وماذا عن عنف السلطة يا حضرة النواب؟
علي زبيدات – سخنين
هل العنف طبيعة متجدرة في الإنسان كما يرى بعض االبعض الآخر؟ء الاجتماع؟ أم هو سلوك مكتسب تحدده البيئة والظروف كما يرى البعض الآخر؟ أم هو مزيج من كلتا النظرتين كما يرى آخرون؟ كل شيء جائز ولكن من المؤكد أن العنف بأنواعه المتعددة وأشكاله المختلفة قد رافق الإنسان منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا حتى أصبح من المستحيل فهم تاريخ البشرية بمعزل من العنف.
من يتابع وسائل الإعلام العربية المحلية يظن وكأن هناك حربا أهلية طاحنة يدور رحاها في مجتمعنا العربي حيث ينتمي المجرم والضحية إلى نفس المجتمع. هكذا بتنا نسمع يوميا تقريبا عن إقامة لجان "شعبية" لمكافحة العنف وتنظيم ندوات ومؤتمرات لدراسة ومناقشة ظاهرة العنف أكثر مما نسمع عن العنف نفسه. وقد وصلت هذه الحملة الإعلامية أوجها قبل أيام في الجلسة الخاصة التي عقدتها الكنيست الإسرائيلية لدراسة موضوع العنف في الوسط العربي بمبادرة من النائب أحمد الطيبي "رئيس لجنة دمج المواطنين العرب في القطاع العام" ومشاركة رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي والمفتش العام للشرطة والعديد من النواب العرب وغير العرب. ها هو النائب الطيبي يقرر"أن العنف والجريمة في المجتمع العربي هي أكثر القضايا التي تقلق المواطن العربي". أما رئيس الحكومة فقد شبه وضع المجتمع العربي "بالغرب المتوحش" بل وأضاف أيضا بالشمال المتوحش والجنوب المتوحش إشارة منه إلى أماكن سكنى العرب في هذه البلاد بلهجة تنم على أنه يمثل الغرب المتمدن. وقد سبق هذه الجلسة تحركات عديدة في هذا الموضوع، رسمية وغير رسمية أذكر منها الترويج لمشروع "مدينة بلا عنف" و"الشرطة الجماهيرية" والخدمة المدنية والدعوة لتشكيل لجان محلية وشعبية لمكافحة العنف والجريمة في الوسط العربي. الحاضر الغائب في كل هذه التحركات هي دولة إسرائيل بكافة أجهزتها الأمنية وغير الأمنية. حيث كانت المحصلة النهائية لهذه الحملة تبرئة السلطة من كونها المصدر الرئيسي للعنف في الوسط العربي. جل الانتقادات التي وجهت للسلطة، ومعظمها كان أقرب إلى العتاب منه إلى الانتقاد، وجهت خصوصا لجهاز الشرطة، بسبب تقاعسه وتقصيره في مكافحة العنف مثل القبض على المجرمين والجناة وعدم جمع الأسلحة غير المرخصة أو عدم رصد الميزانيات الكافية لمواجهة العنف في التعليم والتشغيل وتطبيق القانون. ولكن لم يجرؤ أحد من النواب العرب ومن الباحثين الأكاديميين والمثقفين الذين واكبوا هذه الحملة أن يشير بإصبع الاتهام إلى هذه السلطة بكافة أجهزتها على إنها تشكل المصدر الرئيسي للعنف.
طبعا هذا لا ينفي مسؤولية مجتمعنا العربي عن تفاقم ظاهرة العنف والجريمة ولا يقلل في الوقت نفسه من خطورة هذه الظاهرة. ولكن لنبدأ أولا بعنف الدولة التي يذرف قادتها دموع التماسيح على الوسط العربي وعلى العنف الذي ينخر فيه:
من المعروف أن الدولة الحديثة، كل دولة، تصادر العنف من المواطنين لكي تحتكره لنفسها. فعنفها مشروع ويحميه القانون مهما كان شنيعا ولا يعرف بأنه عنف أصلا. فهو إما دفاعا عن النفس أو حفظا للأمن والاستقرار والعديد من التبريرات الزائفة الأخرى. حسب رأيي الدولة هي أكبر مصدر للعنف فهي التي احتلت البلاد وشردت الشعب ودمرت القرى والمدن. في العرف الإسرائيلي لا يعتبر فرض الحصار الغاشم على غزة لسنين طويلة ومنع الغذاء والدواء عنفا. وإقامة الجدار العنصري العازل وزرع الأرض الفلسطينية بالحواجز والمستوطنات هو أيضا ليس عنفا. وسرعة إطلاق النار من قبل رجال الشرطة على المواطنين العرب هو الآخر ليس عنفا. وإن ننسى فإننا لا ننسى العنف الذي تمارسه الكنيست نفسها من خلال سنها للقوانين العنصرية. فتقطيع أوصال العائلة الفلسطينية حسب قانون المواطنة العنصري ليس عنفا وهدم البيوت وخنق القرى والمدن العربية والتمييز بكافة أشكاله ليس عرفا. بعد ذلك أليس من العار أن تعقد هذه الكنيست جلسة خاصة وتتباكى على ضحايا العنف في المجتمع العربي؟
كيف تستطيع شرطة إسرائيل أن تكافح العنف في الوسط العربي وكل تعاملها مع هذا الوسط ينضح بالعنف ؟ من قمع الاحتجاجات إلى تفريق المظاهرات وحتى إلى فرض مخالفات السير؟ هذا فضلا عن إنها تتعاون مع حثالات الوسط العربي الذين تستخدمهم كمخبرين. مثل من يدعو هذه الدولة لحمايته من العنف كمثل من يدعو القط لحراسة اللبن.
مجتمعنا العربي هو الآخر ينبوع لا ينضب للعنف. ولنبدأ بأعضاء الكنيست العرب ورؤساء المجالس المحلية والبلديات الذين شاركوا في جلسة الكنيست والذين لم يشاركوا: كيف انتخبوا؟ أليس من خلال تأجيج العنف وتأليب المواطنين على أنفسهم ومن خلال تنمية واستغلال النعرات العائلية والطائفية؟ أم هذا لا يسمى عنفا؟ ألا يوجد لكل حزب سياسي ولكل "زعيم" بلطجيته وشبيحته؟. هذا بالإضافة إلى بعض العادات والتقاليد البالية التي تشكل أرضا خصبا للعنف مثل القتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة وعقلية الانتقام. العنف يبدأ في البيت وسرعان ما ينتقل إلى المدرسة والشارع. في البيت يقوم الأب بضرب زوجته أو إساءة معاملتها على الاقل فترد الأم غالبا بقمع الأبناء وعادة ما يقوم الأخ الأكبر بتعنيف أخوته الصغار. وفي المدرسة وبالرغم من حذر العنف الجسدي قانونيا إلا أن أشكال العنف الرمزي والكلامي ما زالت رائجة. أما في الشارع فحدث عن شتى أشكال العنف ولا حرج. وأخيرا لا بد من التنويه أنه من الخطأ وضع كافة أشكال العنف في سلة واحدة. فالعنف الذي يمارسه المظلومون من أجل رفع الظلم الواقع عليهم هو عنف مشروع ما دام خاضعا للقيم والمعايير الإنسانية.
مكافحة العنف في المجتمع العربي ممكنة ولكن فقط من خلال التربية الصحيحة على أساس القيم الإنسانية الأخلاقية السامية.
علي زبيدات – سخنين
هل العنف طبيعة متجدرة في الإنسان كما يرى بعض االبعض الآخر؟ء الاجتماع؟ أم هو سلوك مكتسب تحدده البيئة والظروف كما يرى البعض الآخر؟ أم هو مزيج من كلتا النظرتين كما يرى آخرون؟ كل شيء جائز ولكن من المؤكد أن العنف بأنواعه المتعددة وأشكاله المختلفة قد رافق الإنسان منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا حتى أصبح من المستحيل فهم تاريخ البشرية بمعزل من العنف.
من يتابع وسائل الإعلام العربية المحلية يظن وكأن هناك حربا أهلية طاحنة يدور رحاها في مجتمعنا العربي حيث ينتمي المجرم والضحية إلى نفس المجتمع. هكذا بتنا نسمع يوميا تقريبا عن إقامة لجان "شعبية" لمكافحة العنف وتنظيم ندوات ومؤتمرات لدراسة ومناقشة ظاهرة العنف أكثر مما نسمع عن العنف نفسه. وقد وصلت هذه الحملة الإعلامية أوجها قبل أيام في الجلسة الخاصة التي عقدتها الكنيست الإسرائيلية لدراسة موضوع العنف في الوسط العربي بمبادرة من النائب أحمد الطيبي "رئيس لجنة دمج المواطنين العرب في القطاع العام" ومشاركة رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي والمفتش العام للشرطة والعديد من النواب العرب وغير العرب. ها هو النائب الطيبي يقرر"أن العنف والجريمة في المجتمع العربي هي أكثر القضايا التي تقلق المواطن العربي". أما رئيس الحكومة فقد شبه وضع المجتمع العربي "بالغرب المتوحش" بل وأضاف أيضا بالشمال المتوحش والجنوب المتوحش إشارة منه إلى أماكن سكنى العرب في هذه البلاد بلهجة تنم على أنه يمثل الغرب المتمدن. وقد سبق هذه الجلسة تحركات عديدة في هذا الموضوع، رسمية وغير رسمية أذكر منها الترويج لمشروع "مدينة بلا عنف" و"الشرطة الجماهيرية" والخدمة المدنية والدعوة لتشكيل لجان محلية وشعبية لمكافحة العنف والجريمة في الوسط العربي. الحاضر الغائب في كل هذه التحركات هي دولة إسرائيل بكافة أجهزتها الأمنية وغير الأمنية. حيث كانت المحصلة النهائية لهذه الحملة تبرئة السلطة من كونها المصدر الرئيسي للعنف في الوسط العربي. جل الانتقادات التي وجهت للسلطة، ومعظمها كان أقرب إلى العتاب منه إلى الانتقاد، وجهت خصوصا لجهاز الشرطة، بسبب تقاعسه وتقصيره في مكافحة العنف مثل القبض على المجرمين والجناة وعدم جمع الأسلحة غير المرخصة أو عدم رصد الميزانيات الكافية لمواجهة العنف في التعليم والتشغيل وتطبيق القانون. ولكن لم يجرؤ أحد من النواب العرب ومن الباحثين الأكاديميين والمثقفين الذين واكبوا هذه الحملة أن يشير بإصبع الاتهام إلى هذه السلطة بكافة أجهزتها على إنها تشكل المصدر الرئيسي للعنف.
طبعا هذا لا ينفي مسؤولية مجتمعنا العربي عن تفاقم ظاهرة العنف والجريمة ولا يقلل في الوقت نفسه من خطورة هذه الظاهرة. ولكن لنبدأ أولا بعنف الدولة التي يذرف قادتها دموع التماسيح على الوسط العربي وعلى العنف الذي ينخر فيه:
من المعروف أن الدولة الحديثة، كل دولة، تصادر العنف من المواطنين لكي تحتكره لنفسها. فعنفها مشروع ويحميه القانون مهما كان شنيعا ولا يعرف بأنه عنف أصلا. فهو إما دفاعا عن النفس أو حفظا للأمن والاستقرار والعديد من التبريرات الزائفة الأخرى. حسب رأيي الدولة هي أكبر مصدر للعنف فهي التي احتلت البلاد وشردت الشعب ودمرت القرى والمدن. في العرف الإسرائيلي لا يعتبر فرض الحصار الغاشم على غزة لسنين طويلة ومنع الغذاء والدواء عنفا. وإقامة الجدار العنصري العازل وزرع الأرض الفلسطينية بالحواجز والمستوطنات هو أيضا ليس عنفا. وسرعة إطلاق النار من قبل رجال الشرطة على المواطنين العرب هو الآخر ليس عنفا. وإن ننسى فإننا لا ننسى العنف الذي تمارسه الكنيست نفسها من خلال سنها للقوانين العنصرية. فتقطيع أوصال العائلة الفلسطينية حسب قانون المواطنة العنصري ليس عنفا وهدم البيوت وخنق القرى والمدن العربية والتمييز بكافة أشكاله ليس عرفا. بعد ذلك أليس من العار أن تعقد هذه الكنيست جلسة خاصة وتتباكى على ضحايا العنف في المجتمع العربي؟
كيف تستطيع شرطة إسرائيل أن تكافح العنف في الوسط العربي وكل تعاملها مع هذا الوسط ينضح بالعنف ؟ من قمع الاحتجاجات إلى تفريق المظاهرات وحتى إلى فرض مخالفات السير؟ هذا فضلا عن إنها تتعاون مع حثالات الوسط العربي الذين تستخدمهم كمخبرين. مثل من يدعو هذه الدولة لحمايته من العنف كمثل من يدعو القط لحراسة اللبن.
مجتمعنا العربي هو الآخر ينبوع لا ينضب للعنف. ولنبدأ بأعضاء الكنيست العرب ورؤساء المجالس المحلية والبلديات الذين شاركوا في جلسة الكنيست والذين لم يشاركوا: كيف انتخبوا؟ أليس من خلال تأجيج العنف وتأليب المواطنين على أنفسهم ومن خلال تنمية واستغلال النعرات العائلية والطائفية؟ أم هذا لا يسمى عنفا؟ ألا يوجد لكل حزب سياسي ولكل "زعيم" بلطجيته وشبيحته؟. هذا بالإضافة إلى بعض العادات والتقاليد البالية التي تشكل أرضا خصبا للعنف مثل القتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة وعقلية الانتقام. العنف يبدأ في البيت وسرعان ما ينتقل إلى المدرسة والشارع. في البيت يقوم الأب بضرب زوجته أو إساءة معاملتها على الاقل فترد الأم غالبا بقمع الأبناء وعادة ما يقوم الأخ الأكبر بتعنيف أخوته الصغار. وفي المدرسة وبالرغم من حذر العنف الجسدي قانونيا إلا أن أشكال العنف الرمزي والكلامي ما زالت رائجة. أما في الشارع فحدث عن شتى أشكال العنف ولا حرج. وأخيرا لا بد من التنويه أنه من الخطأ وضع كافة أشكال العنف في سلة واحدة. فالعنف الذي يمارسه المظلومون من أجل رفع الظلم الواقع عليهم هو عنف مشروع ما دام خاضعا للقيم والمعايير الإنسانية.
مكافحة العنف في المجتمع العربي ممكنة ولكن فقط من خلال التربية الصحيحة على أساس القيم الإنسانية الأخلاقية السامية.
No comments:
Post a Comment