متى سيكون لدينا " ويكيليكس" عربي؟
علي زبيدات – سخنين
شهد الأسبوع الأخير ثلاثة أحداث ألقت بظلالها الثقيلة على منطقتنا: الانتخابات البرلمانية المصرية، يوم "التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني" ونشر تسريبات مئات آلاف البرقيات الأمريكية المصنفة سريا في موقع ويكيليكس. للوهلة الأولى تبدو هذه الإحداث الثلاثة منفصلة، لا تربطها أية صلة مع بعضها البعض فكل منها يتعلق بجانب يبدو بعيدا عن الآخر. قد يكون ذلك صحيحا نسبيا إذا حكمنا على مظاهرها الخارجية. ولكن حقيقة الأمر تبدو عكس ذلك تماما إذا ما سبرنا عمق العلاقة التي تربط هذه الإحداث مع بعضها البعض. إنها جميعها إفرازات للنظام الامبريالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والذي وصل إلى أوج تعفنه وفساده وجعل من مهمة تغييره مسألة عملية.
أبدأ بما يسمى بيوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني الذي أحيته مؤخرا الأمم المتحدة وبعض الفعاليات الفلسطينية والعربية والدولية. في 29 نوفمبر 1947 أصدرت الأمم المتحدة قرارها الشهير المعروف بقرار التقسيم، قرار 181. وبذلك جردت الشعب الفلسطيني من وطنه ومنحته هدية لحركة كولونيالية رجعية أقامت عليه دولة إسرائيل. هذه الجريمة التي ارتكبتها الأمم المتحدة بتركيبتها التي لم تتغير جذريا منذ ذلك الوقت وحتى اليوم لا مثيل لها في التاريخ البشري. لأول مرة تقوم هيئة تدعي أنها جاءت للحفاظ على السلام العالمي بتجريد شعب من وطنه وتقيم على أنقاضه دولة لا يمكن أن تعيش إلا من خلال الحروب. معظم جماهير الشعب الفلسطيني رفضت هذا القرار الجائر وقاومته بإمكانياتها المحدودة جدا وخسرت المعركة. لا يغير من هذه الحقيقة قيد أنملة وجود فئة ضئيلة قبلت بهذا القرار وادعت فيما بعد إنها تنبأت بالمستقبل وإنها هي حاملة شعلة الوطنية، حتى عندما تبنت نظرتها أغلبية الأحزاب والمنظمات الفلسطينية التي تفتقد للعمق الجماهيري. ذرا للرماد في عيون الفلسطينيين أصدرت الأمم المتحدة المسيطر عليها امبرياليا وصهيونيا في عام 1977 وفي تاريخ قرار التقسيم نفسه: 29 نوفمبر قرارا بجعل هذا اليوم يوم تضامن دولي مع الشعب الفلسطيني. وكان الهدف من إصداره في ذلك الوقت بالذات أمرين: الأول، محو ذكرى قرار التقسيم من الذاكرة الجمعية الفلسطينية بعد تحويله إلى يوم "تضامن" أجوف فارغ من أي محتوى. والثاني، هو تمهيد الطريق أمام منظمة التحرير الفلسطينية للانخراط بمشاريع التسوية التي قامت على قدم وساق في حينه. صورت معظم التنظيمات "الفدائية" هذا القرار بأنه انتصار للحقوق الفلسطينية الثابتة والغير قابلة للتصرف. من غير الدخول في جدالات عقيمة أتساءل فقط: ماذا حققت 33 سنة من "التضامن الدولي" غير التفريط بالمزيد من الثوابت الوطنية واعتبار مثل هذه الترهات والقرارات الجوفاء شرعية دولية؟
في الأسبوع الماضي كتبت أن مصر وليس فلسطين هي الساحة الحقيقية للتغيير الثوري في المنطقة. لأن مصر هي البلد الوحيد الذي يمتلك من الطاقات الكمية والكيفية ما تجعله المناسب لقيادة النضال ضد الامبريالية والصهيونية. في الوقت نفسه قلت أيضا أن الانتخابات المزورة ليست هي الطريق لمثل هذا التحول الثوري. وقد رأينا جميعا مهزلة الانتخابات "الديمقراطية" وما أفرزته من نتائج. مصر تستحق أكثر من أن تبقى رهينة الصراع بين الحزب "الوطني" الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين وتحت الهيمنة الأمريكية – الإسرائيلية. تاريخ الشعب المصري الثوري لا يخفى على أحد، يكفي أن نذكر هنا النضال الطويل الذي خاضه الشعب المصري ضد الاستعمار الانجليزي والفرنسي والصهيوني. لقد أوضحت تسريبات البرقيات الأمريكية أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تكن أي احترام لحلفائها وعملائها في المنطقة، تتعامل معهم بمعياريين وتتكلم معهم بلغتين. وعندما تهتز الأرض تحت أقدامهم سوف تكون عاجزة حتى عن حمايتهم كما عجزت عن حماية شاه إيران.
التسريبات التي نشرها موقع ويكيليكس في غاية الأهمية بلا شك. ولكنها في الواقع لم تأت بشيء جديد. من منا يستطيع أن ينكر تواطؤ سلطة رام الله مع إسرائيل في حربها الأخيرة في غزة؟ ومن منا لا يعلم بالحلف "المعتدل" من الأنظمة العربية التي تقف مع أمريكا وإسرائيل ليس بخصوص النزاع مع إيران فحسب بل في لبنان وفلسطين أيضا. أهمية هذه التسريبات تتلخص بمقولة: من فمك أدينك. لم تعد القضية قضية تحليلات سياسية ومواقف لقوى معارضة لها علاقة بما يسمى بالإرهاب الدولي. إنها وثائق رسمية صادرة عن متخذي القرارات. بالرغم من الكم الهائل للبرقيات المتسربة فإن الكم الأكثر ما زال يقبع في أقبية وحواسيب المخابرات المركزية الأمريكية ووزارة دفاعها وخارجيتها. وهي تمس كل واحد منا مهما وأينما كان موقعه. اليوم حتى المواطن الأمريكي العادي يحتج على انتهاك خصوصيته وكرامته الإنسانية في المطارات الأمريكية وغيرها من المواقع. ما ينقصنا في الوطن العربي هو موقع مشابه يتحلى بالشجاعة يقوم بتسريب بعض أسرار الملوك والرؤساء العرب خصوصا أولئك الذين يتسربلون بعباءات الوطنية والسهر على مصلحة شعوبهم.
دحر هذا النظام العالمي هو مهمة إنسانية شاملة، وهذا ليس مجرد شعار للاستهلاك، بل هو حقيقة يؤكده تنامي النضال التحرري في جميع أرجاء العالم.
No comments:
Post a Comment