في الذكرى السادسة لاستشهاد ياسر عرفات – هل بكيتم على عمرو؟؟
علي زبيدات – سخنين
لقد كتب الكثير عن الشهيد ياسر عرفات، عن حياته، نضاله واستشهاده. ومما لا شك فيه أن المزيد سوف يكتب عنه خصوصا وأنه أخذ من الإسرار في مماته أكثر مما أبقاه في حياته. لم أكن في يوم من الأيام من أنصار ياسر عرفات. لم أعتبره رمزا، مع انه كان رمزا رغما عن أنفي وأنوف جميع من عارضوه. ولم أعتبره أب الأمة مع أنه في الحقيقة كان الجد والأب والأخ في شخص واحد، وإلا كيف أصبحنا بعد رحيله أشبه بالأيتام على طاولة اللئام.
ولكني في هذه المناسبة أجد نفسي أردد القول العربي المأثور: دعوت على عمرو فمات فسرني وعاشرت أقواما بكيت على عمرو.
هل بكيتم أنتم أيضا على عمرو؟؟
كان ياسر عرفات أول من فرض نهج التسوية الذي بدأ يتدحرج ككرة ثلج صغيرة حتى أصبح اليوم كتلة مخيفة سحقتنا جميعا. الولادة الرسمية لهذا النهج خرجت إلى الحياة مع تبني ما يسمى بالبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تم تبنيه في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1974. شكل هذا البرنامج نقطة تحول في القضية الفلسطينية من مشروع التحرير لكامل التراب الفلسطيني إلى مشروع إقامة الدولة على أية بقعة يتم "تحريرها" المقصود انسحاب الاحتلال منها عن طريق المفاوضات. لم يكن تبني مثل هذا البرنامج في تلك الفترة من باب الصدفة، حيث دخلت المنطقة بأسرها بعد حرب 1973 التحريكية إلى حمى المفاوضات المباشرة مع اسرائيل. فكان مؤتمر جنيف، وكانت جولات كيسنجر المكوكية. بينما جلس أبو عمار ينتظر الدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر، وكان لا بد من قرار فلسطيني يفتح بابا للمشاركة فجاء هذا البرنامج ليلبي الطلب. غير أن الدعوة لم تأت. لأن الطرف الإسرائيلي – الأمريكي لم يكن معنيا والطرف العربي "المنتصر" هو الآخر لم يكن معنيا. النتيجة كانت إنفراد السادات بالمفاوضات والتوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر من معادلة الصراع.
أفرز البرنامج المرحلي، على الساحة الفلسطينية، تشكيل جبهة الرفض المثيرة للشفقة. والتي بدلا من إيقاف كرة الثلج عملت على تسريعها وذلك بقبولها قيادة اليمين الفلسطيني وهيمنته على منظمة التحرير.
عندما أعلن أنور السادات أمام أعضاء مجلس الشعب المصري عن عزمه زيارة القدس المحتلة بحثا عن "السلام" كان أبو عمار يجلس في الصف الأول من المجلس وكان من بين المصفقين للرئيس. ولكن كما هو معروف، خذل السادات أبا عمار مرة أخرى. فبعد أن تخلى السادات عن دور مصر التاريخي مقابل الحصول المشروط على سيناء، لم يستطع أن يقدم لأبي عمار أكثر من حكما ذاتيا هزيلا لا يغني من جوع ولا يؤمن من خوف.
رفض أبو عمار الحكم الذاتي على طريقة كامب ديفيد، ولكنه لم يفقد الأمل من خيار التسوية. وشن حملة سلمية ترأسها أشخاص من الصف الثاني وبعض ممثلي منظمة التحرير في العواصم الأوروبية: عصام سرطاوي، سعيد حمامي، عز الدين قلق. وقوى يسارية إسرائيلية: أوري أفنيري، لوبا الياف وغاصوا في حوارات لم يعرف أول من آخر. هذه الحوارات لم تتمخض إلا عن المزيد من البلبلة والتمزق على الساحة الفلسطينية وتوسيع دائرة الفساد. فبينما كانت المخابرات الإسرائيلية منهمكة في اغتيال المناضلين الحقيقيين في أوروبا مثل وائل زعيتر، محمود الهمشري، باسل الكبيسي وفي لبنان: غسان كنفاني، كمال عدوان، كمال ناصر وغيرهم الكثيرين في أماكن أخرى، كان الآخرون في مكاتب منظمة التحرير يعيثون فسادا مثل نمر حماد في روما الذي أصبح مستشارا رفيعا لرئيس السلطة محمود عباس، وعبد الله فرنجي في ألمانيا ألذي كان يتجسس على الطلاب الفلسطينيين لصالح المخابرات الألمانية، كما أكد لي شخصيا في حينه بعض الطلبة الناشطين، بالإضافة إلى حمامي وقلق في لندن وباريس الذين قتلا بسبب علاقتهما مع الإسرائيليين.
هذه الفترة توجت بخطاب ياسر عرفات في الأمم المتحدة في جنيف عام 1988، حيث وعد إذا ما لبى الشروط الأمريكية بفتح حوار مباشر مع الإدارة الأمريكية. وقد كانت عدة وفود تمثل الأحزاب العربية الإسرائيلية حاضرة إثناء الخطاب وكنت أنا أيضا موجودا ولكن بصفة شخصية. في هذا الخطاب قام أبو عمار ولأول مرة بتلبية الشروط الأمريكية وهي الاعتراف بفرار 242 وإدانة جميع أشكال الإرهاب وسط تصفيق مدوي من جميع الحاضرين الأمر الذي أفقدني أعصابي فصرخت بوقاحة أذهلت الحاضرين عندما وصفت أقوال عرفات بالكذب وأن الشعب الفلسطيني يرفض قرار 242 وقد قدم آلاف الشهداء لإحباط هذا القرار وأن النضال الفلسطيني ليس إرهابا.
في أعقاب هذا الخطاب وافقت الإدارة الأمريكية برئاسة رونالد ريغان بفتح حوار مباشر مع منظمة التحرير. وهذا الحوار بدوره عزز نهج التسوية وأصبح الرجوع إلى إستراتيجية المقاومة والتحرير مستحيلا. وكان إعلان "الاستقلال" في الجزائر محطة على طريق التسوية والتفريط بالثوابت وليس كما يظن البعض، انتصارا وطنيا وانجازا سياسيا.
وصلت مسيرة التسوية والتفريط التي قادها أبو عمار ذروتها في اتفاقيات أوسلو. ولكنه هنا لم يكن وحيدا وربما لم يكن اللاعب الأساسي أصلا في هذه الصفقة، فقد كان محمود عباس هو المهندس الرئيسي لهذه الاتفاقيات. مجريات الأحداث فيما بعد تعزز صحة هذه الفرضية.
بعد 7 سنوات من التوقيع على اتفاقيات أوسلو وبعد تقديم التنازلات الواحد تلو الآخر والتفريط بالثوابت الوطنية. فاجأنا أبو عمار بأنه ما زالت لديه خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها وأنه ما زال يملك فرامل تعمل بصورة جيدة. فقام بفضح كذبة العرض السخي جدا الذي قدمه رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود براك في مفاوضات كامب ديفيد الثانية. وانه لن يقبل أن يكون منسقا أمنيا لدى قوات الاحتلال الصهيوني وأكثر من ذلك فقد أكد أن خيار المقاومة لم يدفن نهائيا وإن كلفه ذلك دفع ثمن باهظ. لقد أنقذ أبو عمار في استشهاده، أولا وقبل كل شيء، تاريخه النضالي، تراثه وسمعته الوطنية.
ولكن أخشى أن يكون ذلك قد جاء متأخرا ولم يعد بالإمكان إيقاف كرة الثلج المتدحرجة. وقد بدا واضحا أن الذين إستورثوا أبو عمار لا يملكون أية خطوطا حمراء وفراملهم معطلة تماما.
تستحق يا أبا عمار في الذكرى السادسة على رحيلك أن نذرف دمعة صادقة على ضريحك تختلف عن دموع التماسيح التي سوف يسكبها من يدعون مواصلة مسيرتك.
علي زبيدات – سخنين
لقد كتب الكثير عن الشهيد ياسر عرفات، عن حياته، نضاله واستشهاده. ومما لا شك فيه أن المزيد سوف يكتب عنه خصوصا وأنه أخذ من الإسرار في مماته أكثر مما أبقاه في حياته. لم أكن في يوم من الأيام من أنصار ياسر عرفات. لم أعتبره رمزا، مع انه كان رمزا رغما عن أنفي وأنوف جميع من عارضوه. ولم أعتبره أب الأمة مع أنه في الحقيقة كان الجد والأب والأخ في شخص واحد، وإلا كيف أصبحنا بعد رحيله أشبه بالأيتام على طاولة اللئام.
ولكني في هذه المناسبة أجد نفسي أردد القول العربي المأثور: دعوت على عمرو فمات فسرني وعاشرت أقواما بكيت على عمرو.
هل بكيتم أنتم أيضا على عمرو؟؟
كان ياسر عرفات أول من فرض نهج التسوية الذي بدأ يتدحرج ككرة ثلج صغيرة حتى أصبح اليوم كتلة مخيفة سحقتنا جميعا. الولادة الرسمية لهذا النهج خرجت إلى الحياة مع تبني ما يسمى بالبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تم تبنيه في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1974. شكل هذا البرنامج نقطة تحول في القضية الفلسطينية من مشروع التحرير لكامل التراب الفلسطيني إلى مشروع إقامة الدولة على أية بقعة يتم "تحريرها" المقصود انسحاب الاحتلال منها عن طريق المفاوضات. لم يكن تبني مثل هذا البرنامج في تلك الفترة من باب الصدفة، حيث دخلت المنطقة بأسرها بعد حرب 1973 التحريكية إلى حمى المفاوضات المباشرة مع اسرائيل. فكان مؤتمر جنيف، وكانت جولات كيسنجر المكوكية. بينما جلس أبو عمار ينتظر الدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر، وكان لا بد من قرار فلسطيني يفتح بابا للمشاركة فجاء هذا البرنامج ليلبي الطلب. غير أن الدعوة لم تأت. لأن الطرف الإسرائيلي – الأمريكي لم يكن معنيا والطرف العربي "المنتصر" هو الآخر لم يكن معنيا. النتيجة كانت إنفراد السادات بالمفاوضات والتوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر من معادلة الصراع.
أفرز البرنامج المرحلي، على الساحة الفلسطينية، تشكيل جبهة الرفض المثيرة للشفقة. والتي بدلا من إيقاف كرة الثلج عملت على تسريعها وذلك بقبولها قيادة اليمين الفلسطيني وهيمنته على منظمة التحرير.
عندما أعلن أنور السادات أمام أعضاء مجلس الشعب المصري عن عزمه زيارة القدس المحتلة بحثا عن "السلام" كان أبو عمار يجلس في الصف الأول من المجلس وكان من بين المصفقين للرئيس. ولكن كما هو معروف، خذل السادات أبا عمار مرة أخرى. فبعد أن تخلى السادات عن دور مصر التاريخي مقابل الحصول المشروط على سيناء، لم يستطع أن يقدم لأبي عمار أكثر من حكما ذاتيا هزيلا لا يغني من جوع ولا يؤمن من خوف.
رفض أبو عمار الحكم الذاتي على طريقة كامب ديفيد، ولكنه لم يفقد الأمل من خيار التسوية. وشن حملة سلمية ترأسها أشخاص من الصف الثاني وبعض ممثلي منظمة التحرير في العواصم الأوروبية: عصام سرطاوي، سعيد حمامي، عز الدين قلق. وقوى يسارية إسرائيلية: أوري أفنيري، لوبا الياف وغاصوا في حوارات لم يعرف أول من آخر. هذه الحوارات لم تتمخض إلا عن المزيد من البلبلة والتمزق على الساحة الفلسطينية وتوسيع دائرة الفساد. فبينما كانت المخابرات الإسرائيلية منهمكة في اغتيال المناضلين الحقيقيين في أوروبا مثل وائل زعيتر، محمود الهمشري، باسل الكبيسي وفي لبنان: غسان كنفاني، كمال عدوان، كمال ناصر وغيرهم الكثيرين في أماكن أخرى، كان الآخرون في مكاتب منظمة التحرير يعيثون فسادا مثل نمر حماد في روما الذي أصبح مستشارا رفيعا لرئيس السلطة محمود عباس، وعبد الله فرنجي في ألمانيا ألذي كان يتجسس على الطلاب الفلسطينيين لصالح المخابرات الألمانية، كما أكد لي شخصيا في حينه بعض الطلبة الناشطين، بالإضافة إلى حمامي وقلق في لندن وباريس الذين قتلا بسبب علاقتهما مع الإسرائيليين.
هذه الفترة توجت بخطاب ياسر عرفات في الأمم المتحدة في جنيف عام 1988، حيث وعد إذا ما لبى الشروط الأمريكية بفتح حوار مباشر مع الإدارة الأمريكية. وقد كانت عدة وفود تمثل الأحزاب العربية الإسرائيلية حاضرة إثناء الخطاب وكنت أنا أيضا موجودا ولكن بصفة شخصية. في هذا الخطاب قام أبو عمار ولأول مرة بتلبية الشروط الأمريكية وهي الاعتراف بفرار 242 وإدانة جميع أشكال الإرهاب وسط تصفيق مدوي من جميع الحاضرين الأمر الذي أفقدني أعصابي فصرخت بوقاحة أذهلت الحاضرين عندما وصفت أقوال عرفات بالكذب وأن الشعب الفلسطيني يرفض قرار 242 وقد قدم آلاف الشهداء لإحباط هذا القرار وأن النضال الفلسطيني ليس إرهابا.
في أعقاب هذا الخطاب وافقت الإدارة الأمريكية برئاسة رونالد ريغان بفتح حوار مباشر مع منظمة التحرير. وهذا الحوار بدوره عزز نهج التسوية وأصبح الرجوع إلى إستراتيجية المقاومة والتحرير مستحيلا. وكان إعلان "الاستقلال" في الجزائر محطة على طريق التسوية والتفريط بالثوابت وليس كما يظن البعض، انتصارا وطنيا وانجازا سياسيا.
وصلت مسيرة التسوية والتفريط التي قادها أبو عمار ذروتها في اتفاقيات أوسلو. ولكنه هنا لم يكن وحيدا وربما لم يكن اللاعب الأساسي أصلا في هذه الصفقة، فقد كان محمود عباس هو المهندس الرئيسي لهذه الاتفاقيات. مجريات الأحداث فيما بعد تعزز صحة هذه الفرضية.
بعد 7 سنوات من التوقيع على اتفاقيات أوسلو وبعد تقديم التنازلات الواحد تلو الآخر والتفريط بالثوابت الوطنية. فاجأنا أبو عمار بأنه ما زالت لديه خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها وأنه ما زال يملك فرامل تعمل بصورة جيدة. فقام بفضح كذبة العرض السخي جدا الذي قدمه رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود براك في مفاوضات كامب ديفيد الثانية. وانه لن يقبل أن يكون منسقا أمنيا لدى قوات الاحتلال الصهيوني وأكثر من ذلك فقد أكد أن خيار المقاومة لم يدفن نهائيا وإن كلفه ذلك دفع ثمن باهظ. لقد أنقذ أبو عمار في استشهاده، أولا وقبل كل شيء، تاريخه النضالي، تراثه وسمعته الوطنية.
ولكن أخشى أن يكون ذلك قد جاء متأخرا ولم يعد بالإمكان إيقاف كرة الثلج المتدحرجة. وقد بدا واضحا أن الذين إستورثوا أبو عمار لا يملكون أية خطوطا حمراء وفراملهم معطلة تماما.
تستحق يا أبا عمار في الذكرى السادسة على رحيلك أن نذرف دمعة صادقة على ضريحك تختلف عن دموع التماسيح التي سوف يسكبها من يدعون مواصلة مسيرتك.
No comments:
Post a Comment