Wednesday, June 20, 2012

نحن نعرف متى ونعرف كيف


نحن نعرف متى ونعرف كيف
علي زبيدات – سخنين

مع كل الاحترام للمؤرخ الإسرائيلي  التقدمي شلومو زاند على كتابيه القيمين الأول: "متى وكيف أخترع الشعب اليهودي" والثاني: متى وكيف "اخترعت أرض إسرائيل"، نحن أبناء الشعب الفلسطيني من خلال تجربتنا التاريخية ومن خلال تجاربنا اليومية وليس بالضرورة من خلال البحث والدراسة، نعرف بالضبط  متى أخترع الشعب اليهودي وقلنا أن الحركة الصهيونية هي التي اخترعته في نهاية القرن التاسع عشر وأعلن عن ولادته رسميا في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 وليس كما تروي الأسطورة الصهيونية بأنه شعب قديم ولد منذ آلاف السنين ولم يطرأ عليه أي تغيير. وقلنا أن اليهودية دين وأن اليهود ينتمون إلى شعوب عديدة اعتنقوا هذه الديانة على مر التاريخ. أما كيف اخترعت الصهيونية هذا الشعب فمن خلال الترويج لهذه الأساطير وتزييف التاريخ. وقلنا أيضا أن من يخترع شعبا بناء على أساطير لن تكون لديه مشكلة في أن يخترع وطنا وهميا لهذا الشعب. ف"أرض إسرائيل" كوطن قومي لليهود أخترعت في الوقت نفسه ليس من خلال تحقيق وعد رباني بل من خلال تنظيم حركة كولونيالية حديثة كانت جزءا من النظام الاستعماري القائم. ولكن العالم لم يستمع إلينا ولم يصدقنا. وكلي أمل أن يساهم هذان الكتابين في فتح أعين العالم على الحقيقة.
لم أقرأ الكتابين المذكورين بعد، مع إنهما ضمن برنامجي للقراءة. وأنا أنصح كل من تتاح له الفرصة قراءتهما. ولكني قرأت الكثير من النقاش الذي أثاراه خصوصا في مواقع الانترنت الإسرائيلية. لذلك فإن هذه المقالة ليست ولا يمكن أن تكون بأي شكل من الأشكال عرضا أو تحليلا للكتابين. مثل هذه المهمة تقع على عاتق المؤرخين وفي المكان المناسب. كل ما تتضمنه هذه السطور هو بعض الخواطر من وحي النقاش العام الذي أثير مؤخرا مع صدور الكتاب الثاني.
بالطبع، لم تخترع الحركة الصهيونية "الشعب اليهودي" و"أرض إسرائيل" كوطن قومي له من فراغ. فقد كانت جميع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مواتية لمثل هذا الاختراع: نشوء الحركات القومية في أوروبا، الثورات البرجوازية وتنامي المشاعر الشوفينية والأيديولوجيات العنصرية. حيث وجد يهود أوروبا أنفسهم في خضم هذه الصراعات أمام خيارين: إما الاندماج في شعوبهم وإما التقوقع والانفصال. وهنا تلاقت مصالح الأوساط الأكثر رجعية من الطرفين: اللاساميين على أنواعهم من جهة والحركة الصهيونية من جهة أخرى. فقد اتفق الطرفان على المبدأ الأساسي: أن اليهود لا يستطيعون تحقيق طموحاتهم القومية في أوروبا وعليهم إيجاد وطن قومي آخر. وكانت فلسطين هي الضحية.
تأسيس المشروع الصهيوني برمته على الأساطير لم يقلل من إمكانيات نجاحه على الأقل لفترة من الزمن قد تطول وقد تقصر. وعلينا أن نعترف أن الصهيونية قد حققت نجاحا ملحوظا في انجاز مشروعها. فالتاريخ في نهاية المطاف لا يصنع ولا يتطور حسب معايير الحرية والعدالة وباقي القيم الإنسانية.
إن اعتبار يهود العالم شعبا واحدا، بالإضافة إلى كونه يتناقض مع الواقع والحقيقة هو جريمة في حق اليهود أنفسهم. لأن ذلك يسلخهم عن شعوبهم التي ينتمون إليها ويقتلعهم من أوطانهم الأصلية ويقمع حضارتهم وتراثهم. وهكذا لم تقتصر جرائم الصهيونية على اقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه وتشريده في شتى أنحاء الأرض بل أيضا في اقتلاع الملايين من اليهود والزج بهم في صراع لا ينتهي. لا تستطيع كافة الأكاذيب الصهيونية أن تخفي هذه الحقيقة. هجرة اليهود إلى فلسطين (علياه) لم تكن إلا تهجير، و"إنقاذ الأرض" هو نهب وسلب الأرض، وحرب "الاستقلال" هي حرب استعمارية عدوانية، وهكذا جميع المصطلحات الصهيونية.
لا أؤمن بوجود جنس أو شعب نقي. كل الشعوب اختلطت يبعضها البعض خلال آلاف السنين. سكان فلسطين اليوم هم ليسوا الكنعانيين القدماء وليسوا الاموريين أو اليبوسيين أو العبريين أو البلشت القادمين من جزيرة كريت أو باقي الشعوب التي مرت أو أقامت واندمجت على أرض فلسطين. العنصريون فقط يبحثون عن نقاء العرق ولا يجدونه إلا في مخيلاتهم المريضة.
بما أن فلسطين المحتلة ليست "أرض إسرائيل"، وطن الشعب اليهودي الذي اخترعته الصهيونية، فمعظم الذين قدموا إليها هم في الحقيقة لاجئون. وكما يحق للاجئين الفلسطينيين العودة إلى وطنهم بدون قيد أو شرط يحق لليهود الذين هجروا إلى فلسطين العودة إلى أوطانهم بدون قيد أو شرط. يحق لليهودي العراقي أن يعود إلى العراق واليهودي اليمني أن يعود إلى اليمن والمغربي إلى المغرب. على الدول العربية ليس فقط أن تفتح أبوابها لعودة مواطنيها اليهود بل يجب أن تعمل كل ما تستطيعه من أجل عودتهم أيضا. يشعر الكثيرون من اليهود في فلسطين باللجوء بالرغم من عملية مسح الدماغ الطويلة التي تعرضوا لها من قبل الصهيونية وبالرغم من معاناتهم من الأنظمة القمعية في أوطانهم الأصلية.
 على الجماهير اليهودية الموجودة في فلسطين أن تستبدل قانون العودة الصهيونية الذي اقتلعها من أوطانها بحق العودة الذي يضمن عودتهم إليها. حينئذ فقط سوف يلتقي نضالها مع الجماهير الفلسطينية ويصبح نضالا واحدا من أجل العودة والحرية.

No comments: