Thursday, January 12, 2017

صناعة الرعب

صناعة الرعب
علي زبيدات - سخنين

هناك نوعان من الرعب (ويمكن استعمال أحد مرادفاته: هلع، خوف، ذعر) تصنعهما دولة إسرائيل بجودة عالية وتكثف من استعمالهما. أسمي النوع الاول "رعب سلبي" وهو موجه للمجتمع الإسرائيلي نفسه، وأطلق على النوع الآخر اسم "رعب إيجابي" وهو الذي يصنع خصيصا لدبه في قلوب الفلسطينيين بشكل خاص وفي قلوب العرب والعالم بشكل عام.
ما زالت الصور التي نقلتها القنوات الاسرائيلية ووسائل اعلامها الأخرى عن العملية الفدائية التي وقعت في خريف 2015 ماثلة أمام عيوننا. واقصد هنا صور الرعب والهلع التي سيطرت على كافة المتواجدين من رجال الأمن وحتى الناس العاديين الذين تواجدوا هناك من باب الصدفة. صور لرجال أمن مسلحين يهربون بكل اتجاه، صور لرجل أمن يطلق النار على مواطن من اريتريا لم يكن له ضلع في العملية لا من قريب ولا من بعيد فقط لأنه رأى أمامه شخص لون بشرته كان يختلف، صور لمواطنين اسرائيليين ينفذون لينشا في مواطن ارتري ويضربونه حتى الموت حتى بعد اطلاق النار عليه. هذا المشهد تكرر مرات عديدة وفي أماكن مختلفة كان أشهرها في أعقاب العملية التي نفذها نشأت ملحم في تل أبيب بعد العملية الأولى بأشهر قليلة حيث تم إغلاق تل أبيب من كافة الاتجاهات لفترة اسبوع تقريبا وكأنها تخضع لأوامر منع تجول صارمة. بل يمكن القول أن منطقة المركز بكاملها قد تم إغلاقها. وكان أخرها عملية دهس الجنود في القدس حيث هرب عدد من الجنود المسلحين حالما شاهدوا الشاحنة تدهس زملاءهم مما اثار استياء الجهات الأمنية المختصة التي طالبت بإجراء تحقيق في مثل هذه السلوكيات. حجز جثامين منفذي هذه العمليات ورفض السلطات إعادتها لذويهم إلا بعد فترة طويلة لا يمكن فصلها عن حالة الرعب والهلع التي تجتاح المجتمع الاسرائيلي بغض النظر اذا كان منفذ العملية طفل أو طفلة لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره أو رجل بالغ يحمل بين طيات ثيابه حسب الادعاءات سكينا.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن تفسير حالة الرعب والهلع التي تنتاب المجتمع الإسرائيلي بعد كل عملية بغض النظر عن حيثياتها وعن نتائجها ومنفذيها؟ قد يقول البعض هذا رد فعل طبيعي لمن يريد الحفاظ على حياته وامنه. قد يحتوي هذا التبرير على بعض الحقيقة ولكنه غير كاف لتفسير هذه الظاهرة الهستيرية بكافة جوانبها. أظن أن تفسير هذه الظاهرة أبعد مما نراه بكثير وأظن أنه مخطط لها استراتيجيا من قبل كافة أجهزة الدولة وخصوصا الاجهزة الامنية، والسياسية والتربوية وذلك للحفاظ على سلامة واستمرارية النظام الإسرائيلي ككل. حالة الرعب الجماعية ضرورية لتبقي كافة الاسرائيليين متكتلين وراء حكومتهم خصوصا بعد نجاحها في زرع الفكرة التي تقول أن كافة الفلسطينيين هم أعداء وأن الدولة هي ملاذها الوحيد. من وجهة نظر الطبقات الحاكمة، هذه السياسة المبنية على التحريض ونشر الكراهية والحقد هي الضمان الوحيد لسلامة النظام الكولونيالي في البلاد. يوجد لحالة الرعب هذه التي تسيطر على المجتمع الإسرائيلي فوائد أخرى أهمها أنها تتيح لابواق الدعاية الصهيونية أن تصور الإسرائيليين في أعين العالم على أنهم ضحايا لإرهاب همجي الذي يتيح بدوره ابتزاز تعاطف الحكومات والشعوب الأجنبية، وتصوير الجرائم الإسرائيلية المقترفة في حق الشعب الفلسطيني وكأنها دفاع عن النفس وبالتالي من حقهم قتل الفلسطينيين حتى عندما لا يكون سبب مباشر لذلك.
بالمقابل يوجد هناك رعب من نوع آخر تصنعه الدولة، وخصوصا من خلال اجهزتها الامنية، وتزرعه في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني. لقد نجحت المؤسسة الإسرائيلية في نشر هذا الرعب بين أوساط واسعة من مجتمعنا الفلسطيني، إذ لا يمكن تجاهل الرعب الذي تبثه هذه الأجهزة من جنود وحرس حدود وشرطة وسجون وشين بيت ويسام وموساد وغيرها. هذا الخوف الذي يمنعنا من الرد على الجرائم المقترفة في حقنا بشكل لائق يرتقي إلى مستوى هذه الجرائم. يمنعنا من النزول إلى الشوارع بشكل مكثف، يمنعنا من المواجهة مع الأجهزة الأمنية مهما كان السبب. كما حدث مؤخرا في هدم البيوت في قلنسوة حيث تخاذلت الجماهير من النزول للشوارع والذين تواجدوا وقفوا مكتوفي الأيدي يتفرجون على البلدوزرات وهي تقوم بعملها. فإذا كان النوع الأول من الرعب، "الرعب السلبي" يهدف الى توحيد الإسرائيليين خلف حكومتهم فان النوع الثاني والذي  سميته "الرعب الإيجابي" موجه لقمع وشل حركة جماهيرنا ومنعها من المطالبة بحقوقها المشروعة.
المهمة الأساسية التي تواجهنا هو كسر والتخلص من حالة الرعب هذه. وهذا الأمر ممكن على ضوء تجربتين جادتين كادتا أن تحطم حاجز الخوف تماما. الحالة الاولى في يوم الارض الاول والحالة الثانية في هبة القدس والاقصى. ولكن في كلتا الحالتين تم جبر هذا الكسر من قبل الحكومة بالتعاون مع زعامتنا . الظروف الراهنة تجعل من محاولة ثالثة مطلبا وطنيا يمكن تحقيقه.

1 comment:

Anonymous said...

ما مصلحة الناس في مواجهة قوات الامن الاسرائيلية؟ المسالة ليست فقط جبن وخوف او تواطؤ "زعامات" مع "النظام الكولونيالي" بل ناتجة بالاساس عن ان وضع عرب ال٤٨ من وجهة نظرهم هم ليس بهذا السوء الذي يتطلب المواجهة مع اسرائيل. من هنا نجاح سياسة اسرائيل معهم. هناك عصا الامن وهدم البيوت ومصادرة الاراضي بالمقابل هناك جزرة الاقتصاد والخدمات المتقدمة نسبيا التي لن يخاطروا بها لمجرد هدم بعض البيوت او مصادرة بعض الاراضي. ملاحظة جانبية اشعر بالقلق من استحضار مصطلحات جنوب افريقيا مثل النظام الكولونيالي وكأن المشكلة هي فقط في تغيير النظام في اسرائيل وكأننا نتحدث عن النظام السوري مثلا. وشكرا. (جليلي مغترب)