بشرة
سوداء أقنعة بيضاء
علي
زبيدات – سخنين
مع
الاعتذار والشكر في آن واحد من وللكاتب
المناضل المارتينكي الاصل الجزائري
النضال والانتماء فرانس فانون.
الاعتذار لأني قمت
بالسطو على عنوان كتابه الاول الذي حلل
فيه، بصفته طبيبا نفسيا ينتمي الى شعب
يعاني من آفات الاستعمار، العلاقة المعقدة
التي تربط بين المستعمر (بفتح
الميم) والمستعمر
(بكسر
الميم) وشكرا
لأن نضاله وافكاره ما زالت حية تلهم الشعوب
التي ما زالت تناضل من اجل حقوقها الطبيعية
في الحرية والاستقلال وعلى رأسها الشعب
الفلسطيني، وخصوصا من خلال كتابه الاخير
"معذبو
الارض".
في
كتابه الاول المذكور تناول فانون العلاقة
بين المستعمر الاوروبي (الفرنسي
بشكل خاص) والشعوب
المستعمرة في البحر الكاريبي ومن ضمنها
جزيرة المارتنيك وكيف ان الاستعمار
الاوروبي لا يسطو على البلد فينهب خيراتها
فحسب بل يدمر حضارتها وثقافتها الوطنية
ويشوه الطبيعة الانسانية للانسان ايضا.
يحاول وقد ينجح
احيانا بدرجات متفاوتة في مسخ الانسان
المنتمي لشعب البلاد الاصلي الذي يلبس
قناعا ابيضا ويبدأ في تقليد المستعمر
الاوروبي. وكيف
ان الانخراط في النضال ضد الاستعمار يعيد
لهذا المواطن ليس فقط بلده وحريته بل
انسانيته ايضا.
لم
يكتف الاستعمار الصهيوني في فلسطين بسلب
الارض وتشريد الشعب بل شن حربا على الانسان
الفلسطيني لتدمير شخصيته وثقافته وتراثه
وقيمه حتى استطاع الى درجة مقلقة من افراغ
الانسان الفلسطيني من انسانيته.
واصبح يتعامل معه
وكأنه حيوان لا يستحق الحياة اذا تعارضت
حياته مع حياة "الانسان"
الوحيد في المنطقة
الا وهو المستعمر الصهيوني.
لنتذكر هنا بعض
الدرر التي صدرت عن قيادات صهيونية:
"الفلسطيني
حيوان يمشي على قدمين"
(بيغن)،
"العرب
صراصير مسممة في قنينة"
(رفائيل ايتان)
"العرب أسوأ من
الافاعي السامة" (عوفاديا
يوسف). وهذا
غيض من فيض. عندما
تنزع صفة الانسان عن عدوك تصبح عملية
تصفيته جسديا امرا عاديا ليس بحاجة الى
أي تبرير. فاذا
صادفتك افعى فمن الطبيعي ان تسحق رأسها،
واذا ضايقك صرصور فلا احد يلومك اذا رششته
بالمبيدات. وعلى
هذا القياس اذا اخافك احد الفلسطينيين
فما المانع في ان تنزل على رأسه وعلى رأس
من حوله قنبلة بوزن طن؟وتستمر في نومك
الهانىء؟ أو أن تحاصر مليون فلسطيني
وتتمتع بتجوعهم كما تحاصر وتجوع سربا من
الصراصير؟. تجري
هذه الممارسات في ظل ايديولوجيا "انسانية"
من الطراز الراقي
والرفيع: فدولة
اسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة
في المنطقة وجيشها اكثر جيش اخلاقي في
العالم والاحتلال الذي تمارسه هو احتلال
متنور وانساني، فهي دولة تقدس حياة الانسان
وكرامته وقد سنت القوانين بهذا الخصوص
لمن يخامرهالشك في ذلك.
وهذا ما يفضحه
فرانس فانون في كتابه المذكور:
فالانسان بالنسبة
للمستعمر هو الانسان الاوروبي فقط وكل
ما كتبه المفكرون الاوروبيون من افلاطون
مرورا بجون لوك وفولتير وهيغل وحتى آخر
مفكر راهن جاء لخدمة هذا الانسان.
اما البشر في دول
العالم الثالث فهم اما أقل انسانية وإما
هم نوع من انواع الحيوانات.
النضال
ضد الصهيونية بالنسبة للشعب الفلسطيني
لا يقتصر على تحرير الارض وعودة اللاجئين
فحسب بل أيضا ومن حيث الاساس من أجل استرداد
انسانيته المهدورة. وهذه
الانسانية لا يمكن أن تسترد من خلال لبس
الاقنعة البيضاء التي يصنعهاويسوقها
المستعمر، لا تأتي من خلال التقليد الاعمى
للمستعمر، من خلال تبني ثقافته المتعجرفة
والتكلم بلغته والتعايش السلمي معه، أو
بالمقابل من خلال ازدراء ثقافته وتراثه
هو. لقد
نجحت الصهيونية بنشر وتعميم مثل هذه
الاقنعة البيضاء على عدد كبير من
الفلسطينيين. في
الضفة الغربية نجحت الفئة المقنعة، وهو
طبعا قناع شفاف لا يخفي بشاعة الوجه،
بالهيمنة على القرار الفلسطيني وحرفه عن
غاياته حتى اصبحت تشكل احتياطا للاحتلال
من خلال التنسيق الامني والتعاون الاقتصادي
والثقافي. وفي
الداخل نجحت في أسرلة شرائح واسعة بدرجات
متفاوته بقدر ما تسمح به العنصرية
الصهيونية. التطبيع
والاسرلة هذا هو لون ومضمون القناع الذي
يجب نزعه والالقاء به الى مزبلة التاريخ.
علينا أن نتصالح
مع بشرتنا السمراء، أن نمشي رافعين الرؤوس،
نتكلم لغتنا، نغني أغانينا، نستمع الى
موسيقانا، نتخلص من عاداتنا البالية،
نطهر نفوسنا من افكارنا المتخلفة التي
سهلت الطريق امام المستعمر لاختراق صفوفنا
واخضاعنا. الشعب
الفلسطيني قوي بحقه وعدالة قضيته ولكنه
ضعيف في كافة المجالات الاخرى فلنتمسك
بقوتنا الاخلاقية والانسانية ولنحول
نقاط ضعفنا الى قوة.
No comments:
Post a Comment