Wednesday, November 03, 2010

صفقات الإدعاء - انتصار على الذات

صفقات الإدعاء – انتصار على الذات
علي زبيدات – سخنين

لست محاميا. ولست خبيرا في القضاء الإسرائيلي أو غيره. ولكني لا أعتبر هذا سببا كافيا لكي أحجم عن الكتابة في هذا الموضوع، الظاهرة الخطيرة التي تسمى في لغة القانون: "صفقات إدعاء". مما شجعني على الكتابة في هذا الموضوع هو علمي أن بعض المحامين الملتزمين والخبراء في القضاء الإسرائيلي ينتقدون هذه الظاهرة التي أصبحت نهجا، طريقة عمل، إستراتيجية يلجأ إليها محامو الدفاع بشكل جارف لإنهاء المحاكمة بصفقة يكون المتهم فيها هو الضحية الأساسية. لكن للأسف لا يعبر هؤلاء المحامون والخبراء في القضاء عادة عن أفكارهم إلا داخل حلقات خاصة ولا يخرجون بها إلى الملأ عبر وسائل الإعلام. هذه المقالة ليست سوى محاولة لطرح هذه المسألة الخطيرة للنقاش على المستوى المهني وعلى المستوى الشعبي.
بالرغم من أن الصفقة التي أعلن عنها مؤخرا بين طاقم دفاع أمير مخول والنيابة العامة كانت السبب المباشر لكتابة هذه السطور، إلا أن الكلام لا يدور عن هذه الصفقة بالذات بل عن الصفقات بشكل عام وعن نتائجها وإسقاطاتها على العمل السياسي الوطني. فقد سبق هذه الصفقة صفقات أخرى تركت طعما مرا في أفواه جميع من تابعوها. أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر بعض الصفقات التي أبرمت في الآونة الأخيرة والتي دفع ثمنها الباهظ مناضلونا : الشاب أنيس صفوري حكم عليه ب14 سنة سجن في إطار صفقة ادعاء. الرفيق حسام كناعنة يدفع 10 سنوات من حياته ثمنا لمثل هذه الصفقة. الشاب راوي سلطاني حكم عليه ب6 سنوات سجن على تهم ما انزل الله بها من سلطان. السبب الأساسي في قبول هذه الصفقات كما عبر عنه مؤخرا المحامي حسين أبو حسين لوسائل الإعلام هو:" القبول بأهون الشرين في ظل الظروف السياسية والقضائية السائدة في إسرائيل". ولكن حسب رأيي السبب هو الرضوخ للابتزاز الذي تمارسه النيابة العامة والجهاز القضائي على المتهم وعلى طاقم دفاعه.
لم أطلع على لائحة التهام الأصلية أو المعدلة لأمير مخول أو باقي المناضلين المذكورين. ولكن الصورة أصبحت واضحة: بعد الحصول على الاعترافات بأساليب غير مشروعة يتم تسليمها للنيابة العامة التي تترجمها إلى لائحة اتهام خطيرة ومبالغ بها إلى حد اللامنطق. فمخالفة بسيطة، ولنفرض المشاركة في مظاهرة شهدت بعض المواجهات بين المتظاهرين والشرطة، يتم ترجمتها في لائحة التهام إلى تسعة أو عشرة بنود منها: 1) مهاجمة شرطي بظروف خطيرة. 2) التسبب بأضرار عن سابق إصرار. 3) هجوم يسبب إصابة ملموسة. 4) عرقلة شرطي في حالة تأدية عمله. 5) مشاغبة ينتج عنها ضرر. 6) تجمهر ممنوع. 7) تخطي الحدود لعمل مخالفة...... الخ. الخ. هذا بالإضافة إلى عشرات الشهود (معظمهم من رجال الشرطة). بينما المتهم المسكين لم يعمل شيء سوى انه شارك في مظاهرة مرخصة في دولة تعتبر نفسها ديمقراطية. وعند بدأ المحاكمة، أو حتى قبلها وخلالها، تبدأ المفاوضات للتوصل إلى صفقة إدعاء. هنا تعرض النيابة العامة كرمها الزائد، فهي على أتم الاستعداد لشطب بعض البنود وحتى معظم البنود، المهم في هذه الحالة الحصول على إدانة. هذا ما تصر عليه النيابة العامة: الإدانة أولا والإدانة أخيرا. العقاب يصبح ثانويا: سنة أكثر سنة أقل، أو بضع سنين أكثر أو بضع سنين أقل، هذا قابل للتفاوض عليه حتى التوصل إلى صفقة ترضي جميع الأطراف، أو تقريبا جميع الأطراف. عادة المتهم، وهو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة هو الذي يخرج غير راض. من مصلحة القضاة عادة الموافقة على صفقة الادعاء وذلك لتوفير وقت المحكمة بعد الاعتراف بالتهم التي تم الاتفاق بشأنها. النيابة العامة من جهتها حققت ما تريده وهو الحصول على إدانة. أما طاقم الدفاع، يستطيع أن يخرج إلى الملأ ويقول: لقد حصلنا على عقوبة مخففة. وهكذا يخرج الجميع سعداء. المتهم وحده يدخل السجن بدون محاكمة أصلا. أليست هذه مفارقة غريبة عجيبة؟
حسب وسائل الإعلام، تم شطب البند الأخطر في لائحة أمير مخول حول:"مساعدة العدو أبان الحرب" ولكنها أبقت بنود أخرى لا أدري كم تقل خطورتها عن البند المشطوب مثل: "التآمر لمساعدة العدو أبان الحرب" والتجسس، والتجسس الخطير، والاتصال بعميل أجنبي. فإذا كنا متفائلين سوف يقضي أمير السنوات السبع القادمة في السجن أما إذا كنا متشائمين فإنه سوف يقضي عشر سنوات. أليست هذه مأساة؟
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لو استمرت محاكمة أمير حتى النهابة ولم يتم "توفير" زمن المحكمة بل على العكس تم "تبذيره" إلى أقصى حد لمناقشة التهم الموجهة إليه حتى آخر تفاصيلها، وتمت فضح أساليب المخابرات في التحقيق وانتزاع الاعترافات، وبالتوازي استمرت الحملة الشعبية والدولية للدفاع عنه، هل سيتم فرض عقوبة تزيد عن 10 سنوات؟
لقد نفست هذه الصفقة الهواء من أشرعة سفينة المدافعين، وأنقذت المخابرات من التعرض للكشف والفضائح وأضفت على الجهاز القضائي مسحة من الموضوعية والعدالة الزائفة.
ألا تكفينا الصفقات البائسة على الصعيد السياسي حتى نكملها بصفقات أشد بؤسا على الصعيد القضائي؟

No comments: