الثورة في مصر: عشرة أيام هزت العالم
علي زبيدات – سخنين
من الصعب جدا، بل من المستحيل الكتابة عن حدث على مستوى الثورة المصرية خلال أوج تطوره وفي خضم أحداثه حيث تتغير المجريات بسرعة فائقة وتبدو التطورات غير متوقعة، من غير الوقوع في تحليلات ذاتية وتقييمات قد تقترب أو تبتعد عما يجري على ارض الواقع، وفي حالتنا هذه عما يجري من حيث الأساس في ميدان التحرير في القاهرة.
لا شك في أن ما جرى حتى الآن وما يجري إلى هذه اللحظة وما سوف يجري في الأيام القليلة القادمة، وبالتحديد من يوم الغضب الأول في 25 كانون الثاني إلى يوم الغضب القادم في 4 شباط، عشرة أيام هزت العالم ودخلت التاريخ من أوسع أبوابه. لست هنا بصدد تقييم أو تحليل ما يجري في مصر، ولست بصدد إسداء النصائح لأحد، وانصح كل من لديه نصائح أن يبقيها لنفسه لأن انفجار الثورات وتطورها لا يجري حسب نصائح وتمنيات أحد. كل ما أطمح إليه هنا هو أن أعبر عن موقف شخصي متواضع إزاء ما يجري في مصر. واطمح كذلك أن يلاقي هذا الموقف استحسانا وقبولا عند قوى التغيير التي تصنع التاريخ في تونس ومصر وغدا في باقي الدول العربية.
لطالما قلت وآمنت أن الثورة في مصر (وليس في فلسطين أو أية دولة عربية أخرى) هي الكفيلة في إعادة الأمة العربية إلى التاريخ، وهي الضمان الوحيد لتغيير وجه المنطقة بما فيه تحدي الهيمنة الامبريالية- الصهيونية وإلحاق الهزيمة بها من جهة وربط المنطقة بأكملها من جديد بركب الحضارة. وما زلت أقول ذلك وأؤمن به بدون تحفظ. من هذا المنطلق نستطيع أن نفهم تكالب إسرائيل، الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي والرجعية العربية لفعل المستحيل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام البائد حتى وإن كان ثمن ذلك التضحية ببعض رموز النظام التي خدمت هذا المعسكر لفترة طويلة وتقديم بعض التنازلات للجماهير الثائرة التي يمكن الانقضاض عليها لاحقا عندما تستقر الأمور.
من هنا أنبش في تاريخ الثورات وأقول أن الخطر الرئيسي للثورة، كل ثورة، يأتي من تناقضاتها الداخلية. التناقضات الخارجية ليست أكثر من عامل مساعد لا يعمل مستقلا بل من خلال الامتزاج بالتناقضات الداخلية. ينبغي على الثورة لكي تنجح وتحقق مهماتها الأساسية أن تكون مستمرة. حالما تتوقف الثورة يبدأ العد التنازلي وتبدأ الثورة المضادة برفع رأسها. حتى الآن جميع الثورات توقفت في مرحلة ما من مراحل تطورها. ويبدو أن الثورة المصرية هي الأخرى سوف تتوقف في مرحلة ما من مراحل تطورها. ولكن كلما كان التوقف في مراحل متأخرة كلما كانت الخسائر أقل وكلما كانت الانجازات أكثر. النظام البائد يعمل المستحيل لإجهاض الثورة قبل أن تنفجر وعندما يفشل في ذلك يعمل المستحيل لوأدها في بدايتها.
حسب رأيي، الموقف السليم الذي يجب التشبث به في جميع الحالات وتحت كافة الظروف هو عدم التوقف في أول الطريق أو في وسطها بل المضي بالثورة قدما حتى النهاية. حتى الآن حققت الثورة المصرية انجازات هامة لا يمكن الاستهانة بها: فقد دفنت قضية التوريث مرة واحدة والى الأبد ودفنت معها قضية التمديد أيضا مرة واحدة والى الأبد. وأعادت للشعب المصري كرامته وهيبته في العالم كله. ولكن هذه الانجازات تبقى متواضعة بالمقارنة بما يجب إنجازه بعد. المشكلة الأساسية التي تواجهها الجماهير الثائرة الآن هو الحذر من عودة النظام البائد الذي أخرج من الباب لكي لا يعود من الشباك بحلة جديدة. المتسلقون على أنواعهم منتشرون في كل مكان وخصوصا بين الجماهير الثائرة. بقايا النظام البائد لا تقتصر على نائب الرئيس القديم الجديد، عمر سليمان ولا تقتصر على الحكومة الجديدة التي هي نسخة طبق الأصل عن الحكومة السابقة بل تشمل أيضا شخصيات تغطي نفسها برداء المعارضة، وتتزين بهذه التسمية ليس لمعارضتها النظام بل لمعارضتها الفئة الحاكمة التي منعتها من المشاركة في هذا النظام. وأخص بالذكر هنا البرادعي وعمرو موسى وغيرهما من الحزبيين والسياسيين الإصلاحيين.
لقد أثبتت الثورة في مصر وقبلها في تونس حقيقة جديدة سوف تلعب دورا هاما في النضال الثوري في باقي البلدان العربية وهي إنه لم تعد هناك حاجة للأحزاب السياسية، مهما ادعت من ثورية، من أجل تفجير الثورة وقيادتها. لقد وجدت الأحزاب السياسية نفسها متخلفة عن الجماهير بأميال طويلة. وتحاول أن تلحق بالركب الثوري بطرق وممارسات انتهازية وبواسطة مقدرتها على التسلق وتبدأ في حرف الثورة عن مسارها الصحيح والبحث مع بقايا النظام السابق عن صفقة يؤمن لها بعض المكاسب الشخصية. وهذا هو الخطر الأكبر الآن على الثورة في تونس وفي مصر.
ولكن هذا لا يعني أن باستطاعة الجماهير الثائرة الاستغناء عن القيادة الثورية الحقيقية. العكس هو الصحيح. إن ما تحتاجه الثورة المصرية الآن هو قيادة ثورية ملتزمة تسترشد بنظرية ثورية وتواصل النضال بأساليب ثورية. غياب مثل هذه القيادة يشكل الخطر الأكبر الآخر على الثورة وعلى استمراريتها.
لم تعد الثورة في البلدان العربية مجرد أمنيات بل أصبحت واقعا ملموسا يشعر بها الداني والقاصي. وأول من يشعر بها هي الأنظمة العربية المتهرئة التي بدأت تحضر نفسها لمواجهتها. ولكنها سوف تكون أعجز من المواجهة: تغيير الحكومة في الأردن لن ينقذ النظام الملكي، الكلام عن الإصلاح في سوريا والمغرب والجزائر والسعودية وغيرها لن يجدي فتيلا. الثورة قادمة لا محالة عاجلا أم آجلا. هذه العاصفة الثورية لن تقفز عن بلادنا فلسطين أيضا. بعد فضائح "كشف المستور" يستطيع محمود عباس وبطانته في السلطة أن ينظموا مسيرات التأييد المزيفة كما يحلو لهم. ولكن من الغباء أن يظنوا بأن مثل هذه المسيرات سوف تضمن بقاءهم. لقد قامت هذه الزمرة خلال عقدين من الزمن بنقل الشعب الفلسطيني من طليعة النضال الثوري التحرري في العالم العربي إلى خادم ملحق للمعسكر الأمريكي –الصهيوني – الرجعي العربي.
هذه العاصفة الثورية لن تقفز عنا نحن أيضا في فلسطين المحتلة عام 1948. أولا يجب التخلص من الزعامة البائسة الممثلة في لجنة المتابعة العليا، التي عجزت عن اتخاذ موقف واضح إزاء الثورة في تونس وفي مصر ولم تدع حتى لمظاهرة تأييد واحدة كما حصل في جميع أنحاء العالم واعتبرت ما يجري محض قضية داخلية . أما الأحزاب السياسية العربية فقد كانت مواقفها هزيلة تعكس طبيعتها الهزيلة وكإسقاط واجب قامت بتنظيم بعض النشاطات الهامشية الانعزالية.
المارد العربي الذي خرج من قممه ينطلق من المحيط إلى الخليج وقد أصبح من المستحيل إعادته إلى قمقمه. وعندما ينظف هذه البلدان من الرؤساء والملوك والأمراء الذين انتهى تاريخ صلاحيتهم سوف يصبح الانتصار على الصهيونية والامبريالية العالمية حتمية تاريخية.
علي زبيدات – سخنين
من الصعب جدا، بل من المستحيل الكتابة عن حدث على مستوى الثورة المصرية خلال أوج تطوره وفي خضم أحداثه حيث تتغير المجريات بسرعة فائقة وتبدو التطورات غير متوقعة، من غير الوقوع في تحليلات ذاتية وتقييمات قد تقترب أو تبتعد عما يجري على ارض الواقع، وفي حالتنا هذه عما يجري من حيث الأساس في ميدان التحرير في القاهرة.
لا شك في أن ما جرى حتى الآن وما يجري إلى هذه اللحظة وما سوف يجري في الأيام القليلة القادمة، وبالتحديد من يوم الغضب الأول في 25 كانون الثاني إلى يوم الغضب القادم في 4 شباط، عشرة أيام هزت العالم ودخلت التاريخ من أوسع أبوابه. لست هنا بصدد تقييم أو تحليل ما يجري في مصر، ولست بصدد إسداء النصائح لأحد، وانصح كل من لديه نصائح أن يبقيها لنفسه لأن انفجار الثورات وتطورها لا يجري حسب نصائح وتمنيات أحد. كل ما أطمح إليه هنا هو أن أعبر عن موقف شخصي متواضع إزاء ما يجري في مصر. واطمح كذلك أن يلاقي هذا الموقف استحسانا وقبولا عند قوى التغيير التي تصنع التاريخ في تونس ومصر وغدا في باقي الدول العربية.
لطالما قلت وآمنت أن الثورة في مصر (وليس في فلسطين أو أية دولة عربية أخرى) هي الكفيلة في إعادة الأمة العربية إلى التاريخ، وهي الضمان الوحيد لتغيير وجه المنطقة بما فيه تحدي الهيمنة الامبريالية- الصهيونية وإلحاق الهزيمة بها من جهة وربط المنطقة بأكملها من جديد بركب الحضارة. وما زلت أقول ذلك وأؤمن به بدون تحفظ. من هذا المنطلق نستطيع أن نفهم تكالب إسرائيل، الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي والرجعية العربية لفعل المستحيل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام البائد حتى وإن كان ثمن ذلك التضحية ببعض رموز النظام التي خدمت هذا المعسكر لفترة طويلة وتقديم بعض التنازلات للجماهير الثائرة التي يمكن الانقضاض عليها لاحقا عندما تستقر الأمور.
من هنا أنبش في تاريخ الثورات وأقول أن الخطر الرئيسي للثورة، كل ثورة، يأتي من تناقضاتها الداخلية. التناقضات الخارجية ليست أكثر من عامل مساعد لا يعمل مستقلا بل من خلال الامتزاج بالتناقضات الداخلية. ينبغي على الثورة لكي تنجح وتحقق مهماتها الأساسية أن تكون مستمرة. حالما تتوقف الثورة يبدأ العد التنازلي وتبدأ الثورة المضادة برفع رأسها. حتى الآن جميع الثورات توقفت في مرحلة ما من مراحل تطورها. ويبدو أن الثورة المصرية هي الأخرى سوف تتوقف في مرحلة ما من مراحل تطورها. ولكن كلما كان التوقف في مراحل متأخرة كلما كانت الخسائر أقل وكلما كانت الانجازات أكثر. النظام البائد يعمل المستحيل لإجهاض الثورة قبل أن تنفجر وعندما يفشل في ذلك يعمل المستحيل لوأدها في بدايتها.
حسب رأيي، الموقف السليم الذي يجب التشبث به في جميع الحالات وتحت كافة الظروف هو عدم التوقف في أول الطريق أو في وسطها بل المضي بالثورة قدما حتى النهاية. حتى الآن حققت الثورة المصرية انجازات هامة لا يمكن الاستهانة بها: فقد دفنت قضية التوريث مرة واحدة والى الأبد ودفنت معها قضية التمديد أيضا مرة واحدة والى الأبد. وأعادت للشعب المصري كرامته وهيبته في العالم كله. ولكن هذه الانجازات تبقى متواضعة بالمقارنة بما يجب إنجازه بعد. المشكلة الأساسية التي تواجهها الجماهير الثائرة الآن هو الحذر من عودة النظام البائد الذي أخرج من الباب لكي لا يعود من الشباك بحلة جديدة. المتسلقون على أنواعهم منتشرون في كل مكان وخصوصا بين الجماهير الثائرة. بقايا النظام البائد لا تقتصر على نائب الرئيس القديم الجديد، عمر سليمان ولا تقتصر على الحكومة الجديدة التي هي نسخة طبق الأصل عن الحكومة السابقة بل تشمل أيضا شخصيات تغطي نفسها برداء المعارضة، وتتزين بهذه التسمية ليس لمعارضتها النظام بل لمعارضتها الفئة الحاكمة التي منعتها من المشاركة في هذا النظام. وأخص بالذكر هنا البرادعي وعمرو موسى وغيرهما من الحزبيين والسياسيين الإصلاحيين.
لقد أثبتت الثورة في مصر وقبلها في تونس حقيقة جديدة سوف تلعب دورا هاما في النضال الثوري في باقي البلدان العربية وهي إنه لم تعد هناك حاجة للأحزاب السياسية، مهما ادعت من ثورية، من أجل تفجير الثورة وقيادتها. لقد وجدت الأحزاب السياسية نفسها متخلفة عن الجماهير بأميال طويلة. وتحاول أن تلحق بالركب الثوري بطرق وممارسات انتهازية وبواسطة مقدرتها على التسلق وتبدأ في حرف الثورة عن مسارها الصحيح والبحث مع بقايا النظام السابق عن صفقة يؤمن لها بعض المكاسب الشخصية. وهذا هو الخطر الأكبر الآن على الثورة في تونس وفي مصر.
ولكن هذا لا يعني أن باستطاعة الجماهير الثائرة الاستغناء عن القيادة الثورية الحقيقية. العكس هو الصحيح. إن ما تحتاجه الثورة المصرية الآن هو قيادة ثورية ملتزمة تسترشد بنظرية ثورية وتواصل النضال بأساليب ثورية. غياب مثل هذه القيادة يشكل الخطر الأكبر الآخر على الثورة وعلى استمراريتها.
لم تعد الثورة في البلدان العربية مجرد أمنيات بل أصبحت واقعا ملموسا يشعر بها الداني والقاصي. وأول من يشعر بها هي الأنظمة العربية المتهرئة التي بدأت تحضر نفسها لمواجهتها. ولكنها سوف تكون أعجز من المواجهة: تغيير الحكومة في الأردن لن ينقذ النظام الملكي، الكلام عن الإصلاح في سوريا والمغرب والجزائر والسعودية وغيرها لن يجدي فتيلا. الثورة قادمة لا محالة عاجلا أم آجلا. هذه العاصفة الثورية لن تقفز عن بلادنا فلسطين أيضا. بعد فضائح "كشف المستور" يستطيع محمود عباس وبطانته في السلطة أن ينظموا مسيرات التأييد المزيفة كما يحلو لهم. ولكن من الغباء أن يظنوا بأن مثل هذه المسيرات سوف تضمن بقاءهم. لقد قامت هذه الزمرة خلال عقدين من الزمن بنقل الشعب الفلسطيني من طليعة النضال الثوري التحرري في العالم العربي إلى خادم ملحق للمعسكر الأمريكي –الصهيوني – الرجعي العربي.
هذه العاصفة الثورية لن تقفز عنا نحن أيضا في فلسطين المحتلة عام 1948. أولا يجب التخلص من الزعامة البائسة الممثلة في لجنة المتابعة العليا، التي عجزت عن اتخاذ موقف واضح إزاء الثورة في تونس وفي مصر ولم تدع حتى لمظاهرة تأييد واحدة كما حصل في جميع أنحاء العالم واعتبرت ما يجري محض قضية داخلية . أما الأحزاب السياسية العربية فقد كانت مواقفها هزيلة تعكس طبيعتها الهزيلة وكإسقاط واجب قامت بتنظيم بعض النشاطات الهامشية الانعزالية.
المارد العربي الذي خرج من قممه ينطلق من المحيط إلى الخليج وقد أصبح من المستحيل إعادته إلى قمقمه. وعندما ينظف هذه البلدان من الرؤساء والملوك والأمراء الذين انتهى تاريخ صلاحيتهم سوف يصبح الانتصار على الصهيونية والامبريالية العالمية حتمية تاريخية.
No comments:
Post a Comment