أين مصدر العنصرية الإسرائيلية؟
علي زبيدات – سخنين
دعونا نبدأ من النهاية. عندما يقول حاخام أشدود المدعو يوسي شاينن، وهو أحد 50 حاخاما وقعوا على عريضة تدعو إلى عدم بيع أو تأجير البيوت للعرب أن مصدر العنصرية هو التوراة (هآرتس 7/12/2010) فقد أجاب على هذا السؤال، فلماذا لا نصدقه؟ بصفته "حاخاما" يعرف كل كلمة مكتوبة في التوراة؟ عندما قال جملته هذه فهو يعرف مصدرها بالضبط: يعرف في أي سفر من التوراة وردت وفي أي إصحاح أيضا. فإذا أصرت الصهيونية بكافة تياراتها على أن تربط نفسها باليهودية، وآخر تقليعة هوسها بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، فلماذا نصر نحن على الفصل بين اليهودية والصهيونية؟ ونصرح بكرة وأصيلا بأننا ضد الصهيونية كأيديولوجية وممارسة ولكننا لسنا ضد اليهودية كدين. إذا كان التوراة مصدرا للعنصرية فيجب علينا بكل بساطة أن نكون ضد التوراة. هذا إذا أردنا مناهضة العنصرية مهما كان شكلها ومهما كان مصدرها.
أنا كنت ولا أزال وبدون تحفظ مع حرية العبادة وحرية المعتقدات . حتى عندما لا أومن بكلمة واحدة بهذه العبادة أو ذلك المعتقد. عالمنا يعج بالديانات والمذاهب والملل والنحل والمدارس اللاهوتية. وقد كنت أظن أنه في ظل الثورة المعلوماتية التي يتميز بها عصرنا فإن عصر الإكراه الديني قد ولى من غير رجعة. فكل المعلومات عن جميع الأديان والمعتقدات أصبحت على مرمى كبسة أو كبستين على الحاسوب. لم يعد هناك ضرورة للحروب الدينية والفتوحات والحملات التبشيرية. في عصر الثورة المعلوماتية أصبح من غير المعقول بل من الجنون حرق الفيلسوف الايطالي جيوردانو برونو أو محاكمة جاليليو أو فرض المقاطعة والحرمان على سبينوزا وذلك بسبب مواقفهم من الأديان والمعتقدات السائدة.
عندما التقي بشخص قادم من الهند لا أسأله، ولا يهمني أصلا أن كان ينتمي إلى الديانة الهندوسية أو البوذية أو السخية أو إلى المسيحية أو الإسلام، بل يهمني أن أعرف موقفه من الفقر في الهند، من الفساد والعنصرية والاضطهاد، الخ. لا يهمني إذا كان الصيني ما زال يدين بالكونفوشيوسية أو البوذية أو الإلحاد، بل يهمني ما هو موقفه من النظام السياسي والاقتصادي القائم في الصين وأوضاع الشعب الصيني في ظل هذا النظام، الخ. ولا يهمني إذا كان الياباني يدين بالشنتو أم بالبوذية وما هي الفوارق فيما بينها. بل يهمني أكثر أن أفهم ماذا يجري في اليابان وما هو دورها في العالم الحديث. ولكن إذا كنت مهتما بالأديان والمعتقدات، وأنا أعترف بأني مهتم بها، عندها ألجأ إلى طريقة الكبسة أو الكبستين على الحاسوب.
لكن حاخامات إسرائيل، الذين وقعوا على العريضة والذين لأسبابهم لم يوقعوا عليها، يصرون على العودة إلى ظلمات العصور الوسطى إلى عصور ما قبل الوسطى ويستعملون التوراة مصدرا لا ينضب لعنصريتهم. فألاه التوراة لا شغل لديه ولا عمل سوى الاهتمام بشعبه المختار، كالأب الذي لا عمل لديه سوى إرضاء طفله المدلل: يغفر له خطاياه كل سنة، ويتجاوز عن جرائمه بل في كثير من الأحيان يشجعه على ارتكابها. وحتى عندما يعاقبه لا يتخلى عنه أبدا، وهو كنسخة قديمة من اللورد بلفور: يعد من لا يستحق بما لا يملك. فعندما يقول حاخام أشدود وغيره من الحاخامات: أن الله وعد شعب إسرائيل بأرض إسرائيل، مثل هذا القول، والممارسة الناتجة عنه لم يعدا مجرد معتقد ديني، بل أصبحا موقفا سياسيا يمسنا جميعا. وأنا أدعو هؤلاء الحاخامات إن كانوا صادقين أن يجدد الله وعده المزعوم هذا أمام أية مؤسسة يختارونها: الأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية، أو حتى أمام أية محكمة صلح إسرائيلية بشرط وجود 3 شهود حياديين. وعلى هؤلاء الحاخامات أن يعرفوا لنا ماذا يقصدون ب"شعب إسرائيل" وأن يثبتوا انتمائهم لهذا الشعب وأخيرا أن يعرفوا لنا ما هي حدود "أرض إسرائيل" هذه.
قد يفسر البعض دعوتي هذه بالكفر بكافة الديانات السماوية، فليكن، فالنقاش ليس لاهوتيا ولا فقهيا، وأنا لست بصدد دخول أي نقاش ديني، بل هو سياسي بحت.
حسب رأيي جميع الأديان، وهذا ليس حصرا على الديانة اليهودية، تحمل في أحشائها بذرة عنصرية. فكل معتقد يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ويعتمد على نصوص أزلية لا يمكن تغييرها، في أحسن الحالات يمكن تفسيرها وفهمها بشكل مختلف تحمل مثل هذه البذرة. هذا بحد ذاته أمر طبيعي. فالمعتقدات في نهاية المطاف هي قناعة ذاتية، ولو لم يكن الشخص مؤمنا بصحتها لما آمن بها أصلا. يمكن تحمل مثل هذه العنصرية ما دامت على المستوى الشخصي أو مستوى مجموعة المؤمنين، ولكن لا يمكن تحملها إذا تجاوزت ذلك. من حق اليهودي أن يؤمن بأن الله اختاره من بين الأمم، كما من حق المسلم أن يؤمن بأن الله فضله على العالمين، ولكن ليس من حقهما أن يفرضا هذا الاعتقاد على أحد. والأهم من ذلك لا يحق لهما استعمال هذا الاعتقاد للمس بشخص آخر بأي شكل من الأشكال. حرية الاعتقادات تتطلب بالضرورة حرية اللا اعتقاد أو الاعتقاد المضاد.
لا يمكن فصل عريضة الحاخامات المذكورة عن الجو العام السائد في البلاد. ليس من باب الصدفة أن تحظى بتأييد 55% من السكان اليهود. لا يمكن فصلها عن سياسة هدم البيوت ومنع تصاريح البناء وإغلاق البلدات اليهودية في وجه العرب ولا يمكن فصلها عن القوانين العنصرية التي تسن مؤخرا بالجملة حول المواطنة ولم شمل العائلات والولاء وغيرها. لذلك فإن المعارضين لفظيا لهذه العريضة من داخل المؤسسة الإسرائيلية، ابتداء من الحاخام عوباديا يوسف مرورا برئيس الكنيست وحتى رئيس الدولة ليسوا أكثر من منافقين وديماغوغيين.
النضال من أجل تجفيف مستنقع العنصرية يجب أن يبدأ من مصدرها.
علي زبيدات – سخنين
دعونا نبدأ من النهاية. عندما يقول حاخام أشدود المدعو يوسي شاينن، وهو أحد 50 حاخاما وقعوا على عريضة تدعو إلى عدم بيع أو تأجير البيوت للعرب أن مصدر العنصرية هو التوراة (هآرتس 7/12/2010) فقد أجاب على هذا السؤال، فلماذا لا نصدقه؟ بصفته "حاخاما" يعرف كل كلمة مكتوبة في التوراة؟ عندما قال جملته هذه فهو يعرف مصدرها بالضبط: يعرف في أي سفر من التوراة وردت وفي أي إصحاح أيضا. فإذا أصرت الصهيونية بكافة تياراتها على أن تربط نفسها باليهودية، وآخر تقليعة هوسها بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، فلماذا نصر نحن على الفصل بين اليهودية والصهيونية؟ ونصرح بكرة وأصيلا بأننا ضد الصهيونية كأيديولوجية وممارسة ولكننا لسنا ضد اليهودية كدين. إذا كان التوراة مصدرا للعنصرية فيجب علينا بكل بساطة أن نكون ضد التوراة. هذا إذا أردنا مناهضة العنصرية مهما كان شكلها ومهما كان مصدرها.
أنا كنت ولا أزال وبدون تحفظ مع حرية العبادة وحرية المعتقدات . حتى عندما لا أومن بكلمة واحدة بهذه العبادة أو ذلك المعتقد. عالمنا يعج بالديانات والمذاهب والملل والنحل والمدارس اللاهوتية. وقد كنت أظن أنه في ظل الثورة المعلوماتية التي يتميز بها عصرنا فإن عصر الإكراه الديني قد ولى من غير رجعة. فكل المعلومات عن جميع الأديان والمعتقدات أصبحت على مرمى كبسة أو كبستين على الحاسوب. لم يعد هناك ضرورة للحروب الدينية والفتوحات والحملات التبشيرية. في عصر الثورة المعلوماتية أصبح من غير المعقول بل من الجنون حرق الفيلسوف الايطالي جيوردانو برونو أو محاكمة جاليليو أو فرض المقاطعة والحرمان على سبينوزا وذلك بسبب مواقفهم من الأديان والمعتقدات السائدة.
عندما التقي بشخص قادم من الهند لا أسأله، ولا يهمني أصلا أن كان ينتمي إلى الديانة الهندوسية أو البوذية أو السخية أو إلى المسيحية أو الإسلام، بل يهمني أن أعرف موقفه من الفقر في الهند، من الفساد والعنصرية والاضطهاد، الخ. لا يهمني إذا كان الصيني ما زال يدين بالكونفوشيوسية أو البوذية أو الإلحاد، بل يهمني ما هو موقفه من النظام السياسي والاقتصادي القائم في الصين وأوضاع الشعب الصيني في ظل هذا النظام، الخ. ولا يهمني إذا كان الياباني يدين بالشنتو أم بالبوذية وما هي الفوارق فيما بينها. بل يهمني أكثر أن أفهم ماذا يجري في اليابان وما هو دورها في العالم الحديث. ولكن إذا كنت مهتما بالأديان والمعتقدات، وأنا أعترف بأني مهتم بها، عندها ألجأ إلى طريقة الكبسة أو الكبستين على الحاسوب.
لكن حاخامات إسرائيل، الذين وقعوا على العريضة والذين لأسبابهم لم يوقعوا عليها، يصرون على العودة إلى ظلمات العصور الوسطى إلى عصور ما قبل الوسطى ويستعملون التوراة مصدرا لا ينضب لعنصريتهم. فألاه التوراة لا شغل لديه ولا عمل سوى الاهتمام بشعبه المختار، كالأب الذي لا عمل لديه سوى إرضاء طفله المدلل: يغفر له خطاياه كل سنة، ويتجاوز عن جرائمه بل في كثير من الأحيان يشجعه على ارتكابها. وحتى عندما يعاقبه لا يتخلى عنه أبدا، وهو كنسخة قديمة من اللورد بلفور: يعد من لا يستحق بما لا يملك. فعندما يقول حاخام أشدود وغيره من الحاخامات: أن الله وعد شعب إسرائيل بأرض إسرائيل، مثل هذا القول، والممارسة الناتجة عنه لم يعدا مجرد معتقد ديني، بل أصبحا موقفا سياسيا يمسنا جميعا. وأنا أدعو هؤلاء الحاخامات إن كانوا صادقين أن يجدد الله وعده المزعوم هذا أمام أية مؤسسة يختارونها: الأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية، أو حتى أمام أية محكمة صلح إسرائيلية بشرط وجود 3 شهود حياديين. وعلى هؤلاء الحاخامات أن يعرفوا لنا ماذا يقصدون ب"شعب إسرائيل" وأن يثبتوا انتمائهم لهذا الشعب وأخيرا أن يعرفوا لنا ما هي حدود "أرض إسرائيل" هذه.
قد يفسر البعض دعوتي هذه بالكفر بكافة الديانات السماوية، فليكن، فالنقاش ليس لاهوتيا ولا فقهيا، وأنا لست بصدد دخول أي نقاش ديني، بل هو سياسي بحت.
حسب رأيي جميع الأديان، وهذا ليس حصرا على الديانة اليهودية، تحمل في أحشائها بذرة عنصرية. فكل معتقد يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ويعتمد على نصوص أزلية لا يمكن تغييرها، في أحسن الحالات يمكن تفسيرها وفهمها بشكل مختلف تحمل مثل هذه البذرة. هذا بحد ذاته أمر طبيعي. فالمعتقدات في نهاية المطاف هي قناعة ذاتية، ولو لم يكن الشخص مؤمنا بصحتها لما آمن بها أصلا. يمكن تحمل مثل هذه العنصرية ما دامت على المستوى الشخصي أو مستوى مجموعة المؤمنين، ولكن لا يمكن تحملها إذا تجاوزت ذلك. من حق اليهودي أن يؤمن بأن الله اختاره من بين الأمم، كما من حق المسلم أن يؤمن بأن الله فضله على العالمين، ولكن ليس من حقهما أن يفرضا هذا الاعتقاد على أحد. والأهم من ذلك لا يحق لهما استعمال هذا الاعتقاد للمس بشخص آخر بأي شكل من الأشكال. حرية الاعتقادات تتطلب بالضرورة حرية اللا اعتقاد أو الاعتقاد المضاد.
لا يمكن فصل عريضة الحاخامات المذكورة عن الجو العام السائد في البلاد. ليس من باب الصدفة أن تحظى بتأييد 55% من السكان اليهود. لا يمكن فصلها عن سياسة هدم البيوت ومنع تصاريح البناء وإغلاق البلدات اليهودية في وجه العرب ولا يمكن فصلها عن القوانين العنصرية التي تسن مؤخرا بالجملة حول المواطنة ولم شمل العائلات والولاء وغيرها. لذلك فإن المعارضين لفظيا لهذه العريضة من داخل المؤسسة الإسرائيلية، ابتداء من الحاخام عوباديا يوسف مرورا برئيس الكنيست وحتى رئيس الدولة ليسوا أكثر من منافقين وديماغوغيين.
النضال من أجل تجفيف مستنقع العنصرية يجب أن يبدأ من مصدرها.
No comments:
Post a Comment