سقط النظام ولكنه ما زال حيا
علي زبيدات – سخنين
الشعب يريد إسقاط النظام، هذا هو شعار المرحلة بدون منازع. الشعب التونسي أسقط نظام زين العابدين بن علي في تونس والشعب المصري أسقط نظام حسني مبارك في مصر. وتقع على عاتق كل شعب عربي أن يسقط نظامه. إذن شعار:" الشعب يريد إسقاط النظام" هو شعار استراتيجي ساري المفعول في كافة الدول العربية. وهو شعار صحيح من حيث الجوهر يلخص مطالب الشعوب من أجل الحرية والكرامة والتقدم.
ولكن، وهنا يوجد لكن كبيرة: ماذا نعني بالضبط عندما نقول يجب إسقاط النظام؟ هنا تختلف الرؤى والتأويلات. من يسقط من ارتفاع شاهق قد يحالفه الحظ وحالما يقع على الأرض يقف مرة أخرى على رجليه ينفض عنه الغبار ويتابع سيره كسابق عهده وكأن شيئا لم يحدث. وفي أحيان أخرى يتعرض إلى أضرار تتراوح ما بين أضرار طفيفة، متوسطة أو جسيمة، يصاب بالكسور هنا وهناك وقد يخرج بإعاقة دائمة. ومنهم من ينقل على جناح السرعة إلى قسم الطوارئ لتلقي العلاج ويخضع لعمليات معقدة. ومنهم من يسقط ولا تقوم له قائمة بعد ذلك إذ يدق عنقه ويفارق الحياة مرة واحدة والى الأبد.
كذلك الأنظمة عندما تسقط. النظام المصري والنظام التونسي من قبله اللذين سقطا من ارتفاع شاهق قد تعرضا من غير شك إلى أضرار جسيمة، أثخنا بالجراح والكسور ولكنهما لم يلفظا أنفاسهما الأخيرة بعد. فالنظام المصري الساقط ما زال حيا من خلال بقاء نائب الرئيس، عمر سليمان الذي ما زال يمارس نشاطه التخريبي في الظل وكأن شيئا لم يحدث. ومن خلال الحكومة التي عينها الرئيس المخلوع برئاسة أحمد شفيق، ومن خلال رئيس ديوان رئيس الجمهورية، ومن خلال كبار الضباط الموجودين في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين يديرون البلاد حاليا، ومن خلال البيروقراطيين ورجال الأعمال والمسئولين في المؤسسات الرسمية الذين يشكلون جزءا لا يتجزأ من النظام البائد ويعرقلون التقدم إلى نظام جديد.
مما لا شك فيه أن النظام المصري الذي سقط بشكل مدوي قد تعرض إلى أضرار قاتلة، ولكنه يحاول أن يستعيد عافيته بشتى الطرق، من ضمنها تقديم التنازلات للشعب والوعود السخية ولكن أيضا من خلال تلقي الدعم من قوى الهيمنة الخارجية وعلى رأسها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية اللتين تعملان بلا كلل من أجل إنقاذ النظام حتى ولو كان الثمن التضحية برأس أو رؤوس النظام. ما دام النظام الساقط لم يستعد عافيته بعد فإنه سوف يواصل المراوغة والخداع حيث نرى العديد من أعمدة هذا النظام يلبسون الأقنعة وينتقلون إلى معسكر الشعب الثائر. ويطبقون المثل العربي القائل:" يتمسكن لكي يتمكن" بحذافيره.
نعم، أنا أؤيد شعار: الشعب يريد إسقاط النظام من غير تحفظ. ويجب تعميم هذا الشعار ليشمل كافة الشعوب العربية بل كافة شعوب العالم التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها. ولكن إسقاطه يجب أن يعني تنحيه تماما عن مكانته، يعني زواله من منصة التاريخ. لا يعقل أن يسقط النظام ويبقى في الوقت نفسه. يخرج من الباب لكي يعود ويدخل من الشباك. يجب تكنيسه تماما وتنظيف الوطن تنظيفا شاملا وجذريا من قاذوراته. فقط بهذه الطريقة يمكن بناء نظام جديد يقوم على أساس العدالة الاجتماعية وإعادة الكرامة للمواطن.
النظام المصري الساقط، في حالة استعادة عافيته، لا سمح الله، سوف ينقض على الجماهير الشعبية حالما يستطيع ذلك ويجردها من مكتسباتها التي انتزعتها بنضالها وبتقديم الشهداء. لذلك على الشعب الثائر أن يقف بالمرصاد لحماية الثورة. عليه ألا يغادر ميدان التحرير واللجوء إلى المسيرات المليونية حتى يتم التخلص من بقايا النظام البائد وحتى يتم تلبية مطالبه كاملة.
كما قلت في مقال سابق: الثورة الحقيقية تبدأ بعد إسقاط النظام السابق ولا تنتهي عند إسقاطه. على الثورة أن تبقى مستمرة لأن توقفها يمنح الفرصة لفلول النظام أن تلملم نفسها وتشن هجوما مضادا. ليس من باب الصدفة أن تدعو بعض الجهات التي كان وما زال يربطها أواصر قوية مع النظام البائد إلى منع الاعتصام في ميدان التحرير وعدم اللجوء إلى المظاهرات الشعبية والعودة إلى "الحياة الطبيعية" و"الاستقرار". بينما معظم الوعود في الإصلاح ما زالت حبرا على ورق.
نعم، الشعب يريد إسقاط النظام، ولكنه يريدها سقطة لا قيام بعدها.
علي زبيدات – سخنين
الشعب يريد إسقاط النظام، هذا هو شعار المرحلة بدون منازع. الشعب التونسي أسقط نظام زين العابدين بن علي في تونس والشعب المصري أسقط نظام حسني مبارك في مصر. وتقع على عاتق كل شعب عربي أن يسقط نظامه. إذن شعار:" الشعب يريد إسقاط النظام" هو شعار استراتيجي ساري المفعول في كافة الدول العربية. وهو شعار صحيح من حيث الجوهر يلخص مطالب الشعوب من أجل الحرية والكرامة والتقدم.
ولكن، وهنا يوجد لكن كبيرة: ماذا نعني بالضبط عندما نقول يجب إسقاط النظام؟ هنا تختلف الرؤى والتأويلات. من يسقط من ارتفاع شاهق قد يحالفه الحظ وحالما يقع على الأرض يقف مرة أخرى على رجليه ينفض عنه الغبار ويتابع سيره كسابق عهده وكأن شيئا لم يحدث. وفي أحيان أخرى يتعرض إلى أضرار تتراوح ما بين أضرار طفيفة، متوسطة أو جسيمة، يصاب بالكسور هنا وهناك وقد يخرج بإعاقة دائمة. ومنهم من ينقل على جناح السرعة إلى قسم الطوارئ لتلقي العلاج ويخضع لعمليات معقدة. ومنهم من يسقط ولا تقوم له قائمة بعد ذلك إذ يدق عنقه ويفارق الحياة مرة واحدة والى الأبد.
كذلك الأنظمة عندما تسقط. النظام المصري والنظام التونسي من قبله اللذين سقطا من ارتفاع شاهق قد تعرضا من غير شك إلى أضرار جسيمة، أثخنا بالجراح والكسور ولكنهما لم يلفظا أنفاسهما الأخيرة بعد. فالنظام المصري الساقط ما زال حيا من خلال بقاء نائب الرئيس، عمر سليمان الذي ما زال يمارس نشاطه التخريبي في الظل وكأن شيئا لم يحدث. ومن خلال الحكومة التي عينها الرئيس المخلوع برئاسة أحمد شفيق، ومن خلال رئيس ديوان رئيس الجمهورية، ومن خلال كبار الضباط الموجودين في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين يديرون البلاد حاليا، ومن خلال البيروقراطيين ورجال الأعمال والمسئولين في المؤسسات الرسمية الذين يشكلون جزءا لا يتجزأ من النظام البائد ويعرقلون التقدم إلى نظام جديد.
مما لا شك فيه أن النظام المصري الذي سقط بشكل مدوي قد تعرض إلى أضرار قاتلة، ولكنه يحاول أن يستعيد عافيته بشتى الطرق، من ضمنها تقديم التنازلات للشعب والوعود السخية ولكن أيضا من خلال تلقي الدعم من قوى الهيمنة الخارجية وعلى رأسها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية اللتين تعملان بلا كلل من أجل إنقاذ النظام حتى ولو كان الثمن التضحية برأس أو رؤوس النظام. ما دام النظام الساقط لم يستعد عافيته بعد فإنه سوف يواصل المراوغة والخداع حيث نرى العديد من أعمدة هذا النظام يلبسون الأقنعة وينتقلون إلى معسكر الشعب الثائر. ويطبقون المثل العربي القائل:" يتمسكن لكي يتمكن" بحذافيره.
نعم، أنا أؤيد شعار: الشعب يريد إسقاط النظام من غير تحفظ. ويجب تعميم هذا الشعار ليشمل كافة الشعوب العربية بل كافة شعوب العالم التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها. ولكن إسقاطه يجب أن يعني تنحيه تماما عن مكانته، يعني زواله من منصة التاريخ. لا يعقل أن يسقط النظام ويبقى في الوقت نفسه. يخرج من الباب لكي يعود ويدخل من الشباك. يجب تكنيسه تماما وتنظيف الوطن تنظيفا شاملا وجذريا من قاذوراته. فقط بهذه الطريقة يمكن بناء نظام جديد يقوم على أساس العدالة الاجتماعية وإعادة الكرامة للمواطن.
النظام المصري الساقط، في حالة استعادة عافيته، لا سمح الله، سوف ينقض على الجماهير الشعبية حالما يستطيع ذلك ويجردها من مكتسباتها التي انتزعتها بنضالها وبتقديم الشهداء. لذلك على الشعب الثائر أن يقف بالمرصاد لحماية الثورة. عليه ألا يغادر ميدان التحرير واللجوء إلى المسيرات المليونية حتى يتم التخلص من بقايا النظام البائد وحتى يتم تلبية مطالبه كاملة.
كما قلت في مقال سابق: الثورة الحقيقية تبدأ بعد إسقاط النظام السابق ولا تنتهي عند إسقاطه. على الثورة أن تبقى مستمرة لأن توقفها يمنح الفرصة لفلول النظام أن تلملم نفسها وتشن هجوما مضادا. ليس من باب الصدفة أن تدعو بعض الجهات التي كان وما زال يربطها أواصر قوية مع النظام البائد إلى منع الاعتصام في ميدان التحرير وعدم اللجوء إلى المظاهرات الشعبية والعودة إلى "الحياة الطبيعية" و"الاستقرار". بينما معظم الوعود في الإصلاح ما زالت حبرا على ورق.
نعم، الشعب يريد إسقاط النظام، ولكنه يريدها سقطة لا قيام بعدها.
No comments:
Post a Comment