Wednesday, February 20, 2013

سقوط الايديولوجيات وصعود المؤدلجين

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000011149 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000011133
سقوط الايديولوجيات وصعود المؤدلجين
علي زبيدات – سخنين

طبعا، يحق لكل حزب أن يعرف نفسه كما يشاء. يتبنى أو يدعي تبني ما يشاء من افكار ونظريات سياية ويمارس ما يشاء من استراتيجيات وتكتيكيات وبالتالي فهو حر في أن ينسب لنفسه ما يشاء من انجازات وانتصارات وهمية كانت أم حقيقية. ولكن، بالمقابل، من الطبيعي ايضا الا نحكم على حزب سياسي من خلال نظرته الى نفسه أو من خلال تقييمه لنفسه، إذ تبقى حسب رأيي الممارسة العملية هي المقياس الاساسي ليس فقط لصحة النظرية بل لصواب أو عدم صواب حاملين لوائها أيضا. لست أول من استعمل مصطلح سقوط الايديولوجيات فقد انتشر استعماله منذ العقد الاخير من القرن الماضي مقرونا بمصطلح آخر هو "نهاية التاريخ" في اعقاب نشر كتاب بالاسم نفسه للكاتب الامريكي-الياباني فرنسيس فوكوياما والذي جاء ليبشر بالنصر الحاسم والنهائي الذي حققته الرأسمالية العالمية وبداية عهد جديد يستحيل تغييره مستقبلا. ومع اني ارفض مبدئيا مصطلح نهاية التاريخ لأنه طالما هناك مجتمعات بشرية فالتاريخ سوف يستمر ويجلب معه تغيرات وتقلبات لم تكن بالحسبان. ولكني اوافق من حيث المبدأ وإلى حد بعيد على مصطلح: سقوط الايديولوجيات.
كانت هذه مقدمة لا بد منها في محاولتي لفهم الحوار (هذا اذا صحت تسميته بالحوار أصلا) بين الحزب الشيوعي الاسرائيلي والتجمع الوطني الديمقراطي. كما هو معروف، الحزب الشيوعي يدعي تمثيل الطبقة العاملة والتعايش اليهودي العربي والنضال من اجل السلام والمساواة وربما وجد بين ادبياته وخصوصا القديمة منها الكلام عن الاشتراكية. بينما يدعي التجمع ليس تمثيل الحركة الوطنية الفلسطينية فحسب بل كونه هو الحركة الوطنية ذاتها وغالبا ما يطلق على نفسه اسم الحركة الوطنية. وبالرغم من احتكاره لهذا الاسم فهو ينفي بأنه بذلك يصادر هذه الصفة الوطنية من الاحزاب الأخرى. هكذا اصبح من المفروغ منه تصنيف القوى السياسية الناشطة على الساحة الفلسطينية في فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ الى ثلاثة تيارات: الشيوعي والوطني والديني. وهذا يعني سيطرة ثلاث ايديولوجيات: الشيوعية، الوطنية (القومية) والدينية. وإذا اعتبرنا مرة اخرى الممارسة هي المقياس الاساسي لصحة الايديولوجيا فإن هذه الايديولوجيات الثلاثة قد سقطت سقوطا ما بعده سقوط حتى وان رافقه صعود (وغالبا ما يكون صعود اعلامي زائف) لبعض المؤدلجين. وإلا كيف نفسر وكيف نفهم بناء الاشتراكية من خلال كيان كولونيالي وتحقيق الهوية القومية من خلال المواطنة الكاملة أو عودة الخلافة الاسلامية الراشدة من خلال هذا الكيان؟
في الحقيقة شعرت بهذا السقوط على الصعيد الذاتي اولا. فقد كنت اعرف نفسي لفترة طويلة وبكل ثقة انني نتاج لهذه الايديولوجيات الثلاثة مجتمعة: فأنا ماركسي لينيني اممي احلم بمجتمع شيوعي على الصعيد العالمي يكون خاليا من جميع اشكال القهر والتمييز والاستغلال. وفي الوقت نفسه انا وطني يريد لوطنه ان يكون جزءا من هذا العالم الحر بل وأن يكون في الطليعة ، فالشيوعية تشترط مسبقا تحرر كافة الشعوب من أي اضطهاد قومي. وأنا ايضا نتاج للحضارة الاسلامية الانسانية على مر القرون بغض النظر عن المعتقدات الدينية الضيقة. من هذا المنطلق كنت اقول: أنا شيوعي وطني مسلم من غير التقيد بترتيب هذه الكلمات. مع سقوط هذه الايديولوجيات افرغت هذه المصطلحات من كل مضمون تقدمي.ولم تعد التبريرات التي يروج لها المؤدلجون الجدد مقنعة: الخطأ ليس بالايديولوجية الشيوعية بل بالشيوعيين. والخطأ ليس في الاسلام بل في المسلمين. والخطأ ليس بالقومية بل في القوميين. ماذا تفيدني الشيوعية كنظرية اذا كانت الممارسات باسمها تشمل هذا الكم من الجرائم؟ من أنا لكي أحكم من هو الشيوعي الحقيقي؟ هل هو ستالين أم تشاوشسكو أم كيم ايل سونغ ام بول بوت؟ وماذا يفيدني الاسلام اذا كانت باسمه تقطع رؤوس البشر بهذه السهولة؟ ومن انا لكي اقرر من هو المسلم الحقيقي ومن هو غير الحقيقي؟ هل هو الذي ينتمي للاخوان المسلمين أم للسلفيين أم للوهابيين أم للقاعدة أم لعشرات المجموعات الاخرى. وماذا تفيدني القومية التي تتراوح ما بين الفاشية والعمالة، وتقمع شعوبها وتنبطح امام الامبرياليين؟ وكيف نميز بين الوطني الحقيقي وبين الوطني المتسلق او المزيف؟
حسب رأيي، يكمن الخلل في تحول هذه النظريات الانسانية العظيمة الى ايديولوجيات. فمن سمات الايديولوجية الانغلاق والتحجر ومصادرة الفكر الحر واحتكار الحقيقة وجعل الجهل والقمع الفكري والتعصب قيما مقدسة، ثوابت لا يجرؤ احد من الاقتراب اليها او المساس بها. لذلك كان من الضروري ومن الجيد سقوطها. المشكلة انها حتى بعد سقوطها ما زالت تستحوذ على تفكيرنا وتتحكم بسلوكنا. يجب على النضال اليوم ان يركز على تحرير كواهلنا من جثث هذه الايديولوجيات، نفض الغبار والنهوض لمتابعة المسيرة.

No comments: