أجراس العودة ما زالت تقرع
علي زبيدات – سخنين
للأسبوع الثالث على التوالي أكتب عن موضوع العودة، لأنه حسب اعتقادي هو موضوع الساعة على الساحة الفلسطينية. لاحظوا أنني استعملت كلمة العودة فقط، ولم أذكر كلمة "حق" العودة. لم تسقط هذه الكلمة سهوا أو من باب الصدفة، بل كانت مقصودة تماما. بكل بساطة، بعد مسيرة العودة في 15 أيار 2011 يجب أن نتكلم عن العودة مباشرة وبدون مقدمات. عن حق العودة تكلمنا 63 عاما وكان ذلك كافيا بل وأكثر من اللازم. تكلمنا كثيرا، وكثيرا جدا عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إنسانيا وسياسيا وقانونيا. تكلمنا مع أنفسنا ومع غيرنا، لمن يريد أن يسمع ولمن لا يريد أن يسمع. ولكننا لم نفعل شيئا، لم نحرك ساكنا اللهم إلا إذا اعتبرنا الخطابات والشعارات وزيارات قرانا المهجرة عملا. حتى جاء الخامس عشر من شهر أيار وشكل نقطة فارقة، نقطة تحول في مفهومنا للعودة. للمرة الأولى وقف اللاجئون وأنصارهم على أقدامهم وتوجهوا نحو الوطن. لم يزحفوا بالملايين كما كنا نحلم. أتوا بالآلاف وفي بعض الأماكن بالمئات، ولكنهم أتوا. ولكن كان ذلك كافيا لتحويل العودة من مجرد حق إلى عمل سياسي ملموس على أرض الواقع. الحق، كل حق، لا يتحقق من تلقاء نفسه، ولا يتحقق من مجرد الكلام عنه أو حتى من مجرد التمسك وعدم التفريط به. الحق، كل حق، يتحقق من خلال تحويله إلى ممارسة عملية. وهذا بالضبط ما حدث في الذكرى أل 63 للنكبة.
لقد كتبت في الأسبوع الماضي منتقدا موقف لجنة المتابعة والأحزاب السياسية وباقي مؤسسات وجمعيات ما يسمى المجتمع المدني الذين غابوا تماما عن المشهد: لا حضور، لا موقف وحتى لا تصريح. وفقط بعد انتهائه سارعوا بكيل المدائح له. أذكر إني بعدها رأيت الشيخ رائد صلاح في إحدى المناسبات وسألته: أين كانت جميع القيادات التي تزاحمت على الصف الأول في مهرجان الرويس في 10 أيار، لماذا اختفت في 15 أيار؟ أين الآلاف الذين جاؤوا لمهرجان "العودة والبقاء" في كفر كنا؟ فرد علي الشيخ مستعجلا: "خيرها بغيرها". حسنا جدا، أرجو أن يكون الوضع كذلك. ها هي ذكرى نكسة حزيران قريبة وقد أعلن أنها ستكون الجولة القادمة في معركة العودة. فهل سوف تعوضنا هذه القيادات والأحزاب والجمعيات عن غيابها السابق؟
على الجانب الآخر من الوطن الفلسطيني، وقفت الفصائل الفلسطينية التي طبعت على راياتها شعار العودة أيضا وقفة المتفرج، مما عرض الشباب الزاحف على حاجز قلنديا إلى بطش جنود الاحتلال الإسرائيلي والاستفراد بهم. لم نعد نسمع أحد من حركة فتح يقول: "أنا أبن فتح ما هتفت لغيرها ولجيشها المقدام صانع عودتي". باقي الفصائل ليست بأفضل حالا. في الخامس من حزيران سيكون هناك امتحان آخر لهذه التنظيمات ولتلك الفصائل على طرفي خط الهدنة.
قلت في مقال سابق أن مسيرة العودة التي بدأت في 15 أيار يجب ألا تتوقف أبدا مهما كانت الأسباب ومهما كانت الظروف. وهنا أضيف أن أحد شروط انتصار المسيرة هو أن تأخذ زمام المبادرة وتتحرر من مناسبات الذكرى بالرغم من أهميتها في حشد وتعبئة الجماهير. أي انه ينبغي عدم الانتظار لذكرى نكبة أو نكسة أو مجزرة لمواصلة الزحف نحو الوطن. على حركة العودة أن تكتسب ديناميكية ذاتية تدفعها إلى الأمام وإلى الاستمرار. عدد العائدين سوف يزداد مع المثابرة والاستمرار، حتى ميدان التحرير لم يمتلئ بالملايين منذ اليوم الأول.
طبعا دولة الاحتلال لن تقف مكتوفة الأيدي مهما كانت المسيرات سلمية، فقد رأينا كيف قتلت بدم بارد 15 عائدا. وهي لن تتورع عن إطلاق النار على حشود العائدين وقتل المزيد منهم. ولكن هذا يجب ألا يردعنا من جهة ومن جهة أخرى يجب ملاحقة إسرائيل قضائيا وسياسيا في جميع المحافل المحلية والعالمية. وهنا الفت النظر إلى تقصير منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية التي تتعامل مع دولة إسرائيل بكفوف مخملية. لماذا لا يتم التوجه إلى أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مثلا ومطالبته بإصدار مذكرة رسمية لاعتقال رئيس الحكومة الاسرائيلية بتهمة إعطاء الأوامر لقتل مدنيين. أم أن مثل هذه المذكرات صالحة للقيادات العربية فقط؟
السؤال الأخير الذي أطرحه هنا على الجميع ومن ضمنها منظمات حقوق الإنسان الناشطة بيننا: ماذا حصل للعائد الأول ابن مدينة يافا حسن حجازي؟ هل ما زال قيد الاعتقال أم هل تم تهجيره ثانية؟ لماذا لم تقم لجنة شعبية للدفاع عنه ومتابعة قضيته؟ لماذا تم تجاهله إعلاميا بعد ظهوره على القناة الإسرائيلية؟ في مسيرات العودة القادمة سوف يكون هناك المزيد من العائدين بشكل فردي أو جماعي وسيكون هؤلاء بحاجة إلى احتضان حماية، فهل نحن على استعداد لذلك؟
يجب ألا ننتظر حتى اللحظة الأخيرة. فإذا عاد اللاجئون إلى مارون الراس فيجب تنظيم مسيرة لاستقبالهم حتى ولو وضعوا الحواجز وأعلنوا عن المنطقة كمنطقة عسكرية مغلقة. وإذا اختاروا نقطة أخرى للعبور فيجب أن نكون جاهزين لاستقبالهم. وإذا حاول العائدون اختراق حاجز قلنديا من الشمال فلماذا لا نلاقيهم من الجنوب.
أجراس العودة التي قرعت في أل 15 من أيار يجب ألا تصمت حتى تحقيق العودة كاملة.
علي زبيدات – سخنين
للأسبوع الثالث على التوالي أكتب عن موضوع العودة، لأنه حسب اعتقادي هو موضوع الساعة على الساحة الفلسطينية. لاحظوا أنني استعملت كلمة العودة فقط، ولم أذكر كلمة "حق" العودة. لم تسقط هذه الكلمة سهوا أو من باب الصدفة، بل كانت مقصودة تماما. بكل بساطة، بعد مسيرة العودة في 15 أيار 2011 يجب أن نتكلم عن العودة مباشرة وبدون مقدمات. عن حق العودة تكلمنا 63 عاما وكان ذلك كافيا بل وأكثر من اللازم. تكلمنا كثيرا، وكثيرا جدا عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إنسانيا وسياسيا وقانونيا. تكلمنا مع أنفسنا ومع غيرنا، لمن يريد أن يسمع ولمن لا يريد أن يسمع. ولكننا لم نفعل شيئا، لم نحرك ساكنا اللهم إلا إذا اعتبرنا الخطابات والشعارات وزيارات قرانا المهجرة عملا. حتى جاء الخامس عشر من شهر أيار وشكل نقطة فارقة، نقطة تحول في مفهومنا للعودة. للمرة الأولى وقف اللاجئون وأنصارهم على أقدامهم وتوجهوا نحو الوطن. لم يزحفوا بالملايين كما كنا نحلم. أتوا بالآلاف وفي بعض الأماكن بالمئات، ولكنهم أتوا. ولكن كان ذلك كافيا لتحويل العودة من مجرد حق إلى عمل سياسي ملموس على أرض الواقع. الحق، كل حق، لا يتحقق من تلقاء نفسه، ولا يتحقق من مجرد الكلام عنه أو حتى من مجرد التمسك وعدم التفريط به. الحق، كل حق، يتحقق من خلال تحويله إلى ممارسة عملية. وهذا بالضبط ما حدث في الذكرى أل 63 للنكبة.
لقد كتبت في الأسبوع الماضي منتقدا موقف لجنة المتابعة والأحزاب السياسية وباقي مؤسسات وجمعيات ما يسمى المجتمع المدني الذين غابوا تماما عن المشهد: لا حضور، لا موقف وحتى لا تصريح. وفقط بعد انتهائه سارعوا بكيل المدائح له. أذكر إني بعدها رأيت الشيخ رائد صلاح في إحدى المناسبات وسألته: أين كانت جميع القيادات التي تزاحمت على الصف الأول في مهرجان الرويس في 10 أيار، لماذا اختفت في 15 أيار؟ أين الآلاف الذين جاؤوا لمهرجان "العودة والبقاء" في كفر كنا؟ فرد علي الشيخ مستعجلا: "خيرها بغيرها". حسنا جدا، أرجو أن يكون الوضع كذلك. ها هي ذكرى نكسة حزيران قريبة وقد أعلن أنها ستكون الجولة القادمة في معركة العودة. فهل سوف تعوضنا هذه القيادات والأحزاب والجمعيات عن غيابها السابق؟
على الجانب الآخر من الوطن الفلسطيني، وقفت الفصائل الفلسطينية التي طبعت على راياتها شعار العودة أيضا وقفة المتفرج، مما عرض الشباب الزاحف على حاجز قلنديا إلى بطش جنود الاحتلال الإسرائيلي والاستفراد بهم. لم نعد نسمع أحد من حركة فتح يقول: "أنا أبن فتح ما هتفت لغيرها ولجيشها المقدام صانع عودتي". باقي الفصائل ليست بأفضل حالا. في الخامس من حزيران سيكون هناك امتحان آخر لهذه التنظيمات ولتلك الفصائل على طرفي خط الهدنة.
قلت في مقال سابق أن مسيرة العودة التي بدأت في 15 أيار يجب ألا تتوقف أبدا مهما كانت الأسباب ومهما كانت الظروف. وهنا أضيف أن أحد شروط انتصار المسيرة هو أن تأخذ زمام المبادرة وتتحرر من مناسبات الذكرى بالرغم من أهميتها في حشد وتعبئة الجماهير. أي انه ينبغي عدم الانتظار لذكرى نكبة أو نكسة أو مجزرة لمواصلة الزحف نحو الوطن. على حركة العودة أن تكتسب ديناميكية ذاتية تدفعها إلى الأمام وإلى الاستمرار. عدد العائدين سوف يزداد مع المثابرة والاستمرار، حتى ميدان التحرير لم يمتلئ بالملايين منذ اليوم الأول.
طبعا دولة الاحتلال لن تقف مكتوفة الأيدي مهما كانت المسيرات سلمية، فقد رأينا كيف قتلت بدم بارد 15 عائدا. وهي لن تتورع عن إطلاق النار على حشود العائدين وقتل المزيد منهم. ولكن هذا يجب ألا يردعنا من جهة ومن جهة أخرى يجب ملاحقة إسرائيل قضائيا وسياسيا في جميع المحافل المحلية والعالمية. وهنا الفت النظر إلى تقصير منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية التي تتعامل مع دولة إسرائيل بكفوف مخملية. لماذا لا يتم التوجه إلى أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مثلا ومطالبته بإصدار مذكرة رسمية لاعتقال رئيس الحكومة الاسرائيلية بتهمة إعطاء الأوامر لقتل مدنيين. أم أن مثل هذه المذكرات صالحة للقيادات العربية فقط؟
السؤال الأخير الذي أطرحه هنا على الجميع ومن ضمنها منظمات حقوق الإنسان الناشطة بيننا: ماذا حصل للعائد الأول ابن مدينة يافا حسن حجازي؟ هل ما زال قيد الاعتقال أم هل تم تهجيره ثانية؟ لماذا لم تقم لجنة شعبية للدفاع عنه ومتابعة قضيته؟ لماذا تم تجاهله إعلاميا بعد ظهوره على القناة الإسرائيلية؟ في مسيرات العودة القادمة سوف يكون هناك المزيد من العائدين بشكل فردي أو جماعي وسيكون هؤلاء بحاجة إلى احتضان حماية، فهل نحن على استعداد لذلك؟
يجب ألا ننتظر حتى اللحظة الأخيرة. فإذا عاد اللاجئون إلى مارون الراس فيجب تنظيم مسيرة لاستقبالهم حتى ولو وضعوا الحواجز وأعلنوا عن المنطقة كمنطقة عسكرية مغلقة. وإذا اختاروا نقطة أخرى للعبور فيجب أن نكون جاهزين لاستقبالهم. وإذا حاول العائدون اختراق حاجز قلنديا من الشمال فلماذا لا نلاقيهم من الجنوب.
أجراس العودة التي قرعت في أل 15 من أيار يجب ألا تصمت حتى تحقيق العودة كاملة.
No comments:
Post a Comment