كيف يعرف كل شخص نفسه، ولكن تصبح لدي مشكلة عندما يقوم هذا المراسل أو الصحفي أو الإعلامي بإطلاق الأحكام على الآخرين وتصنيفهم على هواه.
في الأسبوع الماضي، نظم مركز إعلام اجتماعا للصحفيين العاملين في منطقة الجليل. وكان مكان الاجتماع على بعد أمتار من البيت. اتصل بي احد الأصدقاء وقال لي: تعال يوجد اجتماع للصحفيين بالقرب منك. جئت بدون المزيد من الاستفسارات. وليتني لم أجئ. كان الاجتماع قد بدأ والنقاش قد اشتد حول ضرورة تأسيس رابطة تضم الصحفيين العرب. جلست ساكنا على غير عادتي. وبعد دقائق نادتني إحدى "الإعلاميات" من منظمات الاجتماع إلى جنب وسألتني: هل أنت صحفي؟ فقلت لا. هل استلمت دعوة لحضور الاجتماع؟ فأجبت بلا. إذن مع الأسف لا تستطيع حضور الاجتماع. ويبدو أن أحد الأصدقاء سمع أطراف الحديث فاقترب ليدافع عن حقي في الحضور وجرى نقاش ليس المجال هنا للخوض في تفاصيله.
لا أدري لماذا كلما سمعت كلمة رابطة تذكرت روابط القرى. هل ما زال أحد يذكر تلك الروابط التي أقامتها دولة إسرائيل في سنوات الثمانين لكي تشكل بديلا للقيادة الوطنية ولكي تنفذ سياسة الاحتلال بأيدي فلسطينية من خلال هذه الروابط؟ روابط القرى تلك فشلت في مهمتها وأصبحت في ذمة التاريخ ولكن بعد عقد من الزمن نجحت القيادة "الوطنية" في المهمة نفسها عن طريق اتفاقيات أوسلو وسلطة أوسلو. وأنا في الحقيقة لا أدري من أين جاءت كلمة "رابطة" وما هو مصدرها اللغوي: هل من ربط بمعنى قيد الشيء وشد وثاقه أم بمعنى الصلة والعلاقة التي تربط بين أشخاص مختلفين لكي يتعاونوا ويتضافروا؟ أنا أميل إلى المعنى الأول: الرابطة تعني الربط واللجم وكتم الأصوات وفرض القيود بحجة الدفاع عن الحقوق وبحجة التضامن والتعاضد، وهذا أخطر ما في الحكاية.
لا أنكر موقفي السلبي، أو بشكل ألطف، موقفي النقدي من مركز إعلام. وليس بسبب أن مديره الدكتور أمل جمال قد خدم في الجيش الإسرائيلي فقد تم تجاوز هذه الإشكالية منذ زمن طويل. بالنسبة لي لا أجد فرقا جوهريا بين من خدم في الجيش الإسرائيلي أو في سلك الشرطة الإسرائيلي أو في الكنيست الإسرائيلي. لاحظوا تكرار كلمة إسرائيلي. وبصراحة أكاد أصل إلى درجة الجنون من إصرار جميع مؤسساتنا "الوطنية" على عدم التخلي عن كلمة إسرائيل. أحكموا بأنفسكم: "لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل"، "اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في إسرائيل"، "مركز مساواة لحقوق العرب في إسرائيل"، "عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقلية القومية العربية في إسرائيل"، "إعلام- مركز إعلامي للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل". ولو، العمى!!
أنا لا أؤمن بأن مهمة الإعلام الفلسطيني "بناء علاقات بناءة مع الإعلام الإسرائيلي" أو مطالبته "بعدم الانحياز وتوخي العدل والمساواة في تغطيته للمجتمع الفلسطيني". القضية الفلسطينية بكل جوانبها هي قضية عادلة حسب جميع المعايير والقيم الإنسانية، ومهمة الإعلام الفلسطيني هي رفع راية هذه القضية عاليا. ولا أخجل أن نتعلم من الإعلام الإسرائيلي الذي يتجند عن بكرة أبيه لخدمة المشروع الصهيوني، فلماذا هذا التلعثم وهذه التأتأة في حشد الإعلام الفلسطيني لخدمة القضية الفلسطينية؟ هل السبب إرضاء صندوق فورد وصندوق أبراهام والاتحاد الأوروبي وغيرها من الصناديق الداعمة؟
وأخيرا همسة في أذن أنصار"الرابطات" على أشكالها: حرية الرأي لا تعني حقي أنا في أن أعبر عن رأيي بحرية بل تعني أولا وقبل كل شيء حقك أنت في أن تعبر عن رأيك بحرية، ليس كشعار على صعيد النظرية فحسب بل وفي الأساس في الممارسة العملية. لنتدرب على التعايش رغم الاختلاف في الرأي.

No comments: