مدينة بلا عنفوان
علي زبيدات – سخنين
كتبت في الأسبوع الماضي، في أعقاب الجلسة الخاصة التي عقدتها الكنيست لمناقشة ظاهرة العنف في الوسط العربي، أن دولة إسرائيل بسلطاتها الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية وبكافة أجهزتها الأمنية وخصوصا الشرطة هي آخر من يحق له التباكي على العنف في المجتمع العربي لأنها تشكل مجتمعة وكل على حدة مصدرا رئيسيا لا ينضب للعنف. وقد قررت العودة إلى هذا الموضوع بناء على الجلسة المشتركة لبلدية سخنين واللجنة الشعبية قبل أيام لتسويق المشروع الحكومي "مدينة بلا عنف" والإعلان عن افتتاحه رسميا في المدينة. على الرغم من أن الكلام يتعلق بمدينة سخنين بشكل مباشر إلا أنه ينطبق على العديد من المدن والقرى العربية التي تبنت هذا المشروع بعضها مؤخرا والبعض الآخر منذ فترة من الزمن. وبعض هذه المدن تعد من مدننا الرئيسية مثل الناصرة، أم الفحم، شفاعمرو، طمرة، عرابة، دير حنا وغيرها.
في الجلسة المذكورة، كانت البلدية قد طلبت من لجنة مصغرة تابعة للجنة الشعبية أن تعد تقريرا عن مشروع "مدينة بلا عنف" وتبرز حسناته وفوائده وتوصي بقبوله مما يتيح للبلدية مستقبلا أن تتنصل من المسؤولية في حالة فشل هذا المشروع. وبالفعل كان تقرير هذه اللجنة المصغرة ايجابيا إلى أقصى درجات الايجابية حيث نص بدون تردد على أن "المشروع لا يصب في موضوع الخدمة المدنية أو تجنيد الشباب لهذه الخدمة". هذا بالإضافة إلى الإسهاب بإمكانياته المهنية والمادية التي يمكن استغلالها لمكافحة العنف في المدينة.
عندما شعرت أن معلوماتي ضئيلة في هذا الموضوع وأن ما سمعته سلبا كان أم إيجابا لم يكن من مصدر أول قررت أخذ زمام المبادرة والقيام بعملية بحث صغيرة وما أسهلها في هذه الأيام إذ تقتصر على دخول الموقع الرسمي للمشروع والاطلاع عليه من مصدره الأول. وقد تبين لي أن ما تضمنه تقرير اللجنة المصغرة وما قرأته في الموقع كانا على طرفي نقيض. وإنها تراهن على جهل أو كسل أو لامبالاة المواطن. سرعان ما اقتنعت أن هذا المشروع ليس فقط أنه يصب في الخدمة المدنية بل هو أشد خطورة من الخدمة المدنية ومن الشرطة الجماهيرية مجتمعتين. وأشد ما أغاظني أن بعض من ساهموا في أعداد تقرير اللجنة المصغرة أو سكتوا عنه وقت النقاش ينتمون إلى أحزاب عارضت قبول المشروع نفسه في أم الفحم. وتبين أيضا أن الأحزاب هي الأحزاب ونفاقها يفقأ العيون. فإذا كان هذا المشروع مشبوها في أم الفحم فكيف يمكن أن يكون مشروعا في الناصرة أو في سخنين؟
والآن إلى صلب الموضوع: تفوح من هذا المشروع رائحة العنصرية من الكلمة الأولى فهو يطلق على السلطات العربية المنضوية تحت هذا المشروع اسم: الوسط غير اليهودي في منطقة الشمال والوسط غير اليهودي في الجنوب. فالعالم حسب الدولة اليهودية التي تريد أن تكافح العنف ينقسم إلى وسطين لا ثالث لهما: الوسط اليهودي والوسط غير اليهودي.
من المعروف أن تعريف العنف وتعريف الأمن في الوسط اليهودي يختلف جذريا عن تعريفه في الوسط غير اليهودي. حسب الموقع، بدأ تطبيق هذا المشروع في مدينة ايلات بالتعاون بين البلدية برئاسة مائير يتسحاق هليفي والدكتورة أورلي إينس من وزارة الأمن الداخلي والتي تبين فيما بعد إنها حصلت على وظيفتها هذه بواسطة مغامراتها التي انتهت إلى فضيحة شملت العديد من المسئولين في هذا المشروع. وكان العمال العرب الضحية الأولى لهذا المشروع لأن مجرد وجودهم في ايلات يهدد أمن المواطنين اليهود ويسبب تنامي أشكال العنف. والآن فقط فهمت لماذا يتذمر الشباب العرب من فظاظة شرطة ايلات. ومن ثم بدأ هذا المشروع ينتقل إلى مدن يهودية أخرى وكانت دائما تكمن من خلفه الفكرة بأن العمال العرب والأجانب بشكل عام هم مصدر العنف وهم الذين يهددون الأمن لذلك يجب تشديد الرقابة عليهم بشتى الطرق والوسائل.
شكليا، يمنح هذا المشروع رئيس السلطة المحلية دورا قياديا في تنفيذ المشروع في بلدته ولكن بشرط أن يلتزم بالعمل "حسب سياسة لجنة الوزراء وإرشادات لجنة التوجيه". ولكن عمليا تبقى الشرطة هي اللاعب الرئيسي في هذه اللعبة. ففي الأماكن التي تعذر إدخال ما يسمى الشرطة الجماهيرية نرى أن المشروع ينص على ضرورة القيام دوريات مشتركة تضم رجال شرطة ومواطنين، وللتمويه يمكن أن تكون الدوريات في سيارات خاصة وكأن من يجعل الشرطي شرطي هي السيارة التي يقودها وليست المهمة التي ينفذها. المصيبة أن تقرير اللجنة المصغرة يوصي بضرورة مشاركة اللجنة الشعبية في لجنة التوجيه وفي هذه الدوريات. وذلك من أجل المراقبة والمتابعة. كذلك ينص المشروع على ضرورة انتهاك خصوصية المواطن من خلال تركيب الكاميرات في الأماكن العامة ومراقبتها على مدار الساعة، وعلى ضرورة وجود مراقبين في المدارس الإعدادية والثانوية لمراقبة سلوكيات الطلاب في الساحة والتسكع في الشارع.
أما بالنسبة للميزانيات فبالإضافة إلى شحها لا أعتقد إنها سوف توظف في المكان المناسب ولكنها في المقابل سوف تفاقم من الفساد في السلطات المحلية حيث بدأ في بعض الأماكن الصراع على الوظائف. وغني عن القول أن في مثل هذا الصراع يكون بعيدا عن المبادئ.
وأخيرا أستغرب صمت لجنة المتابعة العليا حيال هذا الموضوع وهي التي تصرح بمناسبة ومن غير مناسبة عن رفضها للخدمة المدنية. بينما لا تحرك ساكنا أمام مشروع قد تكون له عواقب وخيمة في طمس الهوية الوطنية الفلسطينية لشبابنا.
علي زبيدات – سخنين
كتبت في الأسبوع الماضي، في أعقاب الجلسة الخاصة التي عقدتها الكنيست لمناقشة ظاهرة العنف في الوسط العربي، أن دولة إسرائيل بسلطاتها الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية وبكافة أجهزتها الأمنية وخصوصا الشرطة هي آخر من يحق له التباكي على العنف في المجتمع العربي لأنها تشكل مجتمعة وكل على حدة مصدرا رئيسيا لا ينضب للعنف. وقد قررت العودة إلى هذا الموضوع بناء على الجلسة المشتركة لبلدية سخنين واللجنة الشعبية قبل أيام لتسويق المشروع الحكومي "مدينة بلا عنف" والإعلان عن افتتاحه رسميا في المدينة. على الرغم من أن الكلام يتعلق بمدينة سخنين بشكل مباشر إلا أنه ينطبق على العديد من المدن والقرى العربية التي تبنت هذا المشروع بعضها مؤخرا والبعض الآخر منذ فترة من الزمن. وبعض هذه المدن تعد من مدننا الرئيسية مثل الناصرة، أم الفحم، شفاعمرو، طمرة، عرابة، دير حنا وغيرها.
في الجلسة المذكورة، كانت البلدية قد طلبت من لجنة مصغرة تابعة للجنة الشعبية أن تعد تقريرا عن مشروع "مدينة بلا عنف" وتبرز حسناته وفوائده وتوصي بقبوله مما يتيح للبلدية مستقبلا أن تتنصل من المسؤولية في حالة فشل هذا المشروع. وبالفعل كان تقرير هذه اللجنة المصغرة ايجابيا إلى أقصى درجات الايجابية حيث نص بدون تردد على أن "المشروع لا يصب في موضوع الخدمة المدنية أو تجنيد الشباب لهذه الخدمة". هذا بالإضافة إلى الإسهاب بإمكانياته المهنية والمادية التي يمكن استغلالها لمكافحة العنف في المدينة.
عندما شعرت أن معلوماتي ضئيلة في هذا الموضوع وأن ما سمعته سلبا كان أم إيجابا لم يكن من مصدر أول قررت أخذ زمام المبادرة والقيام بعملية بحث صغيرة وما أسهلها في هذه الأيام إذ تقتصر على دخول الموقع الرسمي للمشروع والاطلاع عليه من مصدره الأول. وقد تبين لي أن ما تضمنه تقرير اللجنة المصغرة وما قرأته في الموقع كانا على طرفي نقيض. وإنها تراهن على جهل أو كسل أو لامبالاة المواطن. سرعان ما اقتنعت أن هذا المشروع ليس فقط أنه يصب في الخدمة المدنية بل هو أشد خطورة من الخدمة المدنية ومن الشرطة الجماهيرية مجتمعتين. وأشد ما أغاظني أن بعض من ساهموا في أعداد تقرير اللجنة المصغرة أو سكتوا عنه وقت النقاش ينتمون إلى أحزاب عارضت قبول المشروع نفسه في أم الفحم. وتبين أيضا أن الأحزاب هي الأحزاب ونفاقها يفقأ العيون. فإذا كان هذا المشروع مشبوها في أم الفحم فكيف يمكن أن يكون مشروعا في الناصرة أو في سخنين؟
والآن إلى صلب الموضوع: تفوح من هذا المشروع رائحة العنصرية من الكلمة الأولى فهو يطلق على السلطات العربية المنضوية تحت هذا المشروع اسم: الوسط غير اليهودي في منطقة الشمال والوسط غير اليهودي في الجنوب. فالعالم حسب الدولة اليهودية التي تريد أن تكافح العنف ينقسم إلى وسطين لا ثالث لهما: الوسط اليهودي والوسط غير اليهودي.
من المعروف أن تعريف العنف وتعريف الأمن في الوسط اليهودي يختلف جذريا عن تعريفه في الوسط غير اليهودي. حسب الموقع، بدأ تطبيق هذا المشروع في مدينة ايلات بالتعاون بين البلدية برئاسة مائير يتسحاق هليفي والدكتورة أورلي إينس من وزارة الأمن الداخلي والتي تبين فيما بعد إنها حصلت على وظيفتها هذه بواسطة مغامراتها التي انتهت إلى فضيحة شملت العديد من المسئولين في هذا المشروع. وكان العمال العرب الضحية الأولى لهذا المشروع لأن مجرد وجودهم في ايلات يهدد أمن المواطنين اليهود ويسبب تنامي أشكال العنف. والآن فقط فهمت لماذا يتذمر الشباب العرب من فظاظة شرطة ايلات. ومن ثم بدأ هذا المشروع ينتقل إلى مدن يهودية أخرى وكانت دائما تكمن من خلفه الفكرة بأن العمال العرب والأجانب بشكل عام هم مصدر العنف وهم الذين يهددون الأمن لذلك يجب تشديد الرقابة عليهم بشتى الطرق والوسائل.
شكليا، يمنح هذا المشروع رئيس السلطة المحلية دورا قياديا في تنفيذ المشروع في بلدته ولكن بشرط أن يلتزم بالعمل "حسب سياسة لجنة الوزراء وإرشادات لجنة التوجيه". ولكن عمليا تبقى الشرطة هي اللاعب الرئيسي في هذه اللعبة. ففي الأماكن التي تعذر إدخال ما يسمى الشرطة الجماهيرية نرى أن المشروع ينص على ضرورة القيام دوريات مشتركة تضم رجال شرطة ومواطنين، وللتمويه يمكن أن تكون الدوريات في سيارات خاصة وكأن من يجعل الشرطي شرطي هي السيارة التي يقودها وليست المهمة التي ينفذها. المصيبة أن تقرير اللجنة المصغرة يوصي بضرورة مشاركة اللجنة الشعبية في لجنة التوجيه وفي هذه الدوريات. وذلك من أجل المراقبة والمتابعة. كذلك ينص المشروع على ضرورة انتهاك خصوصية المواطن من خلال تركيب الكاميرات في الأماكن العامة ومراقبتها على مدار الساعة، وعلى ضرورة وجود مراقبين في المدارس الإعدادية والثانوية لمراقبة سلوكيات الطلاب في الساحة والتسكع في الشارع.
أما بالنسبة للميزانيات فبالإضافة إلى شحها لا أعتقد إنها سوف توظف في المكان المناسب ولكنها في المقابل سوف تفاقم من الفساد في السلطات المحلية حيث بدأ في بعض الأماكن الصراع على الوظائف. وغني عن القول أن في مثل هذا الصراع يكون بعيدا عن المبادئ.
وأخيرا أستغرب صمت لجنة المتابعة العليا حيال هذا الموضوع وهي التي تصرح بمناسبة ومن غير مناسبة عن رفضها للخدمة المدنية. بينما لا تحرك ساكنا أمام مشروع قد تكون له عواقب وخيمة في طمس الهوية الوطنية الفلسطينية لشبابنا.
No comments:
Post a Comment